سيناريوهات الحدث السوري: الترسيمات والمسارات

09-06-2011

سيناريوهات الحدث السوري: الترسيمات والمسارات

الجمل: تحدثت العديد من التقارير والتحليلات السياسية عن الحدث السوري، وعلى وجه الخصوص لجهة ما يتعلق بتطورات هذا الحدث الجديدة على المستويين الداخلي ـ المحلي، والخارجي ـ الإقليمي والدولي، فما هي طبيعة المضمون الجديد الذي تطرقت إليه التقارير والتحليلات السياسية الجارية، وما هي ملامح سيناريو الحدث السوري خلال المرحلة القادمة: التهدئة أم التصعيد، أم "المنزلة بين المنزلتين" كما يقول المعتزلة؟

* البيئة السياسية الداخلية: الخيارات المطروحة

على مستوى بيئة السياسة الداخلية السورية، لا توجد مؤشرات تفيد إلى أن حجم الصراع السياسي السوري ـ السوري، كان على مستوى الصراع السياسي التونسي ـ التونسي، أو الصراع السياسي المصري ـ المصري السابقين، ولا حتى على مستوى الصراع السياسي اليمني ـ اليمني، أو مستوى الصراع السياسي البحريني ـ البحريني، الجارية فعالياتهما الآن، ولكن برغم ذلك يمكن ملاحظة الآتي:مؤتمر الإخوان المسلمين في بروكسل
•    على مستوى السلطة الحاكمة: أكدت دمشق  على ضرورة الإصلاحات، وأيضاً على حق كل صوت وطني معارض أو مؤيد أن يعبر عن رأيه، وبالفعل فقد سعت دمشق إلى البدء في مسيرة الإصلاحات، عن طريق: رفع حالة الطوارئ ـ إصدار العفو العام ـ إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ـ قوانين جديدة للإعلام والأحزاب - إضافة إلى بعض القرارات الاقتصادية المتعلقة بمجالات العمل والدعم والإنتاج وما شابه ذلك، وما هو أهم السعي وبأسرع ما يمكن لإصدار قانون الانتخابات الجديد.
•    على مستوى المعارضة: ما زالت وبشكل متقطع تحدث بعض الاحتجاجات السياسية الصغيرة المحدودة في بعض الأماكن الريفية، وعلى وجه الخصوص في أيام الجمع، وتحديداً في لحظة خروج المصلين من الجوامع بعد صلاة الجمعة، ولكن، ما هو جديد هذه المرة تمثل في ظهور أسلوب استخدام السلاح، فقد دخلت مجموعة مسلحة من الأراضي التركية إلى منطقة جسر الشغور، وبالتزامن مع ذلك انضمت إليها بعض العناصر المحلية، وبدأت هذه المجموعات في عمليات استهداف واسعة النطاق، تضمنت القضاء عى عناصر القوات النظامية وتدمير وحرق مؤسسات الدولة الرسمية، إضافة إلى محاولة القيام بعمليات "تطهير عرقي" ضد سكان المنطقة من أبناء الطوائف غير الداعمة لتوجهات المعارضة.
المفاضلة والمعايرة من خلال عملية التحليل السياسي المقارن، تقودنا مباشرة إلى استنتاج مفاده، أن السلطة الحاكمة تراهن على ضرورة المضي قدماً في طريق الإصلاحات اللازمة كوسيلة ضرورية لتحقيق التهدئة والاستقرار وتفادي شبح العنف السياسي المدمر للجميع. إضافة إلى السعي من أجل عدم اللجوء بقدر الإمكان لجهة استخدام القوة العسكرية المفرطة إلا في حالة الدفاع عن النفس أو حماية المنشآت الحيوية الهامة. أما بالنسبة للمعارضة الداخلية، فمن الواضح أنها قد حسمت أمرها تجاه رهان عدم الاقتناع بأي إصلاحات مهما كانت جدية هذه الإصلاحات، وبالتالي نلاحظ أن الاتجاه السائد في خطاب المعارضة هو وصف الإصلاحات بأنها غير جدية وبأنها لا تجدي وبأنها جاءت متأخرة. وبالتالي، إذا استمرت قوى المعارضة في هذا الاتجاه، فإنها تكون قد أكدت على خيار الصدام، وهذا الخيار لن يستطيع أحد التحكم بمجرياته، إلا في حال معادلة توازن القوى بين الطرفين، وهي المعادلة التي لا تصب حالياً في مصلحة المعارصة، طالما أنها لا تتمتع بالتأييد الشعبي الذي يجعلها ذات حجم يرقى إلى حجم المعارضة المصرية التي وقف خلفها أكثر من 99% من سكان مصر ، أو من حجم المعارضة التونسية التي كان حجمها بنفس مستوى حجم المعارضة المصرية.

* البيئة السياسية الخارجية: الخيارات المطروحة

تعكس مجريات الأداء السلوكي الخارجي الإقليمي والدولي اهتماماً غير مسبوق بالحدث السوري، وما هو جدير بالملاحظة تمثل في أن حجم الاهتمام الخارجي يفوق أضعاف حجم الاهتمام الداخلي بنفس الحدث، وكما هو واضح، فإن المعطيات الجيو سياسية المتعلقة بوضع سوريا الجيوبوليتيكي وأهميتها الكبيرة في توازنات الصراعات الدولية والإقليمية كانت السبب المحفز لتصاعد وتائر هذا الاهتمام الكبير، وحالياً يمكن ملاحظة أن الحدث السوري قد أدى إلى حدوث استقطابات دولية وإقليمية استقرت على حدوث المزيد من الاصطفافات الجديدة في خارطة التوازنات الدولية، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
•    على مستوى الدول الكبرى: تسعى واشنطن وباريس وبريطانيا إلى اعتماد أكثر المواقف تشدداً لجهة إضعاف دمشق، وفي الجانب المقابل، تقف موسكو على الجانب الآخر، الذي يطرح موقفاً يتراوح بين وصفه بالرافض، وبين وصفه بالمنخفض.
•    على مستوى الدول الإقليمية: سعت أنقرا والرياض إلى التعاون من أجل استهداف دمشق، وعلى الجانب الآخر، ظلت طهران أكثر التزاماً لجهة التأكيد على ضرورة دعم دمشق.مؤتمر المعارضة السورية في أنطالية
•    على مستوى التكتلات الإقليمية: سعى الاتحاد الأوروبي إلى اعتماد نفس مواقف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن المعادية لدمشق، وبالنسبة للجامعة العربية، فعلى ما يبدو أنها لم تصبح غائبة عن التفاعل مع الأوضاع العربية وإنما بالأحرى تم تغييبها، وبعد أن تم استخدام الجامعة العربية في تمرير مخطط استهداف ليبيا، فمن الواضح أن هذه الجامعة العربية لن تقوم لها قائمة وسوف تبقى ممددة في غرفة الإنعاش في انتظار قدوم الذي سوف يطلق عليها رصاصة الرحمة!
وإضافة لذلك، ما هو جدير بالملاحظة يتمثل في أن الرأي العام العربي ما زال يقف إلى جانب دمشق، وحتى الآن لم تشهد أي عاصمة عربية قيام أي مسيرة ساعية إلى الوقوف بجانب "حركة المعارضة السورية" التي أفراط زعماؤها في الحديث كثيراً عن قيام دمشق باستخدام العنف المفرط. وفي نفس الوقت فهو أكثر اهتماماً بعدم الحديث إن لم يكن بالصمت المطلق إزاء قيام تل أبيب باستخدام العنف المفرط ضد الفلسطينيين.

* سيناريوهات الحدث السوري: الترسيمات والمسارات

ترتبط ترسيمات السيناريو ـ أي سيناريو ـ بطبيعة وجود وخصوصية تأثير العوامل الحاكمة، وفي حالة سيناريو الحدث السوري، يمكن الإشارة إلى العوامل الحاكمة الآتية:
•    العامل الأول: ضعف نفوذ حركة المعارضة على الرأي العام الداخلي، والذي لم يتجاوب مع خطاب هذه المعارضة بالقدر الكافي الذي يمكن أن يؤدي إلى توسيع حجم السند الجماهيري الداخلي بالمستوى الذي شهدناه في مصر، وفي تونس.
•    العامل الثاني: تزايد نفوذ العامل الخارجي لجهة التأثير على المعارضة الخارجية، وبصريح العبارة، كل زعماء هذه المعارضة موجودين في الدول الغربية وعلى وجه الخصوص في واشنطن وباريس ولندن، الأمر الذي جعلهم بعيدين عن الواقع الداخلي. وفي نفس الوقت رهينين لتوجهات القرار الأمريكي والغربي، بدليل أن أي واحدة من حركات المعارضة لم تسع حتى الآن إلى أن تضع ضمن برنامجها بنداً يؤكد على ضرورة استعادة الجولان، والسبب معروف، وهو أن كل من يطالب باستعادة الجولان، سوف لن تقدم له أمريكا وفرنسا وبريطانيا الدعم والسند.
•    العامل الثالث: الاعتماد على الموارد الخارجية، أدى إلى تبعية قوى المعارضة في الحصول على الموارد المالية والإعلامية، والحماية، وهو أمر يشكل نقطة ضعف كبيرة، طالما أن الأطراف الخارجية سوف تسعى إلى حرمان المعارضة من هذه المزايا إذا لم تلتزم بالتعاون معها.
•    العامل الرابع: تأثير إسرائيل الذي يصعب تحييده، وذلك لأن واشنطن وباريس ولندن، لن تهتم بتقديم أي دعم لأي معارضة داخلية أو خارجية سورية، إلا بعد الاطمئنان والتأكد بأن هذه التوجهات لن تشكل تهديداً لأمن إسرائيل.
•    العامل الخامس: التفاهم الاستراتيجي الأمريكي ـ الإسرائيلي، هو أمر متوقع، فهناك اتفاق استراتيجي تلتزم بموجبه واشنطن بعدم القيام بأي تحرك أو إجراء أو اتخاذ قرار بشأن أي ملف شرق أوسطي، إذا لم يكن هناك اتفاق مسبق أمريكي ـ إسرائيلي، وبالتالي، فإن كل ما تقوم أمريكا بتقديمه حالياً من جهود إزاء ملف الحدث السوري، هو أمر تم الاتفاق عليه مسبقاً بين أمريكا وإسرائيل.
تأثير هذه العوامل الحاكمة، سوف يظل يمارس حضوره القوي البالغ الشدة على فعاليات شكل أي سيناريو سوري قادم أو محتمل، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
•    سيناريو التهدئة: إذا سعت دمشق إلى التهدئة من خلال تقديم المزيد من المزايا والتنازلات، فمن غير الممكن إن لم يكن من المستحيل أن تقبل المعارضة السورية بخيار التهدئة. إلا إذا وافقت لها عواصم واشنطن ـ باريس ـ لندن على ذلك. وحتى باريس ولندن لن تستطيعا الموافقة إلا إذا وافقت واشنطن والتي بدورها لن توافق إلا إذا وافقت إسرائيل. فهل يا ترى سوف ترغب إسرائيل في رؤية سوريا هادئة أم لا.
•    سيناريو التصعيد: الآن تسعى المعارضة السورية إلى التصعيد، وهذا التصعيد يحتاج إلى: توافر الموارد ـ توافر السند الداخلي ـ توافر الدعم الخارجي،  ولما كان السند الداخلي غير متاح بالقدر الكافي في الوقت الحالي، فهل ستلجأ المعارضة السورية إلى تصعيد الحملات الإعلامية الخارجية وتوظيف فعالياتها. وهل تستطيع تحمل نتائج ذلك، خاصة إذا علمنا بأن الحملات الإعلامية الجارية بواسطة قنوات العربية والجزيرة والحرة والبي بي سي والقناة الفرنسية قد فقدت الكثير من مصداقيتها بسبب المواقف المحرجة التي تعرضت لها حملاتها، وكان آخرها فضيحة ادعاء انشقاق السفيرة السورية في فرنسا، وإضافة لذلك، فإن التصعيد المسلح الداخلي هو غير ممكن لسبب بسيط يتمثل في أن الأغلبية العظمى من السوريين سواء كانوا معارضين أو غير معارضين هم غير راغبين في خيار الحرب الأهلية.
•    سيناريو الوضع المقلق: وهو السيناريو الذي يتضمن دفع سوريا في اتجاه الأزمة السياسية الدائمة وعدم السماح بأي فرصة للحل، وذلك بزيادة تأثير فعاليات الأطراف الثالثة الخارجية، بحيث تسعى إلى ضبط أداء المعارضة السورية ضمن مستوى محدد لا يصل إلى خيار التصعيد الكامل ولا إلى مستوى التهدئة الكاملة. بما يؤدي بدوره إلى استمرار الأزمة بما يؤدي بدوره إلى إضعاف قدرات الدولة السورية لجهة تدهور الاقتصاد، وتدهور الخدمات، وتدهور مستوى المعيشة وما شابه ذلك.
تشير التوقعات إلى أن السيناريو المعلن هو الأكثر احتمالاً، لأن واشنطن تسعى خلال الشهر القادم إلى إرسال اليهودي الأمريكي ديفيد هيل، مبعوث السلام الأمريكي الجديد في الشرق الأوسط والذي حل بديلاً عن المبعوث السابق جورج ميتشل.
وتشير التوقعات إلى أن واشنطن ترغب في تصعيد الضغوط على دمشق بما يؤدي بالضرورة إلى إضعافها على النحو الذي يحيد الموقف السوري إزاء فعاليات عملية سلام الشرق الأوسط التي على الأغلب أن تبدأ قريباً عبر نافذة قصر الإليزيه الفرنسي، بما يؤدي بدوره إلى تفادي عرض ملف الاعتراف بالدولة الفلسطينية في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة المقررة في شهر أيلول (سبتمبر) القادم. وربما تتمادى واشنطن فيما هو أبعد من ذلك بحيث تسعى إلى استغلال الضغوط الخارجية لجهة مساومة دمشق إزاء خيار التخلي عن الجولات وقبول السلام مع إسرائيل ضمن صيغة السلام من أجل السلام مقابل أن تتخلى أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن عن خيار دعم المعارضة السورية، إن لم يكن وضع أسماء رموزها في قوائم الإرهاب، أو أن ترفض دمشق التخلي عن الجولان وبالتالي تواجه خطر استمرارالضغوط الخارجية.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...