مصر: نظام «الإخوان» يواجه قبضته الأمنية

08-03-2013

مصر: نظام «الإخوان» يواجه قبضته الأمنية

الضربة التي يواجهها نظام «الإخوان المسلمين» في مصر هذه المرة قوية وموجعة، وربما تكون الخطوة الأولى على طريق التراجع عن سياستهم الاستحواذية، بعدما تضخم التمرد الذي بدأ قبل أيام في صفوف جنود الأمن المركزي، ككرة ثلج.
وبعدما اعتاد الرئيس محمد مرسي وجماعته تجاهل الاحتجاجات الشعبية، حتى لو تخضّبت بالدماء والقتلى، وبعدما تعمّدوا التعامل مع كل المطالب الإصلاحية للمعارضة باستعلاء وغرور، مستندين إلى مقولتهم الشهيرة «الشرعية تأتي بالصندوق»، تثار اليوم تساؤلات حول الطريق المُتاح أمامهم للتعامل مع قبضتهم الأمنية التي استخدموها لمواجهة المعارضين وقد انقلبت عليهم وأصبحت ترفع شعار «لا للأخونة». مواجهات قرب كوبري قصر النيل في القاهرة امس (رويترز)
وبالأمس، ضرب تمرد جنود الأمن المركزي في محافظات عدة، ووصل إلى حد قيام ضباط الشرطة وجنودها بإغلاق ثمانية مراكز كبرى للشرطة في القاهرة، هي الأزبكية والشروق ومصر القديمة والسيدة زينب والمطرية ومدينة نصر أول وقصر النيل والدقي، حيث اعتصم الضباط أمامها مطالبين بإقالة وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم، ووقف تدخل قيادات «الإخوان» في آليات عمل وزارة الداخلية، وعدم الزجّ بهم في أي عمل سياسي، ويتضمّن ذلك ابتعادهم عن مواجهة أي تظاهرات تخرج ضد مرسي وجماعته.
حالة التمرّد القاهرية امتدت إلى افراد قوة الشرطة التي تؤمن سجن طره، والذين تركوا خدمتهم اعتراضاً على الحكم على زميلهم محمد الشناوي، المعروف بـ«قناص العيون»، بالسجن لثلاث سنوات، ما دفع بمصادر بالداخلية إلى الحديث عن إمكانية الاستعانة بشركات أمن خاصة لتأمين السجن الذي يضم رموزاً عديدين من نظام حسني مبارك، أبرزهم ابنا الرئيس المخلوع علاء وجمال، ورئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف، ورجل الأعمال الشهير أحمد عز.
كما انتقل العصيان إلى معسكرات الأمن المركزي في محافظتي الإسماعيلية وشمال سيناء، بينما استمر إضراب قوات الأمن المركزي في المنصورة لليوم الثالث على التوالي، في حين لوحظ غياب أي تواجد للشرطة في مدينة بورسعيد باستثناء محيط منطقة مديرية الأمن.
كما شهدت مديرية الأمن في الإسكندرية وقفة لمئات الضباط بالزيّ الرسمي، طالب خلالها المشاركون بإقالة وزير الداخلية، في حين اختار العشرات من الضباط التظاهر أمام مدينة الإنتاج الإعلامي، التي تضمّ استديوهات غالبية الفضائيات المصرية والعربية العاملة في القاهرة، ورفعوا لافتات مكتوب عليها «لا نريد أن ندخل في مواجهة مع الشعب».
ولا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد ضباط الشرطة وجنودها الذين دخلوا في حالة العصيان هذه، كما لا توجد إحصائيات دقيقة عن إجمالي عدد الضباط والجنود في مصر، لكن وزير الداخلية الأسبق منصور عيسوي قال إن عدد القوات النظامية في الشرطة يبلغ 269 ألفاً، وإن عدد أفراد قوات الأمن المركزي لا يتعدّى 170 ألفاً.
كذلك، فإن اتساع النطاق الجغرافي لهذه الاحتجاجات غير المسبوقة، وعدم رفعها مطالب فئوية، وإنما لمطالب سياسية يهز البنيان الأمني للوزارة والنظام، باعتبار أن الداخلية هي قبضة مرسي الرسمية لضبط الأمن ومواجهة احتجاجات المعارضين، برغم ظهور ما يُعرَف بالذراع الحديدي في «الإخوان»، خلال اشتباكات سابقة مع معارضي مرسي أمام قصر الاتحادية قبل أربعة أشهر، واستخدام عناصر الجماعة لضرب المعارضين وسحلهم، وسط اتهامات لـ«الإخوان» بأنهم قاموا بتعذيب المتظاهرين المناوئين لمرسي وقتلهم.
وتأتي ملامح عصيان أفراد الشرطة، عقب يومين فقط من تصريح مثير للجدل للقيادي «الإخواني» محمد البلتاجي، وقال فيه إنه مسؤول عن إصلاح هيكلية وزارة الداخلية، بالرغم من أنه لا يُشغل أي منصب في الدولة يمنحه صلاحيات كهذه.
تصريحات البلتاجي نقلها عنه الصحافي الأميركي البارز إيريك تراجر، عقب حوار مع القيادي «الإخواني» في القاهرة. وبالرغم من أن «الإخوان» نفت صحة هذه التصريحات، متذرّعة بأن هناك خطأ بالترجمة، إلا أن الصحافي الأميركي أكد صحة القول، لافتاً إلى أن التصريح مسجل، وأنه سينشر المقابلة كاملة في العدد الجديد من مجلة «فورين بوليسي».
مصدر حضر اللقاء الذي جمع بين تراجر والبلتاجي، قال  إن ما قاله القيادي «الإخواني»، وباللغة العربية، هو «ما زلت أرى أن دوري المقبل هو إعادة هيكلة وزارة الداخلية»، ما يعني أنه مسؤول عن عملية التطوير هذه... البلتاجي ذهب للقول بأن خطته للتطوير تشمل نقاطاً عدة، وهو أمر يؤكد مسؤوليته عن هذه العملية أيضاً.
وبالرغم من أن التوتر الذي تسبّب به عصيان الشرطة قد وصلت آثاره إلى القصر الرئاسي، ودفع الرئيس مرسي إلى ان يجتمع مع وزير داخليته مرتين في يومين متتاليين لاحتواء الأزمة، إلا أن مصادر في الرئاسة ذكرت ان لا علاقة للاجتماعين بإلإضراب، غير أن استمرار حالة العصيان، خصوصاً في هذا التوقيت الحساس وقبيل احتجاجات حاشدة متوقعة من قبل «الألتراس» في القاهرة وبورسعيد عقب النطق بالحكم على باقي المتهمين في قضية مذبحة الاستاد غداً، يثير مخاوف من انفلات الأمور في الشارع، خصوصاً انه من المتوقع ان تشهد تحركات «الألتراس» أعمال عنف قد تتطور إلى ما هو أكثر.
وتحدثت مصادر من الداخلية عن وجود قلق حقيقي داخل الوزارة من تصاعد حركة الاحتجاجات ضد الوزير، لا سيما أن هذا الأمر غير مسبوق في تاريخ الوزارة، التي شهدت على فترات متباعدة عصياناً للأوامر من بعض القطاعات، لكنها لم تشهد تظاهرة للضباط والجنود تطالب بإقالة الوزير.
ولم تنف المصادر إمكانية الاستجابة لمطالب المتمردين باستبعاد وزير الداخلية الحالي إذ ما تأزمت الأمور إلى ما هو أسوأ.
واستخدم اللواء إبراهيم عنفاً مفرطاً في التعامل مع المتظاهرين في المواقع كافة، في وقت يتحدث فيه الجميع عن أن ذلك كان تنفيذاً لتعليمات الرئيس محمد مرسي الذي ينفذ بدوره تعليمات مكتب الإرشاد.
أستاذ التاريخ في الجامعة الأميركية خالد فهمي لم يستبعد، في حديثه، تأزم الأمور جراء التحرك الاحتجاجي في قطاع الأمن، إذ رأى أن الرسالة الواضحة مما يحدث في الشرطة الآن، هو الاعتراف أولاً بفشل جهاز الأمن المركزي في مهامه، والحاجة إلى تغيير جذري في الوزارة ثانياً. وأضاف إن الأزمة لن يتم حلها إلا إذا مارس «الإخوان» السياسة لأول مرة منذ وصولهم إلى السلطة، وممارستهم السياسة تعني وجود مفاوضات وتنازلات، والاثنتان في السياسة سقفهما دوماً مفتوح.
وأعرب فهمي عن تأييده للدعوة التي أطلقها أستاذ التاريخ في جامعة حلوان شريف يونس، وهي تفكيك جهاز الأمن المركزي وتوزيع قياداته على باقي قطاعات الشرطة.
وقال فهمي إن الأمن المركزي تأسس في العام 1968، في عهد الرئيس عبد الناصر، لمواجهة أول احتجاجات كبرى تواجه النظام الناصري على نطاق واسع اعتراضاً على محاكمة ضباط الطيران في حرب حزيران العام 1967. ومنذ هذا التاريخ فشلت الفلسفة التي قام عليها الأمن المركزي في التصدي للتظاهرات.
حدث هذا عندما خرج آلاف المصريين إلى الشارع في العام 1977 للاحتجاج على ارتفاع الأسعار، وهو الأمر الذي اوجب استدعاء نزول وحدات الجيش لضبط الأمن. وحدث أيضاً في العام 1986، عندما شهد قطاع الأمن المركزي نفسه تمرداً، استوجب التصدي له عبر الجيش ثانية. وحدث للمرة الثالثة يوم «جمعة الغضب» في الثامن والعشرين من كانون الثاني العام 2011، عندما فشلت قوات الأمن المركزي في وقف سيل الجماهير المندفعة في الشارع تطالب بإسقاط مبارك.
إلى أين ستتجه حركة التمرد وكيف ستكون نتائجها؟ يستعين خالد فهمي مرة ثانية بمقولة لزميله شريف يونس، وهي أن «خيرت الشاطر - نائب مرشد الإخوان الذي ينظر له باعتباره عنصراً فعالاً في إدارة شؤون البلاد - شاطر في الفوز بالمعارك... لكنه لا يربح الحرب».

محمد هشام عبيه

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...