الأحزاب التركية تنشر غسيلها الوسخ
تراجعت السياسة في تركيا إلى حدّ الصفر. لم يعد هناك من تحركات على الصعيد الخارجي، ولا إجراءات تنفيذية في الداخل، والجميع يجول في البلاد، كل بمواكبه الطويلة جدا، وحافلاته التي يتحول ظهر إحداها إلى منصة خطابة لزعماء الأحزاب.
إلا انه يبدو أن ارتفاع درجات الحرارة لم يؤثر كثيرا على احتشاد المناصرين، ولا سيما مؤيدي «حزب العدالة والتنمية» الحاكم، الذي لا يتراجع عدد حضور أصغر مهرجاناته عن الـ250 ألفا.
وتحوّلت الحملة الانتخابية في تركيا إلى مناسبة لنشر «الغسيل» السياسي، وتظهير صورة الخلافات الكبيرة بين مختلف الأحزاب.
ويكثف زعيم الحزب الحاكم رجب طيب أردوغان مهرجاناته الانتخابية، التي وصل عددها إلى رقم قياسي حتى الآن، وهو 26 مهرجانا، في مقابل خمسة فقط لزعيم «حزب الشعب الجمهوري» المعارض دينيز بايكال. كما ينتظر أن يتحدث أردوغان، رئيس الحكومة، أمام ثلاثين مهرجانا آخر من الآن وحتى موعد الانتخابات في 22 تموز الحالي، علما انه يقيم أحيانا مهرجانين أو أكثر في اليوم الواحد.
وعلى الرغم من أن الدستور لا يسمح لرئيس البرلمان المشاركة في المهرجانات الانتخابية، إلا أن بولنت ارينتش ظهر في مهرجان للحزب الحاكم، سوية مع أردوغان ووزير الخارجية عبد الله غول، في استعراض لقوة الحزب ووحدته، بعدما اعترض ارينتش على تصريح لغول حول استمرار ترشحه لرئاسة لجمهورية.
ولا تزال أزمة انتخابات رئاسة الجمهورية محورا أساسيا في الحملة الانتخابية لـ«حزب العدالة والتنمية»، حيث يراهن على أن استمرار إثارة هذه المسألة سوف يكسبه أصواتا إضافية كافية لكي يفوز بأكثر من ثلثي المقاعد النيابية، ليمكنه من حسم المسألة لصالحه، ووفقا لاجتهاد المحكمة الدستورية التي يواصل قادة الحزب توجيه السهام إلى قرارها «الجائر».
ويتساءل غول «ماذا كان ليفعل سليمان ديميريل لو كان مكاني؟». ويجيب أنه «كان سيقيم القيامة». ويتهم وزير الخارجية المحكمة الدستورية بأنها تخلت عن دورها الدستوري، لتتحول إلى مجلس شيوخ يصدر قرارات سياسية. وفي تحدّ للمحكمة الدستورية، قال أردوغان للجماهير المحتشدة في مدينة قيصري «لقد أرادوا 367 صوتا. اليوم المهمة تقع على عاتقكم. وبدل الـ367 فلنعطهم 467 نائبا». ويقول وزير الصحة رجب أقداغ إن الحزب لا يريد من الشعب أن يكون بمفرده في السلطة، بل أيضا أن يستطيع انتخاب الرئيس الذي يريده. ويضيف «نريد 400 نائب».
بدوره حضر زعيم «حزب العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان، المعتقل في جزيرة ايمرالي في بحر مرمرة، بقوة في السجالات الانتخابية بين «حزب العدالة والتنمية» و«حزب الحركة القومية» المتشدد الذي يضرب على الوتر القومي لتجاوز نسبة العشرة في المئة المطلوبة لدخول البرلمان. وقد فاجأ أردوغان زعيم الحزب دولت باهتشلي بسؤاله «لقد كنتم في السلطة عندما تم تعديل الدستور وإلغاء عقوبة الإعدام، فلماذا لم تعدموه؟». ويرد باهتشلي أن حزبه كان الوحيد الذي عارض في البرلمان إلغاء عقوبة الإعدام، فيما أيد الإلغاء نواب أمثال غول وعبد اللطيف شينير وآخرون من «العدالة والتنمية» عندما كانوا في «حزب الفضيلة».
وقال باهتشلي لأردوغان «اليوم السلطة بيدك لوحدك، فلماذا لا تعدم أوجلان؟»، الذي رد «لماذا لم تعدموه عندما كان بإمكانكم ذلك؟ أم انك تريدني أن أنتهك الدستور؟ نحن لا نتحرك إلا ضمن الدستور».
وقد عمد «حزب الحركة القومية» إلى نشر ملصقات تتضمن أسماء 15 نائبا ووزيرا من الحزب الحاكم كانوا أيدوا إلغاء عقوبة الإعدام في البرلمان في 3 آب العام ,2002 وذلك من أجل التشهير بهم أمام الرأي العام.
وإذا كانت المسألة الكردية قد دخلت من باب أوجلان فمن المتوقع أن تسبب اضطرابا كبيرا مع ظهور نتائج الانتخابات، حيث من المؤكد أن «حزب المجتمع الديموقراطي» سيتمثل في البرلمان عبر عدد من أبرز زعمائه الذين يخوضون المعركة كمرشحين مستقلين، مضمون فوز نسبة كبيرة منهم نظرا لسيطرة الحزب على معظم مناطق الجنوب الشرقي ذات الغالبية الكردية.
وترى صحيفة «حرييت» أن «نواب حزب المجتمع الديموقراطي» قد يشكلون مفتاحا لأي انتخاب لرئيس الجمهورية إذا لم يحصل «العدالة والتنمية» على أكثرية الثلثين، أو مفتاحا لأي ائتلاف حكومي إن لم ينجح أي حزب في الوصول بمفرده إلى السلطة، وإذا ظلت الاستقطابات السياسية كما هي عليه الآن.
وحاول بايكال فتح ثغرة في جدار الحزب الحاكم، عندما اتهمه بتوقيع اتفاق «سرّي» مع واشنطن في دبي في 22 أيلول ,2003 يتضمن منح تركيا قرضا بقيمة 8.5 مليارات دولار، أو هبة بقيمة مليار دولار في مقابل عدم تحرك أنقرة في العراق إلا بالتنسيق مع الولايات المتحدة، علما أن هذا الاتفاق تم إلغاؤه في ما بعد، تحت ضغط «حزب الشعب الجمهوري» عندما لم ترفعه حكومة «العدالة التنمية» إلى البرلمان للتصديق عليه. ونفى غول وجود مثل هذا الاتفاق واصفا اتهامات بايكال بالافتراء.
وتساءلت صحيفة «يني شفق» «كيف يكون الاتفاق سرياً وقد نوقش علنا ولم يأخذ نهاياته؟». أما أردوغان فاتهم «حزب الشعب الجمهوري» بمحاولة القيام بانقلاب، عندما سعى لأخذ صلاحيات من مؤسسات دستورية (المحكمة الدستورية) لم يعطه الشعب إياها في الأساس.
واعتبر المعلق في «يني شفق» فهمي قورو أن المعارضة مفلسة إلى درجة أنها لم تجد ما تنبشه سوى قضايا وهمية وقديمة، وبحيث أن السلطة، أي «العدالة والتنمية»، هي التي تظهر بمظهر الضحية وليس المعارضة كما هي العادة. ويقول إن وصول الحزب الحاكم إلى السلطة مجددا سيكون، ليس فقط لإنجازاته، بل بسبب عدم أهلية المعارضة.
أما «الحزب الديموقراطي» الذي يتزعمه محمد آغار فقد حاول أن ينال من أردوغان عبر مسألة الحجاب بالذات، عندما لاحظ أن برنامج «حزب العدالة والتنمية» وكل خطابات رئيس الحكومة تجاهلت تماما هذه المسألة، على الرغم من أنها كانت أساسية في برنامج الحملة الانتخابية للحزب في العام .2002 وأشار إلى انه منفتح على مسألة الحجاب، وذلك في محاولة لكسب أصوات إسلامية.
وفي آخر إحصاء يحتفظ به أردوغان «في جيبه»، كما تقول صحيفة «يني شفق»، فإن «حزب العدالة والتنمية» سينال حوالى 40 في المئة من الأصوات، في مقابل 18 في المئة لـ«حزب الشعب الجمهوري». أما «حزب الحركة القومــــية» فسينال 8.6 في المئة، فيما لن تتجاوز الأحزاب الأخرى الخمسة في المئة.
محمد نور الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد