حسن نصر الله الآخر يروي فضيحة اختطافه

04-10-2006

حسن نصر الله الآخر يروي فضيحة اختطافه

القينا القبض على حسن نصرالله وابنه..." عبارة مبهمة، وغير واضحة، ابلغها الجنود الاسرائيليون لقيادتهم في تل ابيب، خلال عملية الانزال التي قاموا بها في ضواحي مدينة بعلبك ليلة الاول من آب الماضي!
وانتشر الخبر بسرعة في وسائل الاعلام الاسرائيلية، وتناقلته في اللحظات الاولى محطات تلفزة ووكالات انباء عالمية!
بالمقابل فان المواطن البعلبكي حسن نصرالله، لم يتوقع يوما ان يكون اسمه الشبيه باسم الامين العام لـ"حزب الله" سببا لاختطافه من منزله في حي العسيرة في بعلبك، مع ابنه واصهرته الثلاثة، على يد فرقة من الكومندس الاسرائيلية، وان يمضي في المعتقل الاسرائيلي 21 يوما، ويصبح موضع اهتمام و"سبقاً صحافيا" ومقصدا لكل الفضائيات ووسائل الاعلام المحلية، والاقليمية والعالمية.
الى اليوم ما زال حسن نصرالله في منزله، في العسيرة، في ضواحي بعلبك، يستقبل وفودا من المراسلين الاعلاميين المحليين والدوليين، وجعل من حديقة منزله "صالون استقبال" لهذه الوفود المدهوشة من منظر المنازل المدمرة، التي لا بد ان تمر بها وانت في طريقك الى منزل نصرالله. لقد كان هذا الحي هدفا دائما للطائرات الاسرائيلية التي لم ترحم فيه لا البشر ولا الشجر ولا الحجر.
وفي جلسة خاصة، ودية، بعيدة عن البروتوكولات، جلس حسن نصرالله يستعيد معنا ذكريات ليلة القبض عليه وعلى ابنه واصهرته، وقال: "حوالى الساعة العاشرة والنصف ليلا، وفي الوقت الذي كانت فيه الطائرات الحربية الاسرائيلية، تغير على بعلبك وضواحيها، وتقصف البيوت وسط تحليق مكثف للطوافات الاسرائيلية وطائرات الاستطلاع، هربت مع عائلتي الى منزل ابنتي القريب من منزلنا، لأنه آمن اكثر من منزلي الذي تضرر بفعل القصف، ولجأنا الى غرفة تحت المنزل وهي غرفة صغيرة – تقع تحت الدرج– علها تحمينا من هول القذائف والصواريخ، وكنت فيها مع زوجتي واولادي، واصهرتي الثلاثة.
وبعد لحظات سمعنا اصوات انفجارات قريبة منا، واصوات اطلاق نار من بنادق حربية، ثم سمعنا اصوات تفجير الابواب في الطابق العلوي، وضجة، وقرقعة سلاح، وكلاما باللغة العبرية، فايقنا ان الاسرائيليين دخلوا المنزل. وبالفعل كانوا حوالى ستين جنديا عمدوا الى تزنير المنزل بالمتفجرات، وكانوا يطلقون نيران رشاشاتهم في كل اتجاه على الاثاث والجدران والستائر والاسرة، ثم نزلوا الينا يحملون مصابيح تعلق وفق اشعة لايزر، قائلين بلهجة فلسطينية: "اطلعوا، رافعين ايديكم..."، ثم قاموا بعزل الرجال عن النساء والاطفال، واخرج الضابط الاسرائيلي من سترته جهاز كومبيوتر صغيرا، وبدأ يستعرض ما فيه من معلومات تتضمن اسماءنا، ويسألنا: "من منكم حسن نصرالله"؟ من منكم احمد العوطة؟ من منكم بلال؟ وهكذا... ثم وضعوا البندقية في رأس ابني محمد وسألوه: "من منكم من المقاومة؟".
ويتابع نصرالله: "المدهش في الامر ان لديهم معلومات عني وعن اصهرتي، مما يؤكد فعلا انني كنت هدفا لهم، ولم تكن عملية اعتقالي مع اصهرتي وابني بالمصادفة، كما ظن البعض، بل كانت عملية مخطط لها بدقة".
واضاف: "ثم عمدوا الى تكبيل ايدينا نحن الرجال، واخرجوا النساء والاطفال الى خارج المنزل وارغموهم على الركوع في وسط الطريق، ثم طلبوا منهم ان يغادروا الحي باتجاه بعلبك رغم ان الطيران الحربي كان مستمرا في قصفه وغاراته، ثم اقتادونا سيرا على الاقدام في طريق جبلية مسافة طويلة انا، وولدي بلال ومحمد واصهرتي الثلاثة، رأينا خلال سيرنا مئات الجنود الاسرائيليين كانوا يحاصرون المنطقة، وينصبون فيها الكمائن، سمعناهم يتحدثون بالعبرية، ومنهم كان يتحدث معنا بلهجة عربية "مكسرة"، فيما كانت الطائرات الحربية تملأ الاجواء، وتقصف الاهداف، والطوافات والمروحيات تنفذ علميات انزال في عدد من ضواحي بعلبك، في مستشفى دار الحكمة، وقرب جبل الملاح، وفي منطقة عين الجوزة...".
واكمل نصرالله وهو يرتشف قهوته ويستجمع ذاكرته: "توقفنا في منطقة بعيدة عن منزلي، ليقوم قائد القوة الاسرائيلية باجراء اتصال بالصوت والصورة مع قيادته من خلال جهاز صغير مزود شاشة رقمية، ليسأل ماذا يفعل بابني محمد كونه صغير السن وعمره 13 سنة، فكان جواب القيادة "اتركوه واطلقوا سراحه" فعاد محمد رغم بعد المسافة الى المنزل، وسط الظلام، ووسط الدمار، في نفس الوقت الذي كانت فيه الطائرات تدك منازل الحي، فكان يحتمي بين البيوت المدمرة، وبقي مختبئاً حتى الصباح، لأن عائلتي كانت غادرت الحي سيراً على الاقدام الى منزل اقاربنا في بعلبك...".
ويتابع نصرالله روايته: "بعد ذلك شاهدت قائد القوة الاسرائيلية يطلق اشارات للطوافات الحربية، من اوراق كان يحملها تعطي الوانا فوسفورية، وما هي الا لحظات حتى هبطت بالقرب منا طوافتان اصعدونا الى احداها، ونقلونا الى قاعدة جوية عسكرية في تل ابيب، ووضعوا كلا منا في غرفة، وبقينا هناك حوالى 18 ساعة، بعدها نقلونا في باص الى سجن يقع بين العفولة والناصرة في اسرائيل، وهناك اعطونا ثيابا خاصة بالمعتقلين ووضعونا نحن الخمسة في الغرفة عينها".
وبدأت عملية التحقيق... ويؤكد نصرالله ان المحققين الاسرائيليين ركزوا في تحقيقاتهم "على القرابة التي تربطني بأمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، وما اذا كنا نعرف اي شيء عن مسؤولي المقاومة في منطقتنا، ومراكزهم، وكنا كل يوم "زبائن" لفرع آخر من فروع استخباراتهم الذي يعود ويجري معنا تحقيقات مكثفة. وتركزت تحقيقاتهم حول ابني بلال البالغ من العمر 31 سنة، اذ كان المحقق الاسرائيلي مصرا على انه نجل الامين العام لـ"حزب الله" وكان يقول لبلال "انت خطير جدا"... حتى انهم اعتقدوا انهم من مسؤولي اجهزة امن "حزب الله".
لكن نصرالله يؤكد "من منطق الامانة، والموضوعية انه وافراد اسرته لم يتعرضوا خلال الاعتقال لأي تعذيب جسدي، بل كانت تمارس عليهم الضغوط النفسية والارهابية" وابرز ما اقلقه ومنعه من النوم في الايام العشرة الاولى من اعتقاله عدم معرفة مصير ابنه محمد، الذي تركه الاسرائيليون في الجرد في بعلبك في منتصف الليل "ليلة الخطف" وسط الجحيم والقصف والدمار، ومصير عائلته واطفالهم وما حل بهم!
وعن بعض ذكرياته اللافتة داخل المعتقل، يقول: "دخل علينا في احد الايام ضابط اسرائيلي وسألنا "بغباء مصطنع": من هو نبيه بري؟ ولما سألناه عن سبب سؤاله رد قائلا: "انه يطالب بالافراج عنكم باستمرار من خلال جهات دولية". فأعلمناه انه رئيس مجلس النواب في لبنان ومن واجبه ان يطالب بنا لأننا مواطنون لبنانيون".
واضاف: "ذات يوم طلبنا من السجان الاسرائيلي تزويدنا بجهاز تلفزيون لكنه ابتسم ساخرا وقال لنا بلهجة عربية ركيكة: "ليش حتى تشوفوا حزب الله؟"، فقلنا له "يا عمي مش مهم خلينا نشوف عادل امام"."
الا ان ما لفت نصرالله خلال اعتقاله المحامية اليهودية ليا تسيمل وهي من منظمة "شؤون الفرد" في اسرائيل، وهي منظمة تدافع عن حقوق الانسان، إذ أجرت مقابلات مع كل واحد منهم للاطلاع على اسباب اعتقالهم، وعلى اوضاعهم داخل السجن.
وقال نصرالله متابعاً: "شرح ابني بلال لهذه المحامية قصتنا بالتفصيل، وعن كيفية خطفنا من منازلنا من بين عائلاتنا واطفالنا وليس من ساحة المعركة، فدهشت لهذا، واعلمتنا انها منذ مدة تطالب المسؤولين الاسرائيليين بلقائنا، الا انهم كانوا يرفضون طلبها. وخلال لقائي بها قالت لي: "كذابون، انهم يتاجرون باسمك في وسائل الاعلام، وامام الرأي العام الاسرائيلي، كون اسمك يشبه اسم السيد حسن نصرالله...". وطمأنتنا انها ستبذل ما في وسعها لاطلاق سراحنا، وانها ستتصل بعائلاتنا لطمأنتهم، وبالفعل اتصلت بهم، كما انها اتصلت بنا هاتفياً مهنئة ونحن في بعلبك، بعد الافراج عنا...".
وعن اوضاعهم داخل السجن وحياتهم اليومية فيه قال: "كانوا يسمحون لنا بالخروج يومياً للسير في غرفة صغيرة الى جانب السجن، لكن كنا مقيدي الايدي والارجل، وكان الطعام عادياً جداً، ويسمحون لنا بحوالى ثلاث سجائر يومياً، ولكن ابني بلال كان بالصدفة يحمل مبلغ 150 دولاراً، فعمدنا الى صرفه بالعملة الاسرائيلية "الشاقل"، وكنا نشتري من الكافيتريا الخاصة بالسجن ما يلزمنا...
وعندما تم الافراج عنا كان ما زال لدينا ما بقي من العملة الاسرائيلية، ولكن تمت مصادرتها منا فيما بعد في مديرية المخابرات اللبنانية".
ونصرالله لا ينسى تلك اللحظة (عند الساعة الرابعة والنصف صباحاً) التي طلب منهم فيها ان يرتدوا ثيابهم الاصلية ويسلموا ثياب السجن، لقد كانت الاشارة واضحة "انهم سيطلقون سراحنا..."، وفعلاً قاموا باخراجنا ونقلونا معصوبي الأعين ومقيدي الأرجل والأيدي بباص عسكري وسط حراسة مشددة الى رأس الناقورة، وهناك استقبلتنا مسؤولة فرنسية في الصليب الاحمر الدولي، واعطتنا ثياباً رياضية، ثم نقلونا الى الناقورة ليتسلمنا الجيش اللبناني، ومنها الى المنصوري، صور، صيدا، فوزارة الدفاع في اليرزة، وهناك بدأت معنا تحقيقات اخرى من قبل الاستخبارات اللبنانية، عن اسباب اعتقالنا والظروف التي رافقتها. ويأسف نصرالله للطريقة التي عوملوا بها في مديرية المخابرات "من دون شرح التفاصيل لاسباب شخصية"، ويستغرب كيف لم يجدوا مسؤولاً لبنانياً سياسياً أو عسكرياً في استقبالهم، فضلاً عن نقلهم بشاحنة عسكرية من الناقورة الى صيدا، ومن هناك نقلوا بسيارة "فان تفوح منها رائحة المازوت!".
واعتبر نصرالله ان الافراج عنهم جاء بسبب ضغط مارسه رئيس مجلس النواب نبيه بري على السفير الفرنسي في لبنان، وعلى بعض الاوساط الديبلوماسية الغربية، كما ان اولاد شقيقي عقدوا مؤتمراً صحافياً في بلجيكا شرحوا فيه للراي العام قضيتنا، ووجهوا رسائل عدة لجهات انسانية، وهيئات تعنى بحقوق الانسان.
وبرأيه وحسب تحليلاته فإن الاسرائيليين ارادوا من خلال اختطافه "تقوية معنوية جنودهم وشعبهم كونهم اعتقلوا السيد حسن نصرالله وابنه، وهم يعلمون ان الحقيقة ستظهر في النهاية، الا انه من الممكن برأيهم حصول تغييرات وتطورات خلال الفترة الممتدة بين الشائعة والحقيقة، وكانوا في الوقت نفسه يريدون معرفة مصير الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله الذي كان غاب عن الظهور لمدة طويلة في تلك الفترة، فكانوا يدركون ان اختطافي وترويجهم شائعة القاء القبض على أمين عام "حزب الله" وابنه، سيدفعان بالسيد حسن نصرالله الى الظهور لشرح ملابسات القضية وحقيقتها، وحصل ذلك بالفعل، إذ ظهر السيد نصرالله في شريط مصور وشرح ما جرى في بعلبك خلال عملية الانزال الاسرائيلي".
وتابع نصرالله: "كان الاسرائيليون فعلاً يستغلون عملية اختطافنا اعلامياً، وبدا ذلك من خلال وجود عشرات المصورين والصحافيين والمراسلين بانتظارنا خلال نقلنا الى اسرائيل. وكانوا يصرون على وجود صلة قرابة بيني، وبين السيد نصرالله، رغم تأكيدي ان الامر مجرد تشابه في الاسماء، كما كانوا يصرون تارة على ان ابني بلال، هو ابن السيد حسن نصرالله، وتارة اخرى على انه من كبار المسؤولين الامنيين في لبنان".

اليوم، عاد حسن نصرالله الى ممارسة حياته الطبيعية المعتادة، فهو يمضي اوقاته في متجره المخصص لبيع اسلحة الصيد ولوازمه، وهي مهنته الاساسية منذ مطلع شبابه، وكأن القدر كتب له ان ينال الاذى دائماً من اسرائيل. اذ في العام 1982، وخلال عملية اجتياح لبنان، دمر الطيران الاسرائيلي مصنعاً كبيراً لذخيرة الصيد، في منطقة الكيال في بعلبك، كان حسن نصرالله يملكه مع شقيقه الحاج صالح.
"كانت تجربة مهمة في حياتي، وان كانت مريرة، الا انها تظل بسيطة امام ما حصل من مجازر وقتل ودمار في وطني لبنان خلال العدوان الاسرائيلي".
بهذه العبارة، يختم نصرالله حديثه، محاولاً اخفاء الدموع التي ترقرقت في عينيه، بانهماكه في اشعال سيجارة، طالما اشتاق اليها خلال اعتقاله.

صبحي منذر ياغي

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...