من يحمي المجتمع الليبي من انتقام الثوار

27-08-2011

من يحمي المجتمع الليبي من انتقام الثوار

من الواضح أن دخول مقاتلي المعارضة إلى طرابلس يمثل نقطة تحول بالنسبة للمعارضة الليبية، بعد ستة أشهر من القتال ضد حكومة العقيد معمر القذافي.

ولكن في حين يبدو أن ميزان القوى قد تحول بشكل حاسم في ليبيا، يثير بعض المراقبين مخاوف قوية بشأن حماية المدنيين في الوقت الذي يستعد فيه خلفاء القذافي لتولي السلطة.

وفي هذا السياق، حذر مستشار منظمة هيومان رايتس ووتش (HRW)، جيري أبراهامز، من احتمال تردي الأوضاع الحقوقية في البلاد قائلا: "نحن نخشى أن يسعى من عانوا من حكم القذافي إلى الانتقام الآن، وأن يجر هذا ليبيا إلى دوامة بعيدة كل البعد عن الأهداف المعلنة لهذه الانتفاضة والمتمثلة في العدالة وحقوق الإنسان وسيادة القانون وحماية الحريات".

وأضاف أبراهامز في حديثه لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "يجب أن يركز المجلس الوطني الانتقالي الآن على حماية الفئات الضعيفة، وعلى رأسهم ذوي البشرة السمراء من الليبيين والأفارقة من جنوب الصحراء الكبرى، الذين كثيراً ما اتُهموا بالعمل كمرتزقة أجانب لصالح القذافي وتعرضوا لهجوم عنيف. نحن نأمل أن يتخذ المجلس الوطني الانتقالي إجراءات لدعوة الناس إلى عدم إلحاق الضرر بهؤلاء وإثبات تخلص ليبيا من الماضي".

وكان الثوار قد دخلوا إلى طرابلس واجتاحوا أجزاء من المجمع الرئاسي في 23 أغسطس، بينما استمر القتال بين المعارضة والمقاتلين الموالين للقذافي في مختلف البلدات والقرى. وقد أدت المواجهات الدائرة في طرابلس إلى قيام المنظمة الدولية للهجرة بتجهيز سفينة لنقل 300 مهاجر إلى خارج المدينة ولكن الظروف الأمنية في الميناء أدت إلى تأخير الرحلة.

وفي هذا السياق، قال وليام ليسي سوينغ، المدير العام للمنظمة الدولية للهجرة: "إننا نوجه نداءً عاجلاً إلى جميع الأطراف بالسماح للمنظمة الدولية للهجرة بتنفيذ عملها الإنساني بأمان وبدء إجلاء آلاف المهاجرين الذين يريدون مغادرة طرابلس. لقد رأينا خلال عملياتنا في ذروة الصراع في مصراتة أن المهاجرين غالباً ما يصبحون ضحايا أبرياء للعنف، وهذا يجب أن لا يتكرر مرة أخرى".

وفي حين لا توجد إحصاءات واضحة عن أعداد المهاجرين الذين لا يزالون في طرابلس، تقدَّم عدة آلاف من الأشخاص لتسجيل أسمائهم لدى المنظمة الدولية للهجرة في الأيام القليلة الماضية طلباً للمساعدة. كما أن استمرار القتال في المناطق السكنية في مدينة طرابلس، وسط إطلاق النار ابتهاجاً بالنصر، يثير مخاوف كثيرة بالنسبة لسلامة المدنيين هناك.

من جهتها، حذرت فاليري أموس، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسقة الإغاثة الطارئة، من خطورة الوضع قائلة: "أشعر بالانزعاج حيال التقارير الواردة عن النزوح القسري ومنع الحركة في المناطق التي تندلع فيها المواجهات. نحن بحاجة للتمكن من توصيل مواد الإغاثة وتعبئة الإمدادات وتقديم الدعم للمحتاجين في طرابلس والمناطق التي فر إليها الناس".

صعوبات الاستجابة
عندما بدأت الأزمة قبل ستة أشهر، شكلت محنة النازحين مصدر قلق كبير بالنسبة للمنظمات الإنسانية. وبالرغم من وجود المنظمة الدولية للهجرة والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين في ليبيا آنذاك للاهتمام بقضايا اللاجئين والعمال المهاجرين، إلا أن النزوح الجماعي الذي تلا اندلاع المواجهات في شهر فبراير، شكل ساعتها العنصر الأكثر بروزاً في معظم النداءات الإنسانية الدولية التي ركزت على احتياجات النقل ومخيمات العبور في ظل فرار آلاف الأشخاص غرباً نحو تونس أوشرقاً نحو مصر أوجنوباً نحو النيجر وتشاد، وتوجُّه البنغاليين والفلبينيين وغيرهم إلى آسيا.

وفي حين اقتصرت أشرس المعارك خلال الأزمة على مناطق محدودة من ليبيا، اعترفت المنظمات الإنسانية بوجود صعوبات في الاستجابة لجميع الاحتياجات في ظل تغير الجبهات والمكاسب على الأرض، والتعامل مع موجات جديدة من النازحين. وأدت مشاكل الوصول وطبيعة القتال المتقطع إلى صعوبة توفير الحماية وإجبار طرفي النزاع على الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، خصوصاً عندما تفاقم الصراع واتسم بالهجمات العشوائية في كثير من الأحيان مع وقوع خسائر مدنية كبيرة.

كما كانت هناك مشاكل أخرى تمثلت في التقسيم الفعلي للبلد إلى أراض يسيطر عليها الثوار وأخرى يسيطر عليها القذافي، مما جعل تنفيذ عمليات الإغاثة في جميع أرجاء البلاد صعباً للغاية، حتى بالنسبة للجنة الدولية للصليب الأحمر التي كانت قد أقامت تمثيلاً لها في طرابلس في أبريل الماضي. كما كانت هناك أيضاً مخاوف بشأن الفصل الواضح بين الأهداف العسكرية والإنسانية، حيث تقع المقرات الرئيسية لبعض أهم المؤسسات الإنسانية التي تقوم بتقديم المساعدات للمحتاجين في ليبيا في بلدان ترتبط ارتباطاً وثيقاً بهجوم حلف شمال الأطلسي على القذافي وتنحاز علناً للمجلس الوطني الانتقالي.

وكان مندوبو المنظمات الإنسانية قد تلقوا خلال زيارتهم الأخيرة إلى طرابلس سلسلة من الشكاوى من بعض الوزراء والمسؤولين في مجال الصحة بشأن إهمال المجتمع الدولي للاحتياجات الإنسانية للمتضررين خارج المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار، وكذا بشأن العواقب الإنسانية الناجمة عن الغارات الجوية وعن العقوبات.

وكثيرا ما تحدثت المنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة وغيرها من الجهات التي تراقب ليبيا على مدى الأشهر الستة الماضية عن خصوصية العمل في وضع يعتبر من نواح كثيرة بعيداً كل البعد عن الوضع التقليدي للطوارئ الإنسانية. فنادراً ما كان ينظر إلى ليبيا، التي تعتبر منتجاً رئيسياً للنفط ويزيد ناتجها المحلي الإجمالي قبل الحرب عن 150 مليار دولار، على أنها دولة مستفيدة من المساعدات الأجنبية. بل كان يُنظر إليها على أنها دولة مانحة محتملة. وبالرغم من وجود جمعية الهلال الأحمر الليبي منذ فترة طويلة، إلا أن معظم منظمات ومؤسسات المجتمع المدني المتواضعة أُجبِرت على الارتباط بالدولة وبعائلة القذافي والمحيطين به.

وكانت عملية إعادة التقييم الدولية للزعيم الليبي، الذي بدأ يُنظَر إليه في السنوات الأخيرة على أنه أحد القادة المعتدلين في الشرق الأوسط، قد سمحت له بتأسيس علاقات أوثق مع الاتحاد الأوروبي، وأثارت تلميحات عن إمكانية الدخول في مشروعات مشتركة واتفاقيات تجارية جديدة.

تدفق المنظمات غير الحكومية في فترة ما بعد الأزمة
أدت أزمة 2011 إلى تدفق العديد من المنظمات غير الحكومية الدولية إلى ليبيا بالرغم من عدم امتلاك معظمها لما يكفي من خبرة للعمل في البلاد. ولكن ما ساعدها في التعامل مع الوضع، هو كون الكثير من المشاكل التي واجهتها هناك كانت مألوفة لديها من أزمات أخرى.

وقد واجهت هذه المنظمات صعوبات في الوصول إلى المناطق المتاخمة للجبهة بسبب المواجهات الدائرة بين طرفي النزاع وما يترتب عنها من مخاوف أمنية. كما وجدت هذه المنظمات نفسها مجبرة على التعامل مع متضررين مصابين بصدمة شديدة وغير معتادين على الحرب الأهلية والحرمان والخسائر الناتجة عنها. كما كان عليها أيضاً أن تتعامل مع المخلفات القاتلة للعتاد الحربي، ولا سيما القنابل والقذائف غير المنفجرة.

وحتى في مناطق مثل بنغازي التي استقرت بعد أعمال العنف التي شهدتها خلال شهري فبراير ومارس، واجهت أعداد كبيرة من السكان اضطرابات خطيرة. فعلى الرغم من سجل ليبيا القوي في الماضي في مجالي الصحة والتعليم، كان للحرب تأثير ضار على كلا القطاعين، واعتمدت المدارس والمستشفيات بشكل كبير على المتطوعين المحليين بعد نزوح أعداد ضخمة من رعايا الدول الثالثة.

كما اضطر المدنيون العاديون للتعامل مع مشاكل الصرف الصحي ومعالجة المياه ونقص الوقود وانقطاع التيار الكهربائي. وأدى إغلاق البنوك إلى مشاكل سيولة نقدية.

والآن يطالب قادة المنظمات غير الحكومية بضرورة مواصلة المانحين لتقديم العون إلى النهاية. حيث قال ستيفن أندرسون، المتحدث باسم الصليب الأحمر، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "لا تزال هناك احتياجات ينبغي التصدي لها"، مضيفاً أنه في حين سيتبدل التركيز قريباً "من حالة الطوارئ إلى الإنعاش المبكر"، تبقى الأولوية الرئيسية بالنسبة للجنة الدولية للصليب الأحمر في الوقت الحالي هي الوصول إلى المصابين في طرابلس.

من جهته، أكد المجلس الوطني الانتقالي ومسؤولي الإغاثة التابعين له رغبتهم في تولي القيادة الآن بدل الاستمرار في التبعية. حيث قال ناشط إنساني بارز في مدينة بنغازي الليبية لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) مؤخراً: "يمكننا تولي جميع الأمور بنسبة مائة بالمائة. إننا نملك المؤهلات والأيدي العاملة والقدرة. كل ما نفتقده هو التمويل".

أهمية دور المجلس الوطني الانتقالي
إن التحدي الذي يواجه [المجلس الوطني الانتقالي]، وكذلك الجهات الدولية الفاعلة التي مكنته من الوصول إلى طرابلس، ينقسم إلى ثلاثة مستويات هي: إنشاء هيئة حكم انتقالية واسعة النطاق وممثلة لفئات عريضة من الشعب؛ والتصدي للمخاطر الأمنية العاجلة؛ وإيجاد التوازن المناسب بين البحث عن المساءلة والعدالة... وضرورة تجنب تصفية الحسابات 
يحذر المراقبون الآن، وقد أصبح حكم القذافي الذي دام 42 عاماً على وشك الانهيار، من التحدي الكبير الذي يواجه المجلس الوطني الانتقالي والجهات التابعة له عند إدارة شؤون ليبيا بأكملها. وقد ركزت الكثير من التكهنات الأولية الخاصة بتوجه ليبيا في مرحلة ما بعد القذافي على الثروة النفطية للبلاد وعلى المكاسب المحتملة للمستثمرين الجدد والمصلحة في تطوير البنية التحتية بشكل كبير وتنويع القطاع الخاص.

كما أكد المجلس الوطني الانتقالي، وهو هيئة ائتلافية تشكلت على عجل من وزراء سابقين بارزين في نظام القذافي وأكاديميين كانوا يتخذون من الولايات المتحدة مقراً لهم، على الحاجة لدعم خارجي كبير في مجالات مثل الصحة والتعليم، مشيراً إلى أن المنظمات التي جاءت من الخارج لمواجهة حالة الطوارئ الناجمة عن الصراع المحلي المرير لديها مصلحة وواجب في نفس الوقت لمساعدة ليبيا على عبور المرحلة الصعبة والمعقدة من المصالحة وإعادة الإعمار والتعافي.

وفي هذا السياق، أفادت مجموعة الأزمات الدولية أن "التحدي الذي يواجه المجلس الوطني الانتقالي والجهات الدولية الفاعلة التي مكنته من الوصول إلى طرابلس، ينقسم إلى ثلاثة مستويات تتمثل في إنشاء هيئة حكم انتقالية واسعة النطاق وممثلة لفئات عريضة من الشعب، والتصدي للمخاطر الأمنية العاجلة، وإيجاد التوازن المناسب بين البحث عن المساءلة والعدالة من ناحية، وضرورة تجنب تصفية الحسابات والانتقام التعسفي من ناحية أخرى،".

من جهته، قال آبراهامز، مستشار منظمة هيومان رايتس ووتش، أن التدخل السريع لمنظمات المجتمع المدني كان مشجعاً ولكنه أكد في الوقت نفسه على ضرورة "الحاجة إلى اليقظة"، مضيفاً أنه "يجب مراقبة وتشجيع المجلس الوطني الانتقالي في نفس الوقت. فنحن لا نريد أن تسود هنا عدالة المنتصر".

المصدر: شبكة إيرين الإنسانية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...