مستقبل الاتحاد الأوروبي وعلاقات عبر الأطلنطي

30-08-2009

مستقبل الاتحاد الأوروبي وعلاقات عبر الأطلنطي

الجمل: يعتبر الاتحاد الأوروبي أحد التكتلات الإقليمية التي حققت نجاحاً واضحاً، وقد أثار نجاح صعود الاتحاد الأوروبي اهتمامات المراقبين والمحللين والباحثين لجهة السعي من أجل رصد احتمالات صعوده المتوقع والسيناريوهات التي يمكن أن تحدث بناء على ذلك إضافة إلى احتمالات أن تتخذ التكتلات الإقليمية الكبرى من تجربة الاتحاد الأوروبي نموذجاً للاحتذاء.
* ما المقصود بمستقبل الاتحاد الأوروبي؟
الاتحاد الأوروبي هو تكتل إقليمي وبالتالي فإن مستقل هذا التكتل الإقليمي سوف يكون رهين بمدى قدرة أطرافه على تعبئة مواردهم الداخلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.. بما يجعل منهم كياناً موحداً قادر على التعامل مع المعطيات الداخلية والإقليمية والدولية وفق رؤى منظورة متفق عليها بينهم، وعلى هذه الخلفية يمكن أن نشير إلى الآتي:
أولاً: التطورات المؤسسية المتوقعة: يتكون الاتحاد الأوروبي من العديد من المؤسسات الرئيسية والفرعية ويمكن تحديد هذه المؤسسات من خلال فحص الهياكل المؤسسية الخاصة بالاتحاد الأوروبي، ونلاحظ أن هذه المؤسسات تنقسم إلى نوعين هما:
• مؤسسات سياسية: وهي البرلمان الأوروبي (ويمثل السلطة التشريعية الأوروبية)، والمجلس الأوروبي، ويقوم بدور مجلس الوزراء الأوروبي، والمفوضية الأوروبية وتقوم بدور الجهاز التنفيذي المسؤول عن تسيير الأعمال ومتابعة الإجراءات والمبادرات، رئيس المفوضية هو أشبه بالرئيس التنفيذي أو رئيس الوزراء.
•  مؤسسات غير سياسية: وتتمثل في المؤسسات العدلية وهي: محكمة العدل الأوروبي ومحكمة المراجعين الأوروبية، إضافة إلى بعض المؤسسات ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي.
هناك توقعات بأن هذه المؤسسات قد لا تتطور بوتائر سريعة خلال السنوات القليلة القادمة وذلك لأنها من جهة وصلت إلى درجة عالية من التطور بما يتطلب استمرارها لفترة إلى حين ظهور بعض المتطلبات والمستلزمات التي تحفز الأوروبيين لجهة اللجوء لتطويرها ومن الجهة الأخرى لقد تمت إقامة واستحداث هذه المؤسسات استناداً إلى معاهدات واتفاقيات أوروبية، وبالتالي فإن تطوير هذه المؤسسات هو أمر يتطلب في حد ذاته المزيد من الاتفاقيات الجديدة التي تعطي الشرعية للتعديلات والتطويرات الجديدة القادمة، وحالياً أصبح الأوروبيون يواجهون الكثير من الخلافات بسبب التطورات الإقليمية والدولية الجارية وعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يتفق الأوروبيون حتى الآن على إجازة اتفاقية لشبونة والتي وجدت معارضة واسعة في العديد من الدول الأوروبية وأيضاً لم يتفقوا حول الدستور الأوروبي.
ثانياً: التطورات الوظيفية المتوقعة:
يقصد بالتطورات الوظيفية الدور الوظيفي الذي درج الاتحاد الأوروبي على القيام به، وفي هذا الخصوص يمكن ملاحظة الآتي:
• الدور الوظيفي الاقتصادي: سوف لن يكون فاعلاً خلال الفترة القادمة بما فيه الكفاية وذلك بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية إضافة إلى تزايد حالات عدم الثقة واليقين في أداء الكثير من المؤسسات المالية والاقتصادية الأوروبية، وأيضاً سوف لن تسعى المؤسسات المالية والنقدية الأوروبية إلى التوسع في الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة في مناطق العالم الأخرى وذلك بسبب خطر النزاعات إضافة إلى انتشار الفساد في العديد من دول العالم، ولكن ما هو متوقع أن يتم تعزيز قطاع الخدمات الأوروبي بما يساعد أكثر فأكثر في عملية التعزيز، هذا وتجدر الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي لا يلعب دوراً كبيراً في الأنشطة الاقتصادية وكل ما هنالك أن المفوضية الاقتصادية الأوروبية سوف يظل دورها مقتصراً على مجرد تنسيق السياسات الاقتصادية الأوروبية وتنسيق العلاقات الاقتصادية مع دول العالم والمنظمات الدولية والتكتلات الدولية والإقليمية بتركيز أكبر على المبادئ العامة مثل تحرير التجارة وتحرير تدفقات رأس المال، وتحرير قطاع الخدمات وما شابه ذلك.
• الدور الوظيفي السياسي: سيكون الدور الوظيفي السياسي للاتحاد الأوروبي أكثر ارتباطاً بعملية التجاذب التي تحدث بين توجهات الرأي العام الأوروبي من جهة وتوجهات واشنطن من خلال نافذة علاقات عبر الأطلنطي. بكلمات أخرى، يصعب على الاتحاد الأوروبي أو بالأحرى مؤسسات الاتحاد الأوروبي السياسية، أن تتجاوز سقف السياسة الخارجية الأمريكية، وقد ترتب على ذلك أن وجدت دول ومفوضيات الاتحاد الأوروبي مشكلة كبيرة في مسايرة توجهات السياسة الخارجية الأمريكية وبالذات إزاء القضايا الدولية والإقليمية التي للرأي العام الأوروبي موقف واضح جداً حيالها.
• الدور الوظيفي الأمني: ترتبط الاعتبارات الأمنية بمدى القدرة على إدراك الوضع الأمني بشكله الدقيق وتحديداً لجهة القيام بتحديد المخاطر والفرص وبكلمات أخرى، المخاطر التي تهدد الأمن، والفرص التي تتيح عملية استغلالها القضاء على هذه المخاطر، وعلى سبيل المثال لا الحصر هناك العديد من التصنيفات التي تندرج ضمن مفهوم المخاطر فهناك مخاطر داخلية ومخاطر خارجية، وهناك مخاطر مباشرة ومخاطر غير مباشرة، وهناك مخاطر أولية ومخاطر ثانوية، وعلى هذه الخلفية يمكن القول بأن الإدراك الأمني الأوروبي بشكله الحالي أصبح أكثر تركيزاً على مخاطر أمن الطاقة، ومخاطر الأقليات الإثنية وعلى وجه الخصوص في مناطق البلقان وشرق أوروبا، وأيضاً مخاطر انتقال عدوى الأزمات الاقتصادية ومخاطر الهجرة ومخاطر عدم استقرار دول الجوار الأوروبي، ونلاحظ أن السياسة الأمنية الأوروبية ترتبط بقدر كبير بالسياسة الأمنية الأمريكية ويتمثل التناقض الإدراكي بشكل واضح في المفهوم المؤسسي الذي يعتمده حلف الناتو كمنظور للأمن الإقليمي الأوروبي فحلف الناتو يرى أن مهمته الرئيسية الدفاع عن أمن القارة الأوروبية المحدد حصراً بالإطار الجغرافي لرقعة أراضي القارة، وتسعى واشنطن إلى الضغط على الأوروبيين باتجاه تجاوز التحديد الجغرافي لمفهوم الأمن الأوروبي واعتماد مفهوم جيو-سياسي واسع يركز على مذهبية حماية الأمن الحيوي وفقاً لمبدأ أمن المصالح أينما وجدت وفي أي وقت وبأي أسلوب مع التركيز على العمل المتعدد الأطراف وإعطاء الأولوية لمبدأ الاستباق لجهة تعزيز القدرة في القضاء على المخاطر قبل وقوعها.
عموماً، سيظل مستقبل الاتحاد الأوروبي أكثر ارتباطاً بأجندة جدول أعمال علاقات عبر الأطلنطي وتفاعل المتغيرات الأخرى مثل متغير الصراع بين الأوروبيين حول معطيات النزعة الاستقلالية الأوروبية، ومتغير الشراكة الأمريكية – الأوربية إزاء القضايا الدولية والإقليمية الأخرى، ومتغير طبيعة الإدارة الأمريكية الموجودة في  البيت الأبيض، وعلى سبيل المثال لا الحصر عندما تكون الإدارة جمهورية فإن  الضغوط الأمريكية تتزايد أكثر فأكثر مما يؤدي إلى تآكل النزعة الاستقلالية  الأوروبية، وعندما تكون ديمقراطية فإن الضغوط الأمريكية تتزايد أكثر فأكثر بما يؤدي إلى استخدام مفهوم الشراكة كوسيلة للضغط على الأوروبيين ودفعهم لاستخدام الوسائل الاقتصادية إلى اعتماد مفاهيم النظام الدولي القائمة على مبدأ العولمة.


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...