سيناريو لمؤتمر صحفي محلي

01-03-2010

سيناريو لمؤتمر صحفي محلي

عقد أحد المسؤولين، في إحدى المحافظات النائية، مؤتمراً صحفياً (توجيهياً).. ألقى في مستهله كلمة مؤثرة، تحدث فيها عن الدور الجبار الذي يمكن أن يلعبه الإعلامُ الجماهيري (الهادف) في التصدي للمخططات والمؤامرات الإمبريالية والعولمية الرامية اقتلاع شعبنا من جذوره الضاربة في عمق التراب الوطني، ومحو التراث (هو يلفظها: التُرَاس!) القومي والوطني لهذا البلد المعطاء..
وقال: إن هذا الإعلام الجماهيري (الهادف) يجب أن يتصدى أيضاً للغزو (السَّقافي!)، ويكون ذلك بأسلوبين لا ثالث لهما، الأول هو الحديث، بل الاستفاضة في الحديث، عن الإيجابيات، بقصد تكريسها، وتوطيدها، وجعلها أنموذجاً يمكن أن تحتذيه أو تستفيد منه الفعالياتُ المختلفة في المحافظات الأخرى،.. والثاني هو النقد (البَنَّاء)..
ضجت القاعة بالتصفيق، ووقف أحد الصحفيين (وهو شخص لا يحمل أي مؤهل صحفي، ولكن حماسه الكبير لقضية الصحافة الجماهيرية الهادفة جعله واحداً من الأسماء اللامعة في عالمها)، وقاطع المسؤول ببيتين من الشعر أشعلتا الحماس في القاعة!
وكان ذلك المسؤول على ما يبدو يشك في المقدرات العقلية للأخوة الصحفيين المتواجدين معه، فأراد أن يسقيهم الفكرة الألمعية التي يريد إيصالها إليهم بالملعقة، ثم (يدحُّهم) على ظهورهم ويقول لهم (فيها العافية!). لذلك ضرب لهم مثالاً بأحد شوارع المدينة الذي أوعز حضرتُه لمن يلزم من أجل تزفيته، فزُفِّت.
وأضاف: من هنا يمكن للأخوة الصحفيين أن يركزوا مداخلاتهم وتوجيهاتهم حول الشارع، وعملية التزفيت التي تمت، مؤخراً، بعون الله.
تنحنح الصحفي (س)، وكادت نحنحته تتحول إلى سعال مربك، لولا لطف الله، وقال:
- في الواقع.. إن عملية تزفيت الشارع لم تأت، في رأينا، اعتباطاً، وأنا كمواطن وصحفي في الوقت نفسه، توقعت أن تكون قد حصلت نتيجة لتوجيهاتكم. سؤالي هو التالي: أرجو منكم أن تشرحوا لنا الظروف والملابسات التي جعلت حس المبادرة الخلاق لديكم ينطلق باتجاه الإيعاز لمن يلزم بمباشرة التزفيت.
سجل المسؤول رأس قلم على الورقة، لكي يتذكر السؤال ويجيب عليه في آخر المؤتمر، بينما اقترب الصحفي (عين) من السيد المسؤول وشرع يطرح مداخلته، مركزاً بصره عليه، تنفيذاً للقاعدة الذهبية التي تقول بأن (العين مغرفة الكلام!)، وأن (العين لها حق!)، وقال:
- الحقيقة أن عملية التزفيت كان يجب أن تتم منذ زمن بعيد، وتذكرون (حضرتكم) أنني، قبل حوالي سنتين، استأذنتكم بالحديث في صحيفتنا عن تقاعس الجهة المخولة بالتنفيذ عن أداء واجبها تجاه الجماهير التي يهمها تزفيت الشارع. وعلى الرغم من أن الحديث عن التقاعس ينتمي إلى النقد السلبي، إلا أنكم سمحتم لي بالتحدث عنه، و..
تدخل الصحفي (صاد) قائلاً:
- ليسمح لي الزميل (عين) بهذه المقاطعة، فلدي شيء مهم للغاية أريد قوله، ألا وهو أن السيد لا يحب النقد، ودائماً ينهانا عنه.. لماذا؟ تفسير ذلك- برأيي- أن معظم الزملاء الذين ينقدون يجهلون كيف يكون النقد (بَنَّاءً)، ومشاركاً فعالاً في معركة البناء، وبالتالي فإن نقدهم سيتحول، في أغلبيته العظمى، ومن دون أدنى شك، إلى نقد سلبي (هَدَّام)، يستفيد منه أعداء الأمة الذين يتربصون بها الدوائر، ليصبحَ الاستغناءُ عن النقد، والحال هذه، أمراً لا مندوحة عنه.
ابتسم (عين) ابتسامة عريضة وقال: ملاحظة الزميل (صاد) تصب في مصلحتي، فبما أن السيد المسؤول لا يحب النقد، ومع ذلك فقد سمح لي بالتحدث عن السلبيات والتقاعس، فهذا يعني أنه يدرك أن نقدي بناء بنسبة مئة بالمئة.
كان المسؤول في تلك اللحظة يركز بصره على الصحفي (هاء) الجالس في الصفوف الخلفية من القاعة، وفجأة قال له:
-الصحفي هاء.. لماذا لا تدلي برأيك؟
قال هاء: أيُّ إدلاء وأي رأي يا حضرة المسؤول؟ إن الجهة المخولة بالتزفيت تقاعست عن أداء واجبها عدة سنوات، وهذا سببه الفساد، بالطبع. وأرى سكوت حضرتكم عن تقاعسهم هو شيء من هذا القبيل، والآن، وقد زفت الطريق، أرى أنه كان حرياً بكم أن تقدموا الاعتذار للمواطنين الذين تضرروا سنين طويلة من جراء امتلائه بالحفر والمطبات! ولكن هذا لم يحصل، وبدلاً منه جلسنا، نحن الصحفيين بلا قافية، نتفنن في صياغة الجمل الإنشائية التي تنشىء المديح المجاني للعمل الذي يستوجب الاعتذار نفسه!
(ملاحظة: أعددت هذا السيناريو عن حادثة مفترضة ليس لها أساس في الواقع).

خطيب بدلة- البعث

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...