شكسبير في «صراع على الرمال»

03-10-2008

شكسبير في «صراع على الرمال»

ليس مقنعاً إدانة المسلسل البدوي »صراع على الرمال« الذي عرض على قناة »دبي«، لمجرد أن الناس ظهروا فيه في بيوت الشعر. وليس من المؤكد أن نقداً على هذه الشاكلة يثبت ابتعاده (النقد) عن قيم القبيلة، بالمعنى السلبي للكلمة.تيم حسن في »صراع على الرمال«_0 فـ»صراع على الرمال«، من إخراج حاتم علي وكتابة هاني السعدي، وخيال وأشعار محمد بن راشد آل مكتوم، كما جاء في عناوين المسلسل، أثبت يوماً بعد يوم أنه مشغول بمستوى فنيّ وتقني أرفع بكثير من تلك المسلسلات التي تدعيّ المعاصرة وتندرج في باب »المودرن«.
ليست الموضوعات المطروحة هي ذاتها التي تشغل المسلسلات البدوية المعتادة، ولافت بالطبع أن المسلسل اعتمد على توليفة من مسرحيات شكسبير، وهذا ليس مجرد تخاطر أو مصادفة، فأصحاب العمل لم ينفوا اعتمادهم على نصوص المسرحيّ الإنكليزي الأشهر. وليس ذلك غريباً على اهتماماتهم، وهم في معظمهم، مخرج وممثلين، من متخرجي المعهد العالي للفنون المسرحية. القريبون من كواليس المسلسل يعرفون أن لا علاقة لكاتبه المزعوم، هاني السعدي، بكتابة معظم أحداث وشخصيات العمل، الذي أنجز في إطار ورشة كتابة، كتب فيها كل ممثل رئيسي دوره، ولذلك نلحظ هذا التوازي بين أبطال العمل الكثر، في مساحة الحضور وفي تنافسٍ لافت في الأداء.
ليست »روميو وجولييت« وحدها الحاضرة في العمل، حيث قصة الحب بين شاب وفتاة ينتميان إلى قبيلتين، عائلتين تتقاتلان، حتى لو كانت جولييت هنا (الهنوف) من غير شرفة تطلّ منها على روميو (تستبدل الشرفة هنا بالغدير)، فـهاملت (شخصية دياب التي يؤديها عبد المنعم عمايري) حاضر أيضاً، شاب سَلَبَ منه عمُّه عرش أبيه، ولكنه هنا لا يلبث أن يتحول إلى مزيج من »ياغو«، في مسرحية »عطيل«، وريتشارد الثالث، حيث التشوه الخَلْقيّ يضمر تشوهاً نفسياً موازياً. هكذا يصبح حلم ريتشارد بالوصول إلى السلطة، مصحوباً بخطة ياغو الجهنمية لنصب شراك هائلة يقع الجميع في حبائلها، فكان ان انتظرنا تلك اللحظة التي يصرخ فيها »دياب« (عمايري): »مملكتي مقابل جواد«.
وربما لأن الممثلين الشباب كتبوا نصوصهم بأنفسهم، وجدنا لديهم ذلك التفاني في الأداء. اللافت حقاً أن هذا المسلسل »البدوي« قد وفّر فرصة كبيرة في التمثيل يصعب أن يوفرها عمل آخر، لنتذكر أداء عبد المنعم عمايري، وباسل خياط، تيم حسن، محمد مفتاح، صبا مبارك، قمر خلف، نضال نجم، وسواهم. لكن ينبغي القول، من جهة أخرى، إن النص مستعجل بعض الشيء، فحين تُكتب المشاهد في موقع التصوير على عجل، ستكتب من وجهة نظر الممثل، من دون أن تنتظم في حكاية المسلسل، لذلك سنرى بعض الشخصيات الفالتة، من غير أب، ولا عائلة، ومن غير خلفية اجتماعية مدروسة. هكذا صار المسلسل، في حلقاته الأخيرة خصوصاً، مجرد كرّ وفرّ بين قبيلتين، دم وقتلى ونساء يندبن.
لكننا هنا نتحدث عن النوع، فهذه المرة لا يشكل نوع العمل أمراً مهماً، فما الفرق لو اندرج المسلسل في إطار الفانتازيا؟ وهو قريب من ذلك فعلاً، حتى لو قيل إن العمل يعود إلى فترة تاريخية معينة (أعتقد أن ذلك يقال تبريراً لحضور دواثر من بيوت الطين في العمل، أو تواجد العثمانيين الذين يلجأ إليهم أحد أبطال المسلسل طلباً للنجدة)، فليست الوثيقة والواقع هي ما يشغل المخرج هنا، وإنما الصورة، حتى لو جرى تزوير حياة البدو بألوان مبهجة، وورود تزين قماش مضاربهم.
إنه في النهاية عمل ممتع، صوراً وتمثيلاً، وأقلّه في الاستماع إلى حسين الجسمي يغني أشعار المسلسل. من شاء استمع، ومن لم يشأ كان حراً باللجوء إلى مسلسل معاصر يميت من الضجر.

راشد عيسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...