سودربيرغ بوند والعبث بالسينما

27-04-2013

سودربيرغ بوند والعبث بالسينما

للسينمائيين الأَغرار عثرات عدّة تتناثر على شاشات العالم، فلا تُلفِت احترازاً. بيد أن اجتماع كثرة منها دفعة واحدة، يتحوّل إلى غصّة نقدية وعبث مثيرَين للغضب. العالم مليء بالحكايات ولوعاتها. الحِكَم الاجتماعية ومغازيها. العيش وأساليبه ومحنه. الإرادات الإنسانية وعزومها وإيمانها. في قلب هذا كلّه، تبدو مهمات السينما محكومة بتحليل لعب الحياة وفتنتها وقيّمها، في مقابل شؤم الموت والخسران والإقصاء. عليه، نحتفي بشجاعة الموسيقيّ المتقاعد جورج في «حب» النمساوي ميشاييل هانيكه، وسعيه إلى «تعطيل» قدر غياب الحبيبة، مثلما نُبجل نضال المعلم لوكاس في نص الدنماركي توماس فينتربيرغ «القنص» ضد إرغامه على الموت عبر «عار اجتماعي» كاذب، ينال من اعتباراته الأخلاقية كمربًّ. هكذا ايضا، تكون لوعة الشابة سيمين بطلة فيلم الإيراني أصغر فرهادي «انفصال نادر وسيمين» وهي تواجه، بإقدام وصبر، توتاليتارية دينية تسعى إلى سرقة حقّها ومستقبلها، متماشية مع النّصيب الذي تقرّر الأم الجبلية «وردية»، بطلة الجزائرية جميلة صحراوي «يما»، أن تنتزعه من قتلة وليدها طارق. إلخ.
هناك عناوين أفلام كثيرة، قليلها يبقى عالقاً في الوجدان. إنها ضمير سينمائي يثوّر الإيمان والمعرفة والحجّة لدى مشاهديها. فما الذي تفعله أشرطة عابثة بقوّة السينما، حينما تصرّ على تسفيه حكاياتها؟ أن تتبطّر في استعراض بياناتها، وتعتبرها مواقف حاسمة عن الحياة كلها، فيما لا يصدر عنها سوى ضجيج فاسد؟ في شباط الفائت، احتشدت على شاشات مهرجان برلين الأخير قصص مفتعلة، يمكن تجميعها ضمن عنوان «العبث بالسينما»، منها جديد الأميركي ستيفن سودربيرغ «أعراض جانبية»، الذي تلبّس رداء هتشكوكياً، فانتهى ملفقاً، كما هي حال مواطنه براين دي بالما في «شغف» (2012)، إذ تشاركا في مقاربة جنايتين نسويتين. لئن جعل الأخير من بطلتيه وجهي فِتْنَة إيروتيكية ومثلّية أرستقراطية، ذهب الأول مباشرة إلى قلب مشكلة بطلته: إدمانها عقاراً يؤدّي إلى غيبوبة ذاكرة، تدفعها لاحقاً إلى قتل زوجها الوسيم.
انصبّ هاجس سودربيرغ على ظاهرة أميركية شائعة تصل إلى حدّ العلّة في مجتمع هائل القوّة، شديد الفردانية، ضاغط في عزلاته الاجتماعية، متمثّلة بإدمان المهدّئات. حوّلها إلى لهو سينمائي، كما فعلها سابقاً في «مايك الساحر» (عن شباب يمتهنون التعرّي، قبل وقوع جريمة أقرب إلى دعابة). هل هي غفلة إميلي (روني مارا) في إخفاء سرّ غرامي فاضح، أم خطأ طبيبها جوناثان (جود لو) في تخفيف احتقانها النفسي بعقار من دون التوجس بأعراضه الجانبية؟ الإجابة الملتوية تكمن في شخصية الطبيبة المنافسة فيكتوريا (كاثرين زيتا ـ جونز)، التي نكتشف تورّطها في «تسميم» الشابة لتصفية حسابات ولع جنسي بينهما. أما العقار، فهو وسيلة لإزاحة غريم.
هناك ولع جنسي آخر في باكورة السويدي فريدريك بوند «الموت المحتوم لتشارلي كونتريمان»، الذي يقود بطله الأميركي إلى قلب بوخارست، خائضاً مغامرات ادّعت أنها ذات مواعظ وبُعد نظر، فيما يتعلّق بالحظوظ الإنسانية، لتُختتم بغباوات مشاهد الجريمة ودسائسها، والمخدرات ومصائبها، والمطاردات وعصاباتها. يتحوّل تشارلي (شيا لابوف) من سائح ساذج التقى رجلاً غريباً، يتوفى في كرسي الطائرة وهي على مشارف عاصمة رومانيا، الى مُحبّ لابنته غابي، قبل أن يتحوّل إلى طريدة لعشيقها الدموي نايجل (السويدي مادس ميكيلسون). موت الشاب محتوم، لكنّه يتمّ بوحشية وعدم انصاف تتجلّى عبثيته، كما هو الفيلم، في قول الراوي: «اختار الصبي الحب. في مواجهة الخوف ومخاطر هذا العالم، اختار الحب. لحسن الحظ، حدث أمر عجيب، شيء مدهش، سحري، ذلك أن الحب اختاره في المقابل».

زياد الخزاعي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...