الوضع الراهن للصناعة الدوائية في سورية

29-10-2007

الوضع الراهن للصناعة الدوائية في سورية

صدر مؤخراً عن الهيئة العليا للبحث العلمي تقرير موسع حول الوضع الراهن للصناعات الدوائية وآفاق تطويرها في سورية، وهو حصيلة نتائج ورشة العمل التي أقامتها الهيئة حول الموضوع نفسه.. وما يميز التقرير الذي أعده الدكتور آصف دياب، المدير العام للهيئة، ومراجعة الدكتور زهير فضلون، الدقة والموضوعية والشفافية في تناول ووصف المشهد المحلي الراهن للصناعات الدوائية، كما يعرض التقرير للوضع الراهن لهذه الصناعة في الوطن العربي والعالم، ويوضح ذلك بالأرقام المأخوذة من أكثر من مصدر موثوق، مما يؤكد مدى الجهد المبذول في اعداد هذا التقرير المرجع الذي نتمنى ان يحظى بالاهتمام والمراجعة من قبل صانعي القرار وراسمي السياسة الصحية في بلدنا، وهذه قراءة سريعة لأهم فصول التقرير...

حتى منتصف الثمانينيات لم يكن يتوفر في مصانع الأدوية في سورية أبسط شروط التصنيع المطلوبة لصناعة الدواء، لكن وبتشجيع مباشر من الجهات الحكومية بدأ القطاع الخاص بالاستثمار في صناعة الدواء من خلال تأسيس معامل جديدة تحت إشراف ومراقبة وزارة الصحة، ونتيجة لذلك وبحسب ما يشير التقرير، بدأت وزارة الصحة السورية بالتعاون مع المنظمات الدولية ومعامل الأدوية بتطبيق برنامج مكثف لتحديث كل ما يتعلق بالدواء من أنظمة تشريعية ورقابية..
كما صُممت المعامل وخطوط إنتاجها وفق الشروط العالمية والمحددة من قبل منظمة الصحة العالمية ومن قبل الشركات مانحة الامتياز، وبفضل ذلك أصبح من المتداول في سورية تعبير شروط التصنيع الجيد للدواء «GMP» الذي لم يكن معروفاً قبل عام 1988، ونتيجة لذلك ازداد عدد المعامل الدوائية في سورية ليصبح حالياً 62 معملاً تتفاوت فيما بينها من حيث حجم طاقاتها الإنتاجية.
واليوم يمكن القول: ان الصناعة الدوائية الوطنية باتت تعتبر من أهم دعائم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في سورية، وقد أصبحت الأدوية الوطنية تغطي 90٪ من حاجة القطر.. وحالياً يتم توجيه المعامل الجديدة لتصنيع الأدوية النوعية كأدوية السرطان وأدوية مشتقات الدم واللقاحات.
ومما سبق يستخلص معد التقرير الدكتور دياب أهم العناصر الأساسية التي تجعل الصناعات الدوائية مساهماً مهماً في الاقتصاد الوطني وهي:
- تغطية السوق المحلية، وانقاص استيراد الدواء إلى أكثر من 600 مليون دولار بالحد الأدنى.
- حجم الإنتاج 500 مليون دولار، 350 مليون دولار للسوق المحلية والباقي يصدر للخارج.
- تشغيل عمالي نوعي لأكثر من /14000/ جامعي وعامل فني.
- توطين تقانات حديثة وتطبيق مفهوم الجودة الشاملة.
- تشغيل القطاع الصيدلي والصناعات الرديفة.
بالرغم من وجود عدد كبير من العمال الذين يعملون في الصناعات الدوائية، لكن هؤلاء العاملين مؤهلون وعلى مستوى عالٍ من الكفاءة، وذلك من خلال تطبيق برامج التأهيل والتدريب المستمرة على كافة مستويات العاملين، ويشير التقرير إلى ان نسبة العاملين من الخريجين الجامعيين تزيد عن 25٪ من مجمل العاملين في هذه الصناعة.

تنتج معامل الدواء السورية معظم الزمر الدوائية المتواجدة في الخارطة العلاجية العالمية باستثناء بعض الزمر لكونها حديثة جداً، والبعض الآخر منها ما زال محمياً بقوانين براءات الاختراع ولا تسمح الشركات المالكة بمنح ترخيص لإنتاجها وخاصة في الدول النامية.
ورغم ذلك ونتيجة للنجاح الذي أحرزته المعامل السورية في توطين التقانات الحديثة في صناعة الدواء، تسارعت كبريات شركات الدواء العالمية لمنح امتياز تصنيع منتجاتها لبعض المعامل السورية، حيث بلغ عدد المعامل المحلية التي تصنع بامتياز /16/ معملاً،  وبلغ عدد الشركات العالمية المانحة للامتياز للتصنيع في سورية /58/ شركة، وعدد المستحضرات المصنعة بامتياز /380/ مستحضراً، وهذا يشكل 8.5٪ من مجمل المستحضرات المصنعة محلياً.
وينوه التقرير إلى ان التصنيع بامتياز أدى إلى رفع كفاءة المعامل المحلية، وسرّع بعملية تطبيق شروط التصنيع الجيد للدواء، وذلك من خلال الاحتكاك المتواصل بين المعامل الوطنية والأجنبية والتواصل للوصول إلى الأفضل.

رغم وجود بعض التحديات التي تواجه الصناعة الدوائية السورية، إلا ان الدواء السوري أثبت وجوده وجدارته على الساحة العربية.. ويصنف التقرير التحديات على النحو التالي:
- التحدي الأول: تغطية الاحتياجات الدوائية الوطنية، بالرغم من ان المعامل الوطنية تغطي ما يزيد على 80٪ من الاحتياجات المحلية.
- التحدي الثاني: توفر المواد الأولية بالسوق المحلية لأن البقاء على الاستيراد من الخارج يضع صناعتنا الدوائية في موقف حرج إذا ما حدثت أزمات سياسية.
- التحدي الثالث: إعادة النظر بأسس تسعير الدواء بهدف ايجاد دواء وفق المواصفات وضمن أسعار معقولة، والاستغناء قدر الإمكان عن الدواء الأجنبي باهظ الثمن، ومساعدة المنتجين على الاستمرار في إنتاجهم.
- التحدي الرابع: الاستحقاقات ذات الصلة بالاتفاقيات العربية والعالمية، حيث ان هناك غياباً للشفافية والمعلومات حول التعامل التجاري، عدا عن التمييز في المعاملة الضريبية والقيود غير الجمركية، بالإضافة إلى غياب النواحي الفنية كالتي تتعلق بغياب القواعد التفصيلية لشهادة المنشأ.

يشير التقرير إلى ان أهم نقاط القوة في الصناعة الدوائية السورية أنها قادرة على الاستمرار والمنافسة والتطوير بسرعة، عدا عن تغطيتها لاحتياجات السوق المحلية ووقف استيراد دواء تعادل كلفته بين 550 - 600 مليون دولار سنوياً، وإنتاج ما قيمته 350 مليون دولار للسوق المحلية، عدا عن تأمينها العمل لحوالي /12000/ من الجامعيين من كافة الاختصاصات، بالإضافة إلى عمال فنيين.
ولكن بالرغم من نقاط القوة هذه، توجد نقاط ضعف في الصناعة الدوائية السورية وهي كما وردت بالتقرير:
- تطورها بشكل أفقي أكثر من تطورها ونموها عمودياً.
- غياب الاهتمام بإنتاج المواد الأولية التي يتم استيرادها من الخارج.
- ضعف التحالفات بين الشركات الدوائية السورية.
- ضعف الدور الحكومي في تحفيز وتوجيه وضبط توجهات صناعة الدواء، وهذا ما يلاحظ في غياب الحوافز في آليات التسعير.
- ضعف التخطيط والإدارة والتنظيم.
ويعرض التقرير لعدة مبادرات وطنية لتطوير صناعة الدواء، وذلك من خلال اتخاذ الاجراءات التالية:
 - انشاء مرصد وطني لجمع المعلومات عن الاسواق الدوائية العالمية، وذلك من خلال التعاون مع وزارة الخارجية وبعثاتها الدبلوماسية.
- انشاء مركز تميّز وطني لدراسات التكافؤ الحيوي، من خلال التعاون مع وزارة التعليم والصحة.
 - انشاء مركز وطني للقيام بتحليل المستحضرات الدوائية بالتعاون مع وزارة الصحة.
 - حل المشاكل المتعلقة بسعر المستحضر في بلد المنشأ، والذي يقف عائقاً امام الحصول على اسعار تصديرية ملائمة للمستحضرات .
 - تشجيع المصدرين من خلال اعفاءات ضريبية على التصدير، مما يسمح باسعار تنافسية للمستحضرات المصدرة.
 هذا بالاضافة الى اهمية اتخاذ جملة من القرارات من اجل تطوير البنية التشريعية لصناعة الدواء السوري واهمها:
 - اصدار مرسوم ينظم عملية الترخيص لمعامل الادوية من حيث الشروط المطلوبة.
 - اعادة النظر بالمرسوم المتعلق بخدمة الريف للعاملين في الصناعات الدوائية.
- تنظيم عملية الرقابة على الصيدليات للحد من الادوية المهربة والمزيفة.
 - اعادة النظر بالرسوم الجمركية المفروضة على متممات الآلات.
ويختتم الدكتور آصف دياب، المدير العام للهيئة العليا للبحث العلمي تقريره باقتراح هام جداً وهو:
 تشكيل هيئة عامة للصناعات الدوائية تكون مستقلة يناط بها كل ما يتعلق بالصناعة الدوائية، تتبع لوزارة الصحة وتتمتع بالصلاحيات الكاملة في اتخاذ القرارات، وتكون لديها القدرة على تلبية كافة الاحتياجات، وهو بلا شك اقتراح في غاية الاهمية نأمل ان يجسد على ارض الواقع.

عرض: غسان فطوم

المصدر: البعث

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...