قراءة لتقرير الأمم المتحدة حول «الكيميائي» في سوريا

01-09-2016

قراءة لتقرير الأمم المتحدة حول «الكيميائي» في سوريا

في 24 آب 2016، أحال الامين العام للأمم المتحدة الى مجلس الامن التقرير الثالث لآلية التحقيق المشتركة بين منظمة حظر الاسلحة الكيميائية والامم المتحدة. لم تمضِ أيام حتى تصاعدت الخلافات بين اعضاء مجلس الأمن حول مضمون التقرير. نستعرض اهم جوانب التقرير وآلية عمله.
في الشكل، ترأس الآلية فيرجينيا غامبا من الارجنتين، ويساعدها نائبان، هما ادريان نريتــاني من ألبانــيا وهو مســؤول عن الشؤون السياسية في اللجنة، وايرهــارد شانر من ألمانيــا عن شــؤون التحقيق. اعتمدت الآلية مكــتباً في نيــويورك يوفر التحليلات السياسية والشؤون القانونية ومكتب تحقــيق في لاهاي للامور الطبية والعلمية والاستدلال العلمي والجنائي وتحليلات تتعلق بالعتاد العسكري، ومكتباً آخر في نيويورك لدعم التخطيط والعمليات، بالإضافة الى مكتب اتصال في دمشق مع الحكومة السورية. خلا التقرير من ذكر جولات ميدانية للجنة، وورد في الفقرة 19 «أن اللجنة اعتمدت على تقارير لجان تقصي الحقائق والمعلومات المتوافرة منها»، كما هي «ومن دون استعراض صحة مصادرها واي منهجية او اسلوب عمل!».
كما ورد في الفقرة 28 انها اعتمدت على التقديم الطوعي للمعلومات من مختلف المصادر وانه ليس بوسعها اجبار أحد على تقديم معلومات او وثائق. واللافت للانتباه انه ورد في الفقرة 9 أن اللجنة بدأت حملة اضافية لجمع الاموال من خارج الموازنة لدعم انشطتها واحتياجاتها المادية والتقنية.
لم يذكر التقرير بشفافية من تبرع بالمال للجنة، وكم هو المبلغ، وما هي وجهة استعماله تحديداً، مما يلقي ظلالاً من الشك على مصداقية العمل بكامله. كما ذكر التقرير في الفقرة 15 انه قدم طلبات الى 28 دولة للحصول على معلومات وانه زار 11 دولة بناء على دعوة منها من دون ان يذكر ما هي هذه الدول.
تطرق التقرير في تسع حالات الى استخدام للاسلحة الكيميائية في كفرزيتا حماه في 11 و18 نيسان 2014، وفي تلمنس والتمانعة وسرمين وقمين وبنش في ادلب ومارع في حلب، وكلها جرت عامي 2014 و2015، ولم يذكر التقرير أرقاماً محددة للإصابات. واللافت للنظر، ان التقرير أغفل، وربما اجّل التحقيق في وقت لاحق، هجوم خان العسل عام 2013 الذي ادى الى مقتل 25 شخصاً، بينهم 16 عسكرياً سورياً، وهجوم الغوطة بغاز الاعصاب الذي ادى الى مقتل أكثر من مئة شخص في الغوطة الشرقية عام 2013.
اقرّ التقرير في الفقرة 28 ان الكلور متاح في سوريا وان الشركة السورية السعودية للكيماويات تملك مرفقاً على بعد 29 كيلومتراً شرق حلب استولت عليه «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم «القاعدة» في آب 2012 وكان يحوي 400 طن من الكلور، وهناك مرفق آخر في دير الزور يحتوي 12 طناً من الكلور سيطرت عليه جماعة معارضة حسب ما ورد في التقرير في مطلع العام 2012.
كما ورد في التقرير ان الجماعات المسلحة سيطرت على ستة مطارات في شمال سوريا، بينها مطار تفتناز في ادلب ومطارات منغ وكويرس والجراح في حلب. وبقي في تفتناز 15 طائرة هليكوبتر، بينها 9 صالحة للطيران.
والغريب في التقرير هو ما ورد في الفقرة 48 من ان افراد المجتمع المحلي انشأوا في معظم الحالات نظاماً للإنذار المبكر من اجل اطلاق انذارات باقتراب طائرات مروحــية وتشير في بعض الحالات الى هجمات مزعومة بالاسلحة الكيمــيائية، كما صدرت تعليمات الى السكان المحليين بالتماس المأوى في الطبقات السفلى في حالات الغارات الجوية ومعاكسة لاتجاه الريح عند اصدار انذار بهجوم كيميائي! كيف تسنى لافراد المجتمع المحليLocal Community في تلك المنطقة من سوريا اقامة مثل هذا النظام للانذار وكيف يدرك ان هجوماً كيميائياً وشيكاً قد يحدث ويطلق انذارا ضده؟ وكيف تسنى للجنة معرفة ذلك؟ هل هذا المجتمع متطور اكثر من دول المنطقة في الانذار المبكر؟
 واللافت للنظر في التقرير وخصوصاً الفــقرات 69 و71 و73 و74 و76و 78 أنه يشير الى عدم توافر معلومات والى تناقضــات وعدم التوصل الى استنتاج. ومع ذلك، وجهت اللجنة اتهاميــن للحكومة السورية باستخدام الكلور في تلمنس وسرمين في ادلب واتهاماً لـ «داعش» باستخدام غاز الخردل في مارع حلب باستعمال قذائف المدفعية.
اتهام الحكومة السورية استند إلى فرضية طائرة هليكوبتر ألقت برميلاً متفجراً بناء على شهود عيان وان «جبهة النصرة» (الموضوعة على لائحة الارهاب الدولي في الأمم المتحدة بوصفها أحد أذرع «القاعدة»)، كانت تنتشر بكثافة مع «احرار الشام» في تلمنس وأن مراكزها تعرضت لقصف من الجيش السوري. الامر نفسه في سرمين حيث استند الى شهود عيان واغفل افادة الجيش السوري عن عدم تحليق طائرات هليكوبتر سورية اثناء الهجوم فوق تلمنس وسرمين. وذكر التقرير «ان فريق القيادة استعرض جميع المعلومات التي جمعت، فلم يجد اي دليل على ان جماعات المعارضة المسلحة في تلمنس وسرمين كانت تقوم باستخدام طائرة مروحية في مكان وزمان الواقعة».
يسود التقريرَ ضعفٌ واضح في الاستناد الى معلومات موثوقة ويفتقر الى الجولات الميدانية اللازمة من اللجنة كفريق محايد ومستقل كما وصفت نفسها. يستند التقرير الى شهود تبين انهم من المعارضة التي غالبيتها من تنظيم «القاعدة» ـ «جبهة النصرة»، وهي ارهابية وفق القانون الدولي.
شفافية العمل مفقودة في مجال تمويل اللجنة وتحديد الدول المتعاونة. ولا ننسى ان مدير عام منظــمة حظر الاسلحة الكيميائية احمد اوزومجو هو تركــي الجنســية ولا يجــوز في اعراف الامم المتحدة اشراك مسؤولين من دولة تعتبر نفسها طرفــاً في نزاع في لجنة تبحث في أحد شؤون الــنزاع ويجب أن تكون مستقلة خصوصاً ان المناطق المشمولة بالتحقيــق قريبة جداً من الحدود التركية السورية.
من غير المتوقع ان يأخذ المجتمع الدولي بهذا التقرير ونتائجه، وسيقع التقرير فريسة الخلافات السياسية في مجلس الامن لافتقاره الى الدقة والحيادية والموضوعية ويصبح كما وصفه المندوب الروسي في الامم المتحدة طلقةً من مسدس دخان من دون معرفة من استعمل المسدس وأطلقها.

الياس فرحات

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...