لجنة حكومية توصي بربط الأجور بالأسعار والتقرير لا يرى النور

25-04-2012

لجنة حكومية توصي بربط الأجور بالأسعار والتقرير لا يرى النور

اقترحت لجنة دراسة تحليل الواقع الاقتصادي والاجتماعي على الحكومة ربط الأجور بالأسعار، إلا أن تقريرها الذي أصدرته بعد عام على تشكيلها، بقي طي أدراج الحكومة منذ خريف العام الماضي.
 
وبيّن عضو اللجنة د. عابد فضلية أن ربط الأجور بالأسعار معادلة اجتماعية، إذ عندما يحدث التضخم فالمتضرر الدائم هم أصحاب الدخل المحدود، ويجب إنصافهم في عملية التنمية، معتبرا أنه ليس من العدالة أن ترتفع الأسعار وتبقى الأجور محدودة.
وأكد فضلية أن الدول ذات الاقتصاد المستقر والنمو العالي، تسعى إلى عكس فوائض النمو على ذوي الدخل المحدود برفع الرواتب والأجور لتتناسب مع ارتفاع الأسعار، لا بل تكرس زيادة معينة، فلا يكفي أن تحافظ على مستوى المعيشة للطبقة الكادحة أو العاملة والموظفين وأصحاب الدخل المحدود، بل يجب أن ترفع رواتبهم بنسبة أكبر من نسبة زيادة الأسعار.
وأوضح فضلية أنه في ظل الوضع الحالي فإن زيادة الرواتب والأجور مطلب غير ملح لأن الوضع الاقتصادي استثنائي، أما في الحالة العادية فهذا مطلب حق لذوي الدخل المحدود وعلى الأقل بنسبة التضخم.
أستاذ سياسات التسعير في كلية اقتصاد جامعة دمشق د. مظهر يوسف بين أن هناك فجوة بين الأسعار والأجور في الوقت الحالي وهو ما تؤكده الأرقام الرسمية.
ففي عام 2009 بلغ متوسط إنفاق الأسرة السورية وفقا لإحصائيات المكتب المركزي للإحصاء 30 ألف ليرة، وبلغ أعلى معدل إنفاق في دمشق 40 ألفا، وأقله 24 ألفاً في دير الزور، في حين بلغ متوسط الأجور 11344 ليرة في عامي 2009 و2010 قبل أن يرتفع إلى 14 ألفاً تقريباً بعد زيادة الرواتب الأخيرة العام الماضي.
ويبيّن اليوسف أن مقارنة متوسط الرواتب مع متوسط الإنفاق تظهر فجوة كبيرة بينهما مرتبطة بالأسعار تفترض بالحكومة العمل لتقليلها خصوصاً في هذه الفترة، فإذا قارنا مستوى عامل الأسعار بناء على الإحصاءات الرسمية -علماً أن الأسعار في السوق ضعف الإحصاءات الرسمية- نلاحظ أنه ومنذ تاريخ زيادة الرواتب في شهر آذار من العام الماضي لغاية شباط 2012 فإن الأسعار زادت رسمياً بنسبة نحو 25%، أي إنها التهمت كل زيادة الرواتب التي أقرتها الحكومة العام الماضي، في حين أن نسبة زيادة الأسعار في الأسواق لا تقل عن 40-50% وهو ما أدى إلى انخفاض مستوى معيشة المواطن، وبالتالي الضرورة أصبحت ملحة أكثر فأكثر لزيادة الرواتب والأجور.
ويؤكد اليوسف أن الضرورة والتمنيات تقتضي الزيادة بعد أن وصل ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية، ولكن الواقع يؤكد أنه من الصعب على الحكومة خلال الفترة الحالية وحتى نهاية العام الحالي إقرار زيادة الرواتب والأجور لعدة أسباب أهمها: أن الزيادة السابقة كلفت الحكومة نحو 100 مليار ليرة، وبهذه الحالة فإن الحكومة أو وزارة المالية تحتاج إلى إيرادات إضافية بمئة مليار أخرى، كذلك فإن كتلة الرواتب المقدرة في ميزانية عام 2012 هي بحدود 209 مليارات ليرة ما يعني أنه إذا أرادت الحكومة زيادة الرواتب بنسبة 20% فهذا يعني أنها تحتاج إلى 20 ملياراً إضافية لتحقيق ذلك، وإذا ربطنا هذه الكتلة يمكننا أن نستنتج بأن الحكومة غير قادرة على تأمينها في ظل هذه الظروف الحالية التي شهدت خسائر في العديد من القطاعات، كقطاع الكهرباء الذي خسرت الدولة فيه وحده نحو 24 مليار ليرة، والزراعة بحوالي 450 مليونا، وخسائر الخطوط الحديدية حوالي مليار ليرة، وقدرت وزارة التربية خسائرها بـ326 مليوناً تقريباً، وتجاوزت خسائر الصحة ملياراً و600 مليون.. وكل ذلك من دون حساب الخسائر الناجمة عن وقف تصدير النفط والغاز إضافة إلى خسائر قطاع النفط الأخرى، ليصبح مجموع الخسائر نحو 27 ملياراً وهو ما يشكل عبئاً كبيراً على الدولة، يضاف إلى كل ذلك -وفقاً لتأكيدات اليوسف- أنه خلال العام الماضي ونتيجة للأزمة انخفض النشاط الاقتصادي بشكل عام، ما انعكس سلبا على أرباح الفعاليات الاقتصادية وبالتالي انخفضت الضريبة المستحقة عليها.
ويبيّن أستاذ سياسات التسعير أن المورد الأساسي لخزينة الدولة هو الضرائب، لذلك فإن الإعفاءات الضريبية التي صدرت خلال الأزمة مست شريحة من المواطنين لكنها في أغلبها كانت موجهة لأصحاب الفعاليات من تجار وصناعيين والشركات بأنواعها ساهمت في تقليل موارد الدولة التي أصبحت في تناقص وليس في ازدياد لكنها لم تصل بعد إلى مرحلة الخطر. لذلك فإن الحكومة حتى تستطيع زيادة الرواتب والأجور يجب أن تبحث عن موارد ضريبية جديدة وفي ظل الأزمة الحالية لا يمكن للحكومة فرض أي ضريبة على المواطن، كما لا يمكنها فرض ضريبة جديدة على التاجر أو الصناعي أو أصحاب المنشآت الذين يعانون أصلاً من مشكلة ركود عام.
ويطرح اليوسف الحل الذي يمكن للحكومة أن تلجأ إليه في ظل عدم قدرتها على زيادة الرواتب والأجور وهو بالعمل على تخفيض الأسعار وإعادتها إلى المستوى السابق وهو أمر من غير الممكن تحقيقه في ظل عدم توفر النيات الحقيقية وليس الإعلامية وخاصة لدى وزارة الاقتصاد.
ويبين اليوسف أنه لكل قرار ايجابياته وسلبياته في لحظة اتخاذه ففي الظروف الطبيعية زيادة الرواتب أفضل من خفض الأسعار، فعلى الرغم من أن الأسعار سترتفع في حالة الزيادة لكن ذلك سيدخل ضمن الأجر شريحة من السلع التي لم يكن يستطيع المستهلك الحصول عليها قبلا، ففي التسعينيات كان سعر تلفزيون «سيرونكس» يعادل رواتب 5 شهور من راتب الموظف، أما الراتب الحالي بعد الزيادة الأخيرة فيسمح للموظف بشراء أكثر من تلفزيون براتب شهر واحد، لذلك فالأجدى هو زيادة الرواتب بدل خفض الأسعار، مستدركا قوله: لكن في ظل الأزمة الحالية فيجب العمل على خفض الأسعار عبر تكامل بين وزارة الاقتصاد والجهات النقدية.
ويؤكد اليوسف أن سياسات الحد من ارتفاع الأسعار على المدى القصير تختلف عنها على المتوسط والطويل، فعلى المستويين الأخيرين يتطلب الأمر تدخل السلطات النقدية خاصة مجلس النقد والتسليف والذي يتصدر أهدافه العمل على الاستقرار العام للأسعار الذي يتحقق بربطه بسياسة صرف مستقرة، مضيفاً: لو كان سعر صرف الدولار مستقرا خلال الفترة الماضية لسحبت ذريعة رفع الأسعار من أيدي التجار أو المستوردين.
ويدعو اليوسف إلى العمل على استقرار سعر الصرف على المدى الطويل، أما الإجراءات الأخرى فيجب أن تتم بالتكامل مع وزارة الاقتصاد التي يجب أن نلمس وجوداً حقيقياً لها في السوق، متسائلاً عن عدم تطبيقها لقانون منع الاحتكار لأن كل ما حدث في ارتفاع الأسعار هو ذرائع وليس أسباباً حقيقية، فالأزمة قد تكون رفعت سعر بعض المواد لـ20-30% ولكن النسبة الأكبر في الارتفاع تعود لتحكم كبار التجار والصناعيين والمستوردين بالسلع الغذائية وغير الغذائية واحتكارها، مدللاً على ذلك بالسكر الذي لا يتجاوز سعره العالمي 40 ليرة في حين يباع في السوق السورية بين 60-65 وقد يتعدى ذلك.

عبد المنعم مسعود

المصدر: الوطن

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...