سيناريو الصراع العسكري-المدني التركي والمشهد الدراماتيكي القادم؟

28-12-2009

سيناريو الصراع العسكري-المدني التركي والمشهد الدراماتيكي القادم؟

الجمل: تشهد الساحة السياسية التركية, واحدا من أهم التطورات النوعية في مجرى الصراع بين الحكومة التي يسيطر عليها حزب العدالة والتنمية, والمؤسسة العسكرية التركية التي يسيطر عليها هيئة الأركان وقادة الفروع العسكرية الرئيسية, فما هو التطور الجديد؟ وما هي تداعياته؟
ماذا تقول المعلومات والتسريبات:
ألقت أجهزة الأمن التركية القبض على شخصين وهما يقومان بمراقبة ورصد منزل بولنت ارينك الذي يتولى منصب نائب رئيس الوزراء, وكشفت التحريات الأولية, بأن الشخصين ضابطان في القوات الخاصة التركية, أحدهما: العقيد يلماظ والرائد إبراهيم, وأنهما يتبعان لوحدة عمليات التعبئة والاستنفار التابعة لقيادة القوات الخاصة التركية.
بعد ذلك, وصلت فجأة إلى مقر قيادة القوات الخاصة التركية مجموعة مكونة من خمسة محققين, ومجموعات تابعة للشرطة, وكانت بقيادة المدعي التركي شمس الدين أوسان, وبرغم إبراز المدعي شمس الدين لمذكرة التفتيش لمقر قيادة القوات الخاصة, فقد قوبل طلبه بالرفض, وتم إيقافه عند مدخل القيادة.
بعد ذلك, وصل المدعي العسكري التركي, وقام بمرافقة المحققين الأربعة إلى داخل مقر القيادة, أما مجموعات الشرطة فقد تم إيقافها عند بوابة القيادة, ولم يتم السماح لها بالدخول.
هذا, وقد وافقت قيادة القوات الخاصة للمدعي والمحققين القيام حصرا, وبحضور المدعي العسكري التركي, فقط بتفتيش الضابطين المعتقلين, وبعد ذلك, طلب المدعي التركي السماح بإجراء تفتيش عام على غرف المبنى, وقوبل طلبه بالرفض الشديد, وعندما سعى للقيام بالدخول إلى بقية الغرف والمكاتب قامت عناصر القوات الخاصة بمنعه بشكل عملي من الدخول والتنقل داخل المبنى.
وفي نفس اليوم, وتحديدا حوالي الساعة الثانية والنصف ظهرا حضر شخصيا القاضي قدير كيان الذي قام بإصدار المذكرة وطلب من قيادة القوات الخاصة, الإذعان بتنفيذ المذكرة الصادرة منه, ولكن قيادة القوات الخاصة قابلت طلبه بالرفض.
وفي نفس الوقت كشفت التقارير عن اعتقال أجهزة الأمن ثمانية من عناصر القوات الخاصة التركية, تبين أنهم كانوا موجودين في نفس المنطقة القريبة من منزل بولنت ارينك نائب رئيس الوزراء, وقد عزز وجود هذه العناصر في هذا المكان وفي هذا الوقت من الشكوك القائلة بوجود مخطط يتم تنفيذه بواسطة القوات التركية الخاصة ضد بولنت ارينك.
بسبب رفض قيادة القوات الخاصة السماح للقاضي والمدعي العام والمحققين من إكمال عملية التفتيش, فقد قام القاضي والمدعي العام والمحققين بإغلاق المكاتب والغرف بالشمع الأحمر, وفي اليوم التالي لذلك قررت قيادة القوات الخاصة التركية السماح للقاضي والمدعي والمحققين بالدخول وتفتيش الغرف والمكاتب المعنية.
تم إطلاق أحد الضابطين المعتقلين, والذي قام بالاتصال بوالده لطمأنته, وخلال المحادثة أكد لوالده بأنه قد تم بنجاح إحراق عدد كبير من الوثائق والمستندات التي تتحدث عن مخطط عسكري يستهدف رموز حكومة حزب العدالة والتنمية, ولكن المفاجأة تمثلت في أن تلفون والد الضابط كان يخضع لعملية مراقبة مستمرة, وبأمر قضائي, وتأسيسا على ذلك قد وفرت محتويات هذه المكالمة التلفونية المزيد من القرائن والمعطيات الجديدة, لجهة القيام بتوجيه الاتهام ضد الضابطين والعناصر الثمانية, إضافة إلى بقية الضباط وعناصر القوات الخاصة التركية.

إدارة على خط أردوغان-الجنرال باشبوق.
توجه بالأمس رئيس هيئة الأركان التركي الجنرال باشبوق, برفقة قائد القوات البرية التركية الجنرال إيزيك كوزائير "الذي تتبع له القوات الخاصة" بعقد لقاء مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان.
برغم عدم وجود التقارير الرسمية فإن أبرز التسريبات تقول بأن جدول أعمال اللقاء تضمن الآتي:
• التفاهم حول مصير الضابطين, والجنود الثمانية.
• إبلاغ رئيس الوزراء التركي, بان الجيش التركي يشهد حاليا حالة غضب واسعة بسبب اعتقال الضباط والجنود. وأيضا بسبب إخضاع المنشآت العسكرية لتفتيش المدنيين.
• التفاهم مع أردوغان لجهة تحويل ملف محاسبة الضابطين والجنود الثمانية إلى قيادة الجيش التركي, وتحديدا هيئة الأركان التركية, باعتبارها المسئول الحصري عن محاسبة العسكريين.
هذا, وأشارت المعلومات والتقارير, بان رئيس الوزراء رجب أردوغان, قد عقد اجتماعات مع الوزراء المعنيين بملفات الأمن القومي التركي, وعلى وجه الخصوص, وزير العدل, وزير الدفاع, ووزير الداخلية,, وذلك لمناقشة تطورات الأزمة الراهنة بين العسكريين ومجلس الوزراء.
سيناريو الصراع العسكري-المدني التركي: هل من مشهد دراماتيكي قادم؟
أخذ الخلاف بين الحكومة المدنية, والمؤسسة العسكرية طابعا متزايد التوتر, وذلك على خلفية مزاعم كل طرف إزاء أداء الآخر في الأزمة الجارية, حاليا:
• تقول الحكومة التركية, وتحديدا, رئيس مجلس الوزراء رجب طيب أردوغان, بضرورة خضوع العسكريين للمؤسسات القانونية المدنية, في حالة ارتكاب الجرائم والمخالفات ذات الطابع السياسي-المدني, وبأن يقتصر مثول العسكريين أمام المحاكم العسكرية في حالة الجرائم والمخالفات ذات الطابع العسكري الصرف, وفي هذا الخصوص, فإنه يتوجب أن يمتثل العسكريون لإجراءات القضاء المدني والادعاء المدني التركي فيما يتعلق بأمر المؤامرة ضد نائب رئيس الوزراء...
• تقول هيئة الأركان التركية, وتحديدا الجنرال باشبوق رئيس الأركان, بأن محاسبة الضابطين والثمانية جنود يجب أن تتم حصرا بواسطة القضاء والادعاء العسكري التركي, وذلك طالما أن قيادة القوات الخاصة التركية, قد أكدت بأن الضابطين والثمانية جنود كانوا يؤدون مهمة عسكرية رسمية تم تكليفهم بها بواسطة قيادتهم, وذلك لجهة القيام بمراقبة تحركات أحد كبار المسئولين العسكريين والذي يقيم على مقربة من منزل بولنت ارينك نائب رئيس الوزراء التركي الحالي.
أدى تعارض موقف رئيس مجلس الوزراء التركي أردوغان مع موقف رئيس هيئة أركان الجيش التركي الجنرال باشبوق, إلى خلاف كبير حول سيناريو معالجة المشكلة.
هذا, وتقول التقارير, والتسريبات, بأن مجلس الأمن القومي التركي سوف ينظر في اجتماعه الدوري في أمر معالجة هذا الخلاف, ومن الواضح بان هذا الاجتماع سوف يشهد المواجهة المدنية-العسكرية, خاصة وأن المسألة قيد النظر والبحث ليست مجرد مسألة خلافية بسيطة, دائما ترتبط بالعديد من الملفات الحساسة التي تتعلق بمستقبل تركيا نفسها:
• القبول بمعالجة المسألة ضمن الإطار القضائي-العسكري الصرف يتعارض مع متطلبات تلبية شروط عضوية الاتحاد الأوروبي, وذلك لان مفوضية الاتحاد الأوروبي قد تفاوضت من قبل مع تركيا حول تحقيق مطلب السيطرة المدنية على المؤسسة العسكرية التركية, بما فيها الجيش التركي, وفي هذا الخصوص تم تعديل الدستور التركي بما يؤكد على سيطرة المؤسسات المدنية على المؤسسات العسكرية, وقد تم وبموافقة العسكريين نفسهم إلغاء مثول المدنيين أمام المحاكم العسكرية التركية, والتزام العسكريين بالمثول أمام المحاكم المدنية التركية.
• القبول بمعالجة المسألة ضمن الإطار القضائي المدني الصرف يتعارض مع موقف الجيش التركي, فهناك إجماع في أوساط الضباط والجنود على ضرورة عدم القبول بتعريض العسكريين للإجراءات القضائية المدنية.
وإضافة لذلك, تقول المعلومات والتسريبات, بان مخطط اغتيال بولنت ارينك نائب رئيس الوزراء التركي, هو جزء من مخطط كبير يهدف إلى الإطاحة بكامل النظام السياسي التركي, وتتدرج ضمن هذا المخطط الكبير: شبكة أرغيناكون, ورموز اللوبي الإسرائيلي-التركي, إضافة إلى عناصر وكالة المخابرات المركزية الأميركية في تركيا, وقيادة حزب العمال الكردستاني, وأيضا عدد كبير من جنرالات الجيش التركي الحالي, وبعض رموز الحزب الجمهوري التركي, والحزب القومي التركي, وبعض رموز منظمات المجتمع التركي, وتحديدا عدد كبير من أعضاء غرف التجارة والصناعة التركية.
سعى رئيس الوزراء التركي رجب أردوغان, إلى تحقيق التوترات المدنية-العسكرية عن طريق إطلاق التصريحات التي أكدت على استمرارية التعاون بين الحكومة وهيئة الأركان, وإضافة لذلك, فقد اجتمع أردوغان, مع العديد من جنرالات الجيش التركي, ولكن برغم ذلك, فإن كل التقارير والتسريبات تشير إلى الآتي:
• حدوث حالة استقطاب متزايدة داخل الأمن القومي التركي, والمؤسسة العسكرية التركية, وذلك بسبب وقوف وزير الداخلية وقادة الشرطة وأجهزة الأمن والمخابرات مع حكومة أردوغان, وبالمقابل, أصبحت هيئة الأركان التركية تقف لوحدها, إضافة إلى تزايد مشاعر ضباط وجنود الجيش التركي بأن قيام الشرطة التركية بتفتيش القيادات العسكرية يشكل إهانة لهم, الأمر الذي أدى إلى حدوث ما يشبه حالة الكراهية بين عناصر الجيش وعناصر الشرطة.
• تزايد انتقادات هيئة الأركان وجنرالات الجيش التركي لقانون الأسلحة الجديد, والذي يفرض القيود والرقابة المدنية على عمليات شراء الأسلحة من الخارج, وأنشطة التصنيع العسكري التركية.
هذا, ومن المتوقع أن تشهد جلسة مجلس الأمن القومي التركي, خلافا ساخنا, بما يمكن أن تتيح لتسوية التوترات الساخنة على خط رئيس الوزراء أردوغان-رئيس هيئة الأركان الجنرال باشبوق, وتقول المعلومات والتقارير, بان تقديم أردوغان لأي تنازلات لصالح الجنرال باشبوق, سوف يكون ثمنها الإضرار بموقف انضمام تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي, وفي حالة حدوث هذه الأضرار, فإن حزب العدالة والتنمية سوف يواجه المزيد من الخسارة في أوساط الرأي العام التركي الداعم له, وهي خسارة سوف يكون ثمنها الإطاحة بحزب العدالة والتنمية في الانتخابات العامة القادمة, هذا إن أتاح له العسكريون فرص البقاء إلى حين موعد الانتخابات.

 


الجمل: قسم الدراسات والترجم

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...