بابا عمرو يسقط من الحسابات العسكرية ويدخل في البازارات السياسية؟
ما بين تأكيدات المصادر الأمنية السورية على سقوط حي بابا عمرو الذي يشكل المعقل الأساسي للمسلحين ومركز قيادتهم بعد ساعات معدودة على البدء باقتحامها، ونفي مصادر المعارضة الخبر من أساسه مكتفيا بالاشارة إلى استمرار القصف المدفعي والحصار الخانق، أطل قائد "الجيش السوري الحر" رياض الأسعد ليعلن عن تنفيذ جيشه انسحاباً تكتيكياً، متوعداً بمعاودة الهجوم والاستمرار بالحرب حتى اسقاط النظام، ومشيراً في الوقت ذاته إلى نقص في السلاح والذخائر دفع لهذا الانسحاب.
ومهما كانت التبريرات، فان الثابت هو استعادة الجيش السوري السيطرة على الحي بعد حصار دام اكثر من عشرين يوماً، وسجل انتصاراً معنوياً وسياسياً لم تنكره عليه وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون التي سارعت إلى خفض سقف مطالبها لتصل إلى حدود ضرورة فهم طبيعة المعارضة التي كانت قد دعمتها منذ بدء الاحداث في سوريا، وأدى كذلك الامر إلى تأجيل موعد الاجتماع الروسي الخليجي باعتبار أن حصيلة معركة بابا عمرو حددت طبيعة الاجتماع ونتائجه سلفا.
وبالعودة إلى المشهد الميداني، كشفت مصادر أمنية سورية أن كبار قادة الجيش كانوا قد ابلغوا الرئيس السوري بشار الأسد في الثالث والعشرين من شباط الماضي، أن قيادة المسلحين في بابا عمرو باتت في حكم الساقطة، وتالياً فان المطلوب هو أوامر عليا لتنفيذ الاقتحام، بعد استكمال الحصار واقفال جميع منافذ التموين بما فيها الانفاق المستحدثة، غير أن الأوامر لم تأت في حينه لعدة اسباب استراتيجية يكشف عنها المصدر كالاتي، أن حصار مدينة "بابا عمرو" أمر ممتاز، غير أن اسقاطها يعني سقوط الاجهزة الاجنبية العاملة تحت ستار الصحافة الاجنبية، وهذا الواقع يجب توظيفه في السياسة والدبلوماسية، وتالياً فان الاعلان عن سقوطها عسكريا من دون الميدان يكفي لاطلاق مفاوضات سرية مع تركيا وفرنسا خصوصاً، وتوظيف النتائج في المسار الاستراتيجي، وذلك على اعتبار أنه على فرنسا أن تدفع ثمن اقحام مخابراتها إلى جانب المسلحين، فالمحصلة واحدة ورد الضغط عن النظام باتجاه فرنسا امر مطلوب، في ظل ضيق الخيارات المحصورة بين حدين لا ثالث لهما، أما اعتراف فرنسا بوجود رعاياها في بابا عمرو والتعاطي معهم كاسرى حرب واعادتهم من خلال مفاوضات روتينية تلجأ اليها الدول في مثل هذه الحالة، وأما استمرار النفي الفرنسي وبالتالي التعاطي معهم اسوة بالمرتزقة وتعريضهم لشتى أنواع الأخطار، فضلا عن الفضائح السياسية والعسكرية المترتبة على هذه الخطوة.
ويشير المصدر إلى أن عودة السفير الفرنسي المفاجئة إلى دمشق، لم تأت صدفة، بل إلى بدء مفاوضات شاقة وصارمة قادتها الخارجية السورية، أدت إلى التراجع الفرنسي المعروف خلال مؤتمر "اصدقاء سوريا"، كما إلى عزوف وزير الخارجية الفرنسية الان جوبيه عن اطلاق مواقف تصعيدية، كان قد دأب عليها منذ اشهر طويلة، وشكلت رأس حربة المعارضة السورية، كما إلى انخفاض السقف التركي، وهذا ما بدا واضحا للغاية، اذ أن الهجوم الحاسم الذي استمر ساعات محدودة جاء في اعقاب انسحاب الصحافيين الاجانب مع من يرافقهم إلى بيروت، والجدير بالاشارة هو اعلان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن وصول صحافيين فرنسيين بسلام إلى لبنان، وذلك بعد ساعات معدودة على الاعلان عن سقوط بابا عمرو.
في المقابل، وعلى الرغم من انتقادها اللافت لموقف الأسعد من تشكيل المجلس العسكري السوري في تركيا، تعتبر مصادر المعارضة السورية أن خسارة معركة لا تعني على الاطلاق خسارة الحرب المستمرة حتى اسقاط النظام، كما تعتبر أن وسائل الضغط العسكري ما زالت موجودة وقادرة على حسم الموقف.
أنطوان الحايك
المصدر: النشرة الالكترونية اللبنانية
إضافة تعليق جديد