دبلوماسية الشبح الإسرائيلية ولعبة الانسحاب من قرية الغجر

24-11-2010

دبلوماسية الشبح الإسرائيلية ولعبة الانسحاب من قرية الغجر

الجمل: أعلنت الحكومة الإسرائيلية وبشكل مفاجئ قرار الانسحاب من قرية الغجر الحدودية اللبنانية، وسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال زيارته الأخيرة لأمريكا إلى عقد اجتماع مع الأمين العام للأمم المتحدة وإخطاره رسمياً بالقرار الإسرائيلي: فما هي حقيقة قرار الانسحاب الإسرائيلي؟ وكيف يمكن قراءة أبعاده غير المعلنة؟
* خيار الانسحاب الإسرائيلي من الغجر: توصيف المعلومات الجارية
سعت التقارير والتحليلات الجارية إلى رصد  قرار إسرائيل بالانسحاب من قرية الغجر الحدودية اللبنانية على مستوى سطح الحدث، ولاحقاً برزت بعض التقارير والتحليلات التي سعت باتجاه النفاذ إلى عمق الحدث ورصد ما يجري تحت السطح، وفي هذا الخصوص نشير إلى النقاط الآتية:صورة جوية لقرية الغجر اللبنانية الحدودية والخط الأزرق الفاصل
•    الانسحاب الإسرائيلي يشمل الجزء الشمالي من القرية ويبقى الجزء الجنوبي تحت السيطرة الإسرائيلية.
•    إبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة هو من ناحية يشير إلى استخدام الأمم المتحدة كوسيلة لنقل القرار إلى السلطات اللبنانية، لكنه من الناحية الأخرى هو وسيلة لجعل الأمم المتحدة، وتحديداً مجلس الأمن الدولي، يقوم بدور "الطرف الثالث" ليس في ملف قرية الغجر، وإنما في ملف الحدود اللبنانية-الإسرائيلية.
•    قرار الانسحاب الإسرائيلي من شمال قرية الغجر جاء ضمن جلسة مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي التي انعقدت في يوم 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010م، وهذا يفيد لجهة أن محفزات عملية صنع قرار الانسحاب من الجزء الشمالي من القرية هي محفزات أمنية إسرائيلية صرفة.
•    توقيت صدور قرار الانسحاب من القرية جاء بدون ضغوط بما يشير إلى أن تزامنه مع التطورات الجارية في الساحة اللبنانية هو تزامن يحمل أكثر من دلالة ويسعى لنقل أكثر من رسالة.
نشرت إحدى الصحف الأجنبية تحليلاً أعده الخبير فيكتور كوتسيف، أشار فيه إلى المعطيات التي شكلت قرار الانسحاب الإسرائيلي من قرية الغجر الحدودية اللبنانية وذلك على النحو الآتي:
-    الرغبة الإسرائيلية الاستباقية في تشكيل إدراك داخل الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بأن إسرائيل بانسحابها من جزء الغجر الشمالي تكون قد أخلت نفسها إزاء أي مسئولية بأنها تنتهك سيادة الحدود والأراضي اللبنانية.
-    قطع الطريق أمام ارتفاع أي أصوات داخل مجلس الأمن الدولي تفيد لجهة أن إسرائيل تقوم باحتلال أي أراضي لبنانية.
-    خلخلة النسيج الاجتماعي عن طريق تقديم المزيد من المزايا والمنافع للقرويين البسطاء الموجودين في الجزء الجنوبي الواقع تحت السيطرة الإسرائيلية، وذلك بما يدفع سكان الجزء الشمالي إلى الاحتجاج على الانسحاب الإسرائيلي، وهو الاحتجاج الذي تريد إسرائيل حدوثه لجهة توظيفه في عملية تضليل الرأي العام العالمي ومنظمات المجتمع الدولي بأن سكان المناطق الحدودية الإسرائيلية اللبنانية راغبين لجهة البقاء ضمن إسرائيل وذلك بما يمهد للإسرائيليين أرضيةً جديدةً مناسبة لجهة العمل على ضم بقية منطقة كفر شوبا اللبنانية نهائياً إلى إسرائيل.
-    سوف تسعى إسرائيل إلى تأخير تنفيذ عملية الانسحاب، أو بالأحرى تسليم السلطات اللبنانية الجزء الشمالي من القرية بعض الشيء، وفي حالة حدوث احتجاجات بواسطة القرويين الذين يسكنون في الجزء الشمالي، فإن إسرائيل سوف تسعى إلى عرقلة تسليم السلطات اللبنانية جزء القرية الشمالي، وبدلاً عن ذلك ربما تسعى إسرائيل إلى عقد صفقة مع السلطات اللبنانية بما يتيح لإسرائيل ابتزاز المزيد من المناطق الحدودية اللبنانية.
لفترة طويلة ظل ملف قرية الغجر اللبنانية موضوعاً مطروحاً للنقاش في بعض الأوساط الإقليمية والدولية المعنية بشأن الصراع اللبناني-الإسرائيلي، ومن أبرز ما ورد في هذا الخصوص نشير إلى ما ورد في صحيفة ها آرتس الإسرائيلية يوم 8 تموز (يوليو) 2010 ويوم 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010، وصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية يوم 27 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 ويوم 16 تشرين ثاني (نوفمبر) 2010، وصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية التابعة لجماعة المحافظين الجدد يوم 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010 إضافةً إلى تحليل ستراتفورد الاستخباري الأمريكي الصادر في يوم 14 تشرين الأول (أكتوبر) 2010.
* دبلوماسية الشبح الإسرائيلية: خيار الانسحاب من الغجر إلى أين؟
برغم تعدد النظريات التفسيرية التي سعت إلى تقديم الايضاحات حول محفزات قرار الانسحاب الإسرائيلي من قرية الغجر اللبنانية، فإن قراءة حقيقة هذه المحفزات يمكن العثور على خطوطها العامة من خلال التعرف على ملامح الإدراك الإسرائيلي لقرار الانسحاب، وذلك من خلال أربعة معطيات يمكن الإشارة إليها كما وردت في إحدى تسريبات دوائر اللوبي الإسرائيلي البريطاني وذلك على النحو الآتي:
•    ما الذي قررته إسرائيل:
-    إصدار مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي في يوم 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010 لقرار الانسحاب من الجزء الشمالي من قرية الغجر، بحيث يتم سحب القوات الإسرائيلية المتمركزة في الجزء الشمالي أولاً، ثم يعاد ثانياً إعادة انتشارها في الجزء الجنوبي من القرية.
-    أن تقوم وزارة الخارجية الإسرائيلية خلال الأسابيع القادمة بالتنسيق مع قوات الأمم المتحدة (اليونيفيل) الموجودة في لبنان لجهة التفاهم وإنهاء التفاصيل والترتيبات النهائية المتعلقة بتنفيذ القرار الإسرائيلي.
•    ما هي النظرة الإسرائيلية لقرية الغجر:
-    تقع قرية الغجر في حدود ما قبل 1967 بين لبنان وسوريا، وهي قريبة جداً لإسرائيل، والانطباع السائد في أوساط سكان القرية هو الشعور بأنهم مواطنون سوريون.
-    احتلت إسرائيل قرية الغجر عند قيام القوات الإسرائيلية في حرب 1967 باحتلال مرتفعات الجولان، وفي عام 1981 تم ضم قرية الغجر لإسرائيل باعتبار أن القرية تقع ضمن منطقة الجولان، وقامت إسرائيل بمنح سكان القرية الجنسية الإسرائيلية.
-    خلال الفترة ما بين 1982-2000 أنشأت إسرائيل المنطقة العازلة في جنوب لبنان، وخلال هذه الفترة لعبت قرية الغجر دوراً بارزاً في العلاقات الاقتصادية بين المقيمين فيها والسكان اللبنانيون الموجودون في المنطقة العازلة.
-    بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000 أقامت الأمم المتحدة مشروعاً لترسيم خط الحدود اللبنانية-الإسرائيلية تم بموجبه وضع ما عُرف بـ«الخط الأزرق» والذي وضع الجزء الشمالي من قرية الغجر ضمن الأراضي اللبنانية، ووضع جزءها الجنوبي ضمن الأراضي الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية.
-    خلال فترة ما قبل عام 2006 ظل الجزء الشمالي من القرية الواقع تحت السيطرة اللبنانية يمثل مشكلة خطيرة التداعيات لأمن إسرائيل وعلى وجه الخصوص لجهة تهريب الممنوعات وتسلل المسلحين إلى داخل إسرائيل. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2005 سعى حزب الله اللبناني إلى التسلل وخطف بعض الجنود الإسرائيليين الموجودين في منطقة الغجر.
•    لماذا تم طرح موضوع قرية الغجر الآن للنقاش؟
-    خلال حرب صيف عام 2006 سعت القوات الإسرائيلية إلى استعادة السيطرة على الجزء الشمالي من قرية الغجر، الأمر الذي أدى إلى جعل ملف قرية الغجر مثاراً لنقاش والنزاع الدولي حول مصير مستقبلها وعلى وجه الخصوص وضع القرية على خلفية القرار الدولي 1701 الذي طالب إسرائيل صراحة بالانسحاب من القرية.
-    سعت إسرائيل إلى الاحتفاظ بوجودها ضمن الجزء الشمالي من القرية، وذلك من أجل تقليل المخاطر الأمنية لجهة منع أنشطة التهريب وعمليات تسلل المسلحين.
-    حتى الآن، ما تزال إسرائيل أكثر تردداً لجهة الاعتماد على قوات الأمم المتحدة وذلك بسبب إخفاق القوات الدولية المتكرر لجهة حماية أمن مناطق الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، وحالياً، وبسبب اعتراض حزب الله اللبناني على تمركز القوات الدولية في المناطق السكانية، فمن المتوقع أن يؤدي الاتفاق الجديد إلى قيام الأمم المتحدة بنشر قواتها في المناطق المحيطة بالجزء الشمالي من قرية الغجر.
-    يعتمد سكان قرية الغجر على الحصول من إسرائيل على حاجاتهم اليومية من الكهرباء والخدمات الريفية وبقية الاحتياجات، ويحمل العديد من سكان الغجر الجنسية الإسرائيلية، وبسبب تداعيات انقسام القرية إلى جزأين بعد الانسحاب، فمن المتوقع أن تحدث المزيد من التوترات والاحتجاجات السكانية.
•    ما هو عرض الانسحاب الإسرائيلي؟
-    المفاوضات المكثفة بين إسرائيل والأمم المتحدة توصلت إلى اتفاق يقضي بأن تنسحب القوات الإسرائيلية من نصف القرية الشمالي، مع السماح لسكان الجزء الشمالي بمواصلة تلقي احتياجاتهم من إسرائيل.
-    الاتفاق الإسرائيلي مع الأمم المتحدة يبقي على الوضع القائم قبل عام 2006، بحيث لا تكون قوات اليونيفيل ولا القوات الإسرائيلية تتمتع بأي وجود في الجزء الشمالي من قرية الغجر، وذلك بحيث يسمح للقوات الإسرائيلية بالانتشار في الجزء الجنوبي من القرية وقوات الأمم المتحدة يسمح بانتشارها في المناطق المحيطة بالجزء الشمالي من القرية.
-    المفاوضات بين قوات اليونيفيل ووزارة الخارجية الإسرائيلية سوف تستمر خلال الأسابيع القادمة إلى حين إنهاء وضع تفاصيل الترتيبات الأمنية التي يتم الاتفاق على إنفاذها.
نلاحظ من خلال معطيات المنظور الإسرائيلي إلى وضع قرية الغجر بعد القرار إلى أنه منظور يجعل من القرية تتكون من الآتي:
-    جزء شمالي يعاني من ظاهرة فراغ القوة والسلطة.
-    جزء جنوبي تقوم فيه إسرائيل بملء فراغ القوة والسلطة.
وإضافةً لذلك، فإن قيام الإسرائيليين بانتهاك النظم الدولية بإرغام جزء من سكان القرية على حمل الجنسية الإسرائيلية هو أمر سوف يؤدي إلى جعل شمال القرية أكثر ارتباطاً بجنوب القرية الذي تسيطر عليه إسرائيل، وبالتالي، فإن الانسحاب الإسرائيلي من الجزء الشمالي من القرية يمكن وصفه بأنه مجرد انسحاب "افتراضي".
أشار الخبير فيكتور كوتسيف إلى أن النوايا الإسرائيلية من وراء قرار الانسحاب تهدف إلى احتمالات برمجة حدوث الآتي:
•    السيناريو الأول: أن يقوم حزب الله اللبناني على خلفية أزمة قرار المحكمة الدولية بشن هجوم ضد إسرائيل مستغلاً ظاهرة فراغ القوة والسلطة الموجودة في نصف قرية الغجر الشمالي بما يؤدي إلى توفير الذرائع لإسرائيل لجهة القيام بالرد بما يؤدي بدوره إلى إشعال الحرب.
•    السيناريو الثاني: أن تسعى إسرائيل لجهة القيام بالضربة الاستباقية كخطوة أولى لجهة القيام بالخطوة الثانية وهي ضرب إيران.
هذا، وبالتدقيق في مكونات محتوى السيناريو الأول والثاني اللذان أشار إليهما الخبير كوتسيف، فمن الممكن التوصل إلى السيناريو الأكثر احتمالاً والذي يجمع بين مكونات السيناريو الأول والثاني ضمن ما يمكن أن نطلق عليه تسمية "سيناريو نظرية المؤامرة"، وهو أن لا يسعى حزب الله لاستغلال ظاهرة فراغ القوة والسلطة في الجزء الشمالي من القرية، وإنما تسعى إسرائيل سراً إلى ترتيب الحدث (س)، والذي تستخدمه هي نفسها كمبرر لتوجه الضربة وإشعال الحرب، خاصةً وأن إسرائيل سوف تحصل إن لم تكن قد حصلت بالفعل على طائرات إف-35 الأمريكية المتطورة.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...