حسام الآلوسي عميد فلاسفة العراق

02-11-2013

حسام الآلوسي عميد فلاسفة العراق

لم يلقَ الفيلسوف العراقي حسام محيي الدين الآلوسي (1936 _ 2013) الاهتمام الذي يستحقه خلال عمره المعرفي المديد وبعد رحيله. بصمت غاب عن حياتنا كما لو أنه رجل عادي. بعيداً من الضجيج اختار المنفى الأبدي. لا نملك نحن العرب ذاكرة ثقافية تحصن النتاج الفكري لمبدعينا. ربما تأتي أجيال قادمة تقدر ما أنتجته عقول علمائنا بشتى مشاربهم وحقول تخصصهم.
ليس سهلاً الكتابة عن الآلوسي عالِماً ومحققاً وشاعراً. وضع الفيلسوف العراقي الذي انشغل بالفكر الإسلامي في شقيه الفلسفي والكلامي أكثر من عشرين مؤلفاً نذكر منها: «حوار بين الفلاسفة والمتكلمين»؛ «مشكلة الخلق في الفكر الاسلامي»؛ «الزمان في الفكر الديني والفلسفي وفلسفة العلم»؛ «فلسفة الكندي وآراء القدامى والمحدثين فيه»؛ «التطور والنسبية في الأخلاق»؛ «الفلسفة والانسان»؛ «حول العقل والعقلانية العربية»؛ «نقد المناهج المعاصرة لدراسة التراث الفلسفي العربي الإسلامي»؛ «في الحرية مقاربات نظرية وتطبيقية»؛ «بواكير الفلسفة قبل طاليس أو من الميثولوجيا إلى الفلسفة عند اليونان»؛ «تقييم العقل العربي ودوره من خلال نقاده ومنتقديه» «أزلية العالم ودور الاله عند ابن رشد (دراسة نقدية معاصرة)».
نشر الآلوسي مجموعة من الأبحاث في المجلات العلمية العراقية والعربية من بينها: «البنية والعلاقة» (المجلة الفلسفية العربية، الأردن، شتاء 1990) «الفلسفة والعلوم الأخرى» (ضمن كتاب سلسلة المائدة المستديرة، بيت الحكمة، آذار 1998) «الأنسنة عند ابن رشد» (مجلة مقابسات البغدادية، العدد الأول 2005). قام بتحقيق بعض النصوص الفلسفية مثل كتاب «الأسرار الخفية في العلوم العقلية»، للعلاّمة ابن المطهر الحلي وذلك بمشاركة مع الدكتور صالح مهدي الهاشم.
إلى جانب التأليف في الفلسفة والتحقيق صدر له ديوان «زمن البوح» (2009) كشف فيه عن قصائده التي بدأ في كتابتها منذ الخمسينيات. خلال الاحتفاء الذي أقامه الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق حول هذه المناسبة قال الآلوسي: «هذا الديوان يحمل غربة عن الزمن وعن الآخرين وعن تراثي، وأنا لست كما يراني الناس منتظماً، فأنا أعرف أنني ربما ضللت الطريق، وحين تجدوني وحدي، فأنا كذلك في الديوان وفي سلوكي، حيث أنكم ستجدون في القصائد انساناً يتكلم بعقله في بيت شعر ما، وفي بيت آخر يتحدث بقلبه».
حصل الآلوسي على إجازة الفلسفة من جامعة بغداد عام 1956 ثم على دكتوراه في الفلسفة عام 1965 من جامعة كمبردج عن أطروحته «The Problem Of Creation In Islamic Though» التي نقلت إلى العربية تحت عنوان «مشكلة الخلق في الفكر الإسلامي» عام 2008 أي بعد ثلاثة عقود ونيف. عمل أستاذاً للفلسفة في جامعات بغداد ومستشاراً للعديد من المجلات العلمية.
تأسس مشروع الآلوسي الفلسفي على معالجة قضايا الفكر الإسلامي انطلاقاً من منظور عقلاني حداثي، واستند إلى المنهج الجدلي التاريخي الاجتماعي. حدد منهجه من خلال الخطوات الآتية: أولاً، دراسة المعلومة بحسب منهجية تقوم على ربط النص أو الموضوع بالأساس الاجتماعي والمطروح العلمي والتراكم المعرفي؛ ثانياً، الالتفات إلى الكل أو البنية عند دراسة الجزء أو النظرية للشخص أو النص؛ ثالثاً، الحذر من التعامل التجزيئي؛ رابعاً، الابتعاد عن الأسلوب الانتقائي من التراث المدروس أو الفكر المدروس والمقصود هنا ليس الفيلسوف الواحد بل المنظورات الفلسفية السائدة في زمان ومكان ما؛ خامساً، الجدلية، وهذا واضح في سياقات نظرتنا إلى تراثنا الفلسفي الفكري؛ سادساً، التكاملية، وبعض عناصرها الاستعانة بكل العلوم؛ سابعاً، التواصل، ضد الشوفينية مثل أكذوبة المعجزة اليونانية أو المغالاة في عقلنة الفلاسفة اليونان. (حسام الآلوسي، تجربتي الفلسفية، جريدة الأديب، السنة الثانية، العدد 75، 8 حزيران 2005).
يُعد كتابه «حوار بين الفلاسفة والمتكلمين» أول بداية فلسفية محكمة في اللغة العربية للفيلسوف العراقي، وقد صدر نهاية الستينيات من القرن العشرين. عالج فيه موضوعات الفلسفة الإلهية والميتافيزيقية في واحدة من أعمق المشكلات الفلسفية في تاريخ الفلسفة إلى اليوم، فعرض فيه لآراء الفلاسفة واللاهوتيين، لا سيما آراء أرسطو والمدرسة الفيضية الإسلامية وموقف المتكلمين من مشكلة الوجود ونقد الغزالي للفلاسفة وردود ابن رشد. (حسن مجيد العبيدي، شيخ فلاسفة العراق المعاصرين وعميدهم حسام الآلوسي، موقع كتابات).
نادى حسام الآلوسي بالعلاقة التواصلية أو «التواصل الفلسفي» بين الفكرين الإسلامي والغربي التي ضمنها في كتابه «الزمان في الفكر الديني والفلسفي وفلسفة العلم». آمن بمفهوم التقدم «الخطي» للإنسانية، وعارض مقولة المركزية الأوروبية، وأن الفكر الإسلامي لم ينطو على فكر فلسفي أصيل، وأن قيمته تتركز في حفظه للفلسفة اليونانية في العصر الوسيط. رأى أن كلا من الفكر الغربي الحديث والفكر المسيحي الوسيط أخذ الكثير من التصورات الفلسفية عن الفلسفة الإسلامية، خصوصاً في قضية الزمان وأدلة وجود الله وقدم العالم. يقول في مقدمة كتابه المذكور «فكرت طويلاً في هذا التماثل الكامل للفكر القديم حول الزمان أو بالأحرى مشكلاته بقدر ما يتعلق الأمر بتناهيه أو لا تناهيه، وبقدر ما يتعلق الأمر بعلاقة الزمان بالله، وبأهمية رأي وحجة أوغسطين في تصور الزمان التي ستكون مفتاح التصور للكثير من الناظرين في حقيقة الزمان من المحدثين. أقول نظرت وفكرت في هذا التماثل الصارخ، فوجدت أن الهوة ما زالت كبيرة تاريخياً بين الفكر الفلسفي القديم والوسيط وبين الفكر الحديث منذ ديكارت وليبنتز في ما بعد، وأعني بالضبط، أنه لم توجه عناية كافية لدراسة أثر الفكر الفلسفي الوسيط وعلى الأخص الإسلامي في الفلسفة الحديثة. من المؤكد أن دين الفلاسفة الوسيطين من مسيحيين ويهود للفلاسفة المسلمين كبيراً جداً، او لا بد أن يكون كذلك. ان كثيرا من تعمقات الفلاسفة المحدثين، ليبنتز مثلاً في مسألة الترجيح بلا مرجح لإثبات قدم الفعل (العالم) مع الفعال (الله)، وقد أشرت إلى إنغلز وكانط، أقول ان الكثير من هذه التعمقات، بل المفتاح الرئيسي او نقطة المركز في المعالجة موجودة عند فلاسفتنا، وموجودة بشكل أبسط عند الفلاسفة المسيحيين، خصوصا توما الأكويني، والمدارس المختلفة في جامعة باريس، سواء مع أو ضد ابن رشد». (حسام الآلوسي، موقع فلاسفة العرب).
في أطروحته «مشكلة الخلق في الفكر الإسلامي» التي طبعت في نسختها الانكليزية عام 1968 (بغداد) درس الفيلسوف العراقي فكرة الخلق عند المفكرين المسلمين وغير المسلمين، مستنداً في تفسيره للآيات إلى منهج تأويل القرآن بالقرآن. في الفصل الأول تناول مسألة صدور العالم عن الله وطريقة تعامل القرآن مع مسائل الخلق والعدم، وهل قال بها القرآن أم لا؟ ثم استعرض مملكة الكون، وتنزيه الله عن الخلق المادي وخلق الكون بما فيه خلق السموات السبع والخلق الزماني، وخلق الانسان، ومشكلة السجود لآدم وموقف إبليس منها. وقد طرح جملة إشكاليات، من أي شيء جاءت طبيعة العالم؟ وإذا كانت فكرة الخلق من عدم محض لا تحتاج إلى اثبات وهي بينة بنفسها فلماذا لا نجد توضيحاً لها أو عنها في القرآن؟ ولماذا يعطي القرآن على الضد منها آيات تؤكد بوضوح وبعيداً من التأويلات والاجتهادات خلق العالم من مادة أولى؟ ينتهي الآلوسي بخلاف الأغلبية إلى أن القرآن يبين أن الله خلق العالم من مادة وأن ما رآه المتكلمون والمفسرون من أن الله خلق العالم من عدم هو اجتهاد منهم في قراءة النص، وتالياً فكرة الخلق من عدم محض ليست سهلة القبول من العقل البشري لأنها تتجاوز كل خبرة عن السببية. (حسام الآلوسي، مشكلة الخلق في الفكر الإسلامي، تعريب باسمة جاسم الشمري، بيت الحكمة العراقي، 2008).
كرَّس الآلوسي جزءاً من جهوده العلمية إلى الجدال المعرفي النقدي لأطروحات بعض المفكرين العرب من أمثال حسن حنفي صاحب «التراث والتجديد» وصادق جلال العظم صاحب «نقد الفكر الديني» ومحمد عابد الجابري صاحب «بنية العقل العربي» وحسين مروة صاحب «النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية» وطيب تيزيني صاحب « من التراث إلى الثورة».
خسرت الفلسفة العربية برحيل حسام الآلوسي ركناً من أركانها بعدما سبقه مبدعون كبار في السنوات الماضية. من الصعوبة بمكان التعويض عن هذه الخسارة في ظل الغياب التدريجي لكبار مفكرينا في الوطن العربي.

ريتا فرج

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...