«آن الجملُونات الخضراء» .. الرواية التي أُدرجت ضمن منهاج المدارس الثانويّة في اليابان و عدّة دول أخرى

02-01-2013

«آن الجملُونات الخضراء» .. الرواية التي أُدرجت ضمن منهاج المدارس الثانويّة في اليابان و عدّة دول أخرى

الجَمَلُون: هو الجزء الأعلى مثلّث الشكل من المنزل، المتشكّل من سطحين مائلين. والجملونات الخضراء هو اسم البيت الذي تجري فيه أحداث هذه الرواية، للكاتبة الكنديّة لوسي مود مونتغري.
 

الحكاية
في قرية أفونلي التابعة لجزيرة الأمير إدوارد في كندا، كانت تعيش عائلة كاثبرت، المكوّنة من ماثيو وماريلا الأخوين العانِسَين اللذين رغبا بعدما تقدّم بهما العمر، بتبنّي ولد، لكي يؤنس وحدتهما، وليساعدهما في أعمال المزرعة. لكنّ خطأً ما، يجعل الولد المطلوب بنتاً، وبعد أخذٍ وردّ، يقرران تبنيها، لتبدأ حياة آن شيرلي في منزل الجملونات الخضراء؛ منزل آل كاثبرت. الرواية تعرض حياة آن من اليفاعة إلى المراهقة، وبداية النضوج. تبدو الحكاية للوهلة الأولى من النّمط العادي البسيط إذ تأخذ المسار الصاعد للزمن في عرض الأحداث، لكنّ التفاصيل التي لعبت عليها الكاتبة بحرفيّة، على درجة كبيرة من الأهميّة.
خيال آن
الشخصيّة الرئيسة في الرواية هي آن شيرلي ابنة الأحد عشر ربيعاً، القادمة من الميتم، لم تعش طفولتها إذ تحمّلت مسؤوليات كبيرة وهي صغيرة. تتصف هذه الشخصيّة غريبة الأطوار بالخيال الخصب، وبأن هذا الخيال مكشوف على لسانها؛ أي لا تستطيع ضبطه في رأسها؛ فهي على الأغلب تُحادث الأشجار، والنباتات، والبحيرات والجداول، وتُطلق عليها أسماءها الخاصّة؛ فهي تُطلق على شجرة الكرز «ملكة الثلج»، وعلى بحيرة باري «بحيرة المياه المشرقة، وعلى النبع «فقاعة حوريّة الغابة»، وعلى بقعة أشجار البتولا «القفر المثالي»... وهكذا من هذه الأسماء التي تُضفي طابعاً جمالياً على الموجودات، وكأنها تُدافع عن هذا الجمال المتدفّق في الطبيعة بمصطلحاته، ولا تقبل إلاّ أن يكون منسجماً مع ذاته ومع المحيط... كذلك ينسحب الأمر على ذاتها؛ فهي نحيلة، حمراء الشعر، منمّشة الوجه، لذلك كانت تُشكّل نفسها على هواها؛ كأن يكون اسمها كورديلا، وتبدو سمينة قليلاً، ويكون مرفقاها بغمازات، وشعرها أسود، وتكون عيناها بنّيتين. كذلك عندما تقف أمام لوحة «المسيح يبارك الأطفال الصغار»، تقرأ اللوحة على هواها مفترضةً أن الصغيرة في اللباس الأزرق التي تقف جانباً، هي مثلها لا تنتمي إلى أحد لأنها وحيدة وحزينة، لكنها ترغب في أن تُبارك، لذلك تنسلّ إلى جانب السيّد المسيح، وتتساءل لماذا يُرسم السيد المسيح حزيناً جداً لدرجة أن الأطفال يمكن أن يخافوا منه؟! وعندما يُطلب منها الصلاة، تُصلّي على طريقتها؛ إذ تشكر الله على «ملكة الثلج»، وعلى وجود البحيرة المشرقة، وأن تبقى في الجملونات الخضراء، ثم تختم صلاتها بالمخلصة آن شيرلي! وكأنّ الواهب صديقاً لها! هذا الخيال الخارج إلى العلن من رأس آن، يجعلها عرضةً للمشكلات مع المحيطين بها، الذين ينعتونها على الدوام بأنها غريبة الأطوار!
الخصم
في المدرسة تلتقي آن بجيلبرت الذي في مثل سنّها، جيلبرت الذي تطلب ودّه جميع الطالبات؛ لشخصيته المحبوبة، وتفوّقه الدراسي. وعندما يداعب جيلبرت آن، بأنها تبدو مثل الجزرة بشعرها الأحمر، ووجهها المنمّش! تقوم آن بكسر لوح الكتابة الخاص بها على رأسه، ليبدأ بعدها الشدّ والجذب بين الشخصيتين، وليبقيا على خلاف مستمرّ رغم تودد جيلبرت، ومحاولة اعتذاره أكثر من مرّة، لكنّ آن بشخصيتها العنيدة لا تقبل أبداً مسوغةً ذلك بأنه أهانها أمام الجميع، ليبدأ بعدها التنافس في الدراسة. على خلفية هذه الحادثة تؤّكد الرواية عبر سلسلة من الأحداث بين جيلبرت وآن أهميّة وجود الخصم في الحياة، الذي يمكن أن يوجّه وجوده الأمور باتجاهها الصحيح، إن كان الأمر مبنياً على التنافس الحقيقي المُحفّز، وليس الكره الذي لا يورث غير الخسارة؛ إذ عندما يصلون إلى الأكاديميّة، ويبدأ تنافس جديد من أجل منحة دراسيّة، تبدأ آن التفكير بطريقة مختلفة عمّا كانت عليه في المدرسة: «لم تعد آن تتمنّى الربح من أجل هزيمة جيلبرت، وإنّما للوعي الفخور بتحقيق نصر جيّد على خصم قدير» ص347. وعندما تتفوّق عليه بعد هذا التصميم الواعي، وتعلم أنه لن يرافقها إلى الجامعة، تحزن كثيراً؛ لأنّ الأمر سيكون عديم النكهة من دون الصديق العدو جيلبرت.
الأثر
بدت آن في حياتها، محوطة بمجموعة كبيرة من الشخصيات النمطيّة التي تلتزم حُسن سير العادات والتقاليد والأعراف في المجتمع، لذلك اصطدمت معهم جميعاً، ومع تقدّم العلاقة بين آن وهذه الشخصيات، نلحظ أن في داخل كل منهم توقاً إلى الحريّة التي كانت تفور من رأس آن عبر تصرفاتها وشيطناتها؛ توقاً إلى المرح والبساطة، وإلى إقامة علاقة طبيعيّة مع المحيط والعالم بلا تكلّف، أو قوانين وضعيّة، لكنّ كلّ هذا التوق كان يُكبت على خلفيّة العيب ولا يجوز.. من تلك الشخصيات: «ماريلا» التي تبنّت آن، والتي كانت تقابل تصرفاتها وآراءها بالسخرية، وتعنّفها طالبة منها الالتزام بحُسن السلوك. ولم يكن من السهل على آن جرّ ماريلا الواقعيّة إلى عالمها الخيالي؛ لأن ماريلا متمسّكة بما يجب فعله وما لا يجب، وكانت على الدوام تُملي ذلك على آن عند كلّ موقف، ولم تكن تستمع إلى مسوغات آن ذات العقل النابض الذي يرى في كلّ شيء عالماً يجب التعامل معه.. ومع تقدّم العلاقة بينهما تعترف ماريلا بالأثر الكبير الذي وضعته آن في المنزل:«لا يمكن لأي بيت تعيش فيه آن أن يكون مُملاً» ص129.
أهميّة الرواية
أعتقد بأن أهميّة الرواية كامنة في أنها رواية تربويّة بامتياز، لذلك وضعتها كثير من الدول في مناهج التعليم، وأعتقد بأن على جميع اليافعين قراءتها؛ إذ تُعلّم من خلال آن كيف يعبّر المرء عن نفسه بحريّة من دون رياء، وأن يعترف بأخطائه، وبالآخرين ومقدراتهم... إنها رواية تقول لا للكبت الذي يرميه المجتمع على الأطفال، بل نعم لمساحة السماء في خيالهم... لا للغُرف المظلمة، وللأواني المزخرفة المصفوفة في الخزائن تنتظر قادماً مهمّاً لكي تنال شرف استعمالها، بل نعم للحياة بكلّ ما فيها.
«آن الجملونات الخضراء» صادرة عن دار كلمة للنشر والتوزيع في دمشق 2012، ترجمة نور الدين البهلول.

علي الشاويش

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...