مصر: «الإخوان» يتجهون إلى «أسلمة» المجتمع المدني

31-05-2013

مصر: «الإخوان» يتجهون إلى «أسلمة» المجتمع المدني

«تكامل»... تحت هذه الكلمة جلس الرئيس المصري محمد مرسي، أمس الأول، في افتتاح «مؤتمر ومعرض مؤسسات العمل المدني في مصر». وقد جلست عن يمينه وزيرة التأمينات والشؤون الاجتماعية الدكتورة نجوى خليل، فيما جلس عن يساره رئيس الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية حاتم خاطر. موظفون في «دار الأوبرا» المصرية يتظاهرون ضد مرسي في القاهرة أمس (أ ف ب)
فسر البعض الكلمة على أنها تكامل بين الدولة والمجتمع المدني، لكن البحث في التفاصيل كشف أن» تكامل» تعني اندماج الدولة في تصورات جماعة «الإخوان المسلمين»، واقصاء سواها، وأن المجتمع المدني في تصور الجماعة الحاكمة هو مجرد عمل خيري، أو منح وعطايا للفقراء والمحتاجين، أو إغاثة للمنكوبين.
وبعد معركتهم ضد القضاة والصحافيين وقوى المعارضة، يبدو أن «الإخوان» قرروا فتح جبهة جديدة للصراع الداخلي، واختاروا الصدام هذه المرة مع المنظمات الحقوقية والمجتمع الأهلي.
وبالرغم من أن غالبية المنظمات الحقوقية سجلت اعتراضها على القانون الجديد المنظم لعمل الجمعيات الأهلية، والذي بدأ مجلس الشورى في مناقشته، فإن مرسي تجاهل تلك الاعتراضات تماما.
المثير في كلمة مرسي ليس ما جاء فيها فحسب، وإنما في الأجواء التي أحاطت بها، إذ بدت نسخة «كربونية» عمّا كان يحدث في اللقاءات المماثلة لنظام الرئيس السابق حسني مبارك.
وقالت مديرة «ائتلاف الجمعيات الأهلية المناهض للممارسات ضد المرأة والطفل» راندا فخر الدين لـ«السفير» أن «الاجتماع تحول إلى لقاء خاص بين مرسي وأعضاء الجمعيات الأهلية التابعة للتيار الإسلامي»، مشيرة إلى أن «منظمات المجتمع المدني الناشطة بالفعل تم تعطيلها عن الحضور، إذ اصطف أعضاؤها في طابور طويل امتد لنحو أربع ساعات منذ الصباح، بسبب تأخر تسليم الدعوات إليهم، وعندما نجح البعض في الدخول إلى القاعة أخيرا، وجدها ممتلئة عن آخرها بأعضاء يمثلون تيار الإسلام السياسي، وهم ناشطو جمعيات خيرية تقدم مساعدات مادية وعينية للأسر الفقيرة، وغير ناشطين في مجال العمل الحقوقي والدفاع عن الحريات وحقوق المواطن والمرأة».
الأمر لم يقف عند هذا الحد، بحسب الناشطة الحقوقية التي يضم الائتلاف الذي تترأسه نحو 75 ألف جمعية أهلية، إذ تقول: «فور دخول مرسي إلى القاعة، فوجئت بهتافات مؤيدة له من أعضاء الجمعيات الخيرية الإسلامية»، مشيرة إلى ان بعضهم «ردد هتافات تعود إلى عصر مبارك تماماً، مثل (بنحبك يا ريس)، و(ما فيش غيرك يا ريس)، قبل أن يقوم منظمو المؤتمر بالتجهيز لجلسة نقاشية حول قانون الجمعيات الأهلية الذي رفضه الكثير من الجمعيات الأهلية بالأساس».
وكشفت فخر الدين، عن أن غالبية الجمعيات التي تم تكريمها في المؤتمر هي بدورها جمعيات خيرية إسلامية، مشيرة إلى أن اللقاء «كان لقاء بين مرسي وأهله وعشيرته».
أما مدير «مركز الرسالة للإعلام المحلي» سليمان القلشي، فسجل شهادته عن المؤتمر قائلا: «تم تسكين مسؤولي المنظمات غير التابعة لجهات إسلامية في مدينة 6 أكتوبر التي تبعد عن مقر المؤتمر نحو 50 كيلومتراً، وقد تولت حافلات تابعة للإخوان نقل مديري المؤسسات الخيرية الإسلامية، وهو منهج إخواني تقليدي يعتمد على حشد الأنصار في الحافلات إلى أماكن التظاهر أو التجمعات».
ودفع استبعاد منظمات المجتمع المدني الفاعلة، واستمرار تمسك مرسي بمشروع القانون، 41 منظمة حقوقية بارزة، أمس، إلى إصدار بيان شديد اللهجة أكدت فيه «رفضها لمسودة القانون»، معتبرة أنه «يعكس عداءً متزايداً للحق في التنظيم، ونزوعاً لفرض مزيد من الهيمنة الإدارية والبوليسية على العمل الأهلي».
واعتبرت المنظمات أن القانون يكشف إصرار جماعة «الإخوان المسلمين» على فرض مزيد من القيود على الحق في حرية تكوين الجمعيات، بما يفوق إلى حد بعيد القيود الصارمة التي سبق أن فرضها نظام مبارك على العمل الأهلي عبر القانون السارى حاليا.
وأوجزت الجمعيات أسباب رفضها للقانون في نقاط عدة أبرزها: استحداث لجنة تسمى بــ«التنسيقية» لمتابعة جدول أعمال وبرامج ونشاطات المنظمات، وكذلك التمويل الأجنبي، على أن يختار رئيس الوزراء أعضاء هذه اللجنة بما يفتح الباب لكي تضم ممثلين عن جهات أمنية، وهو أمر يجعل «الوصاية البوليسية على النشاط المدني مضمونة بالقانون».
واشارت المنظمات إلى «وجود قيود في القانون على حق الجمعيات في جمع التبرعات، وذلك بربطه بشرط إخطار الجهة الإدارية». كما أن القانون الجديد يفرض عقوبة 100 ألف جنيه «نحو 15 ألف دولار» على المنظمات التي تتلقى تمويلا من الخارج دون إخطار اللجنة التنسيقية الجديدة.
وبدا واضحا أن ثمة خللا دستوريا في نصوص القانون، فهو يؤكد أن الجمعية لا تصبح مشهرة إلا بعد مرور 30 يوماً من تقديم الإخطار بتأسيسها من دون اعتراض الجهات الإدارية، وهو ما يتناقض مع المادة 51 من الدستور الجديد التي تنص على حق تأسيس الجمعيات بالإخطار فقط.
لكن المعركة التي تخوضها منظمات المجتمع المدني ضد ما اسمته بـ«الدولة البوليسية الجديدة للإخوان»، تدعمها فيها منظمات دولية بارزة، مثل «منظمة العفو الدولية» التي أصدرت تقريرا، أمس، قالت فيه إن «إقرار قانون مرسي للجمعيات الأهلية، هذا، بمثابة موت للمجتمع المدني المستقل في مصر». ونبهت إلى أن»القانون يذكر بمنهج الرئيس السابق مبارك وتكتيكاته لخنق المنظمات غير الحكومية».
من جهته، قال مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان جمال عيد، في حديث إلى «السفير»، «سنستمر في المقاومة والرفض، وسنظل متواصلين مع كل الجهات الدولية الداعمة، مثل المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة».
واضاف: «سبق أن واجهنا مثل هذه التحركات المستبدة، وأجبرنا أنظمة مماثلة على أن نعمل خارج القانون الاستبدادي الذي أقرته»، مشدداً على أن هذه المعركة «لا يوجد فيها سوى خيارين: أما أن نجبر نظام الإخوان على احترام حقوق الإنسان، أو فلنغلق هذه المنظمات وليفضح النظام نفسه أكثر».

محمد هشام عبيه

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...