المصوّرون والنقّاد أرقام وألوان في «كان»..والعرب غائبون

29-05-2009

المصوّرون والنقّاد أرقام وألوان في «كان»..والعرب غائبون

تحتلّ السجّادة الحمراء، الممتدة على المدخل الرئيس لـ«قصر المؤتمرات والمهرجانات»، حيث تُقام الاحتفالات الرسمية لمهرجان «كان» السينمائي، مكانة بارزة في الوعي الفردي للراغب في حضور الدورات الخاصّة بالمهرجان الأعرق والأهمّ في العالم. فهي جزء من السياسة الترويجية والاحتفالية للمهرجان، إذ يسير عليها نجومٌ ألهبوا المخيّلة الفردية والجماعية معاً، وباتت محطّة لا بُدّ منها لاستكمال المشهد الاستعراضي المليء بالأضواء والأزياء الباهظة الثمن، والعطور التي تبثّ روائحها الذكية هنا وهنـاك، والمجوهرات التي تتلألأ أمام العدسات الفوتوغرافية والتــلفزيونية، والتي تكاد تعمي العيون لــشدّة لمعانها. وإذا تجاهل نقّاد كثيرون تلك اللحظات المثيرة التي تصنع، عند السابعة من مساء كل يوم من أيام المهرجان، وجهاً برّاقاً للسينما؛ فإن الغالبية الساحقة من المصوّرين الصحالعارضة كيري واشنطن ونموذج عن السباق لالتقاط الصورة الأجمل على البساط الأحمرافيين والإعلاميــين تسعى جاهدة إلى الحصول على أفضل الأمكنة الممكنة عـلى جانبي هذه السجّادة السحرية، لالتقاط أجمل الصُوَر واللقطات، وأغلاها ثمناً. في حين أن النقّاد المعنيين بمشاهدة الأفلام مكترثون، أكثر، بصناعة الأفلام ومضامينها الدرامية وأساليبها الجمالية، ومهتمّون، غالباً، بإجراء حوارات مع صانعيها، على الرغم من أن الوقت المخصّص لكل واحد منهم يتراوح، عموماً، بين خمس عشرة دقيقة ونصف ساعة، بحسب مزاجية الملحق الصحافي ورغبات السينمائي والموقع الإعلامي للمؤسّسة الصحافية.
وللملحق الصحافي هذا دورٌ أساسي في التواصل بين الإعلامي والسينمائي. فهو من يُقرّر الموعـد والمدّة، وهو من يمنــح الموافقة لهذه المؤسّسة أو تلك، ومن يُبعد الناقــد والإعلـامي كلّياً عن السينمائي ومحيطه. يعمل، عادة، لسينمائيين عديدين، ويجهد لتأمين مواعيد لهم مع أسماء نقــدية وإعلامية بارزة ومؤثّرة في المشهدين النقـدي والصحافي، وغالبـاً ما ترتبط الموافقة بمكانة الـناقد والصحافي، ومؤسّسته.
لا يكترث بالعالم العربي إلاّ نادراً، لأن السينما العربية شبه غائبة عن خارطة الصناعة الفنية العالمية، ما يدفع بالناقد العربي المهتمّ إلى أن يسعى، قبل مجيئه إلى «كان»، إلى تحديد مواعيد مع أسماء يختارها، ويتواصل مع الملحق الصحافي عن طــريق الموزّع المحــلي. في حــين أن نقّاداً كباراً لا يأبهون بهذه المـسألة، لأنهم قادرون على إجراء حوارات معمّقة وطويلة خارج إطار المهرجان، مســتندين إلى تـاريخهم الفردي ومؤسّساتهم النقدية/ الصحافية الفاعلة في مجتمعاتهم، والمؤثّرة في العالم، ولديها مصــداقية كبيرة في التعاطي مع الشأن السينمـائي. أما المصـوّرون الصحافيون والإعلاميون ومعدّو البرامج السـينمائية في المحطّات التلفزيونية فيطمحون إلى صُوَر ولقطات وحوارات سريعة، غالباً ما تبقى خارج إطار السجال النقدي، لأن برامجهم معنية بأمور كثيرة تحيط بالفن السابع ولا تدخل إلى كنهه. لذا، تراهم يحثّون الخطى وراء نجم أو نجمة، لصورة أو دردشة سريعة تفيد تقاريرهم اليومية أو حلقاتهم المقبلة، بينما يهيم بعض العرب منهم وراء أي فنان عربي مُشارك في المسابقة الرسمية أو في البرامج الأخرى، لأن الوصول إليه أسهل.
إذا حصل المصوّرون الصحافيون/ الإعلاميون على «أرقام» خاصّة بهم على جانبي السجّادة الحمراء، فإن النقّاد والصحافيين يتوزّعون على «ألوان» تحدّد مكـانتهم في المهرجان السنوي. وعلى الرغم من أن هذه المسألة قد تبدو عصبوية لوهلة أولى، لأنها تميّز النقّاد والصــحافيين بألوان البطاقات الممنوحة لهم؛ إلاّ أن الألوان نفسها تــنظّم حـضور ما لا يقلّ عن أربعة آلاف ناقد وصحافي سينمائي يتابعـون يوميات المهرجان، لأنها تعكس انتباه إدارة المهرجان إلى العلاقات القائمة بينها وبينهم. فمن اعتاد حضور دورات سنوية منذ أعوام طويلة، يحصل على بطاقة بيضاء تتيح له الدخول قبل الجميع إلى الـصالة. ثم تتدرّج الألوان والبـطاقات: الزهريّ اللون مع دائرة، الزهريّ من دون دائرة، الأزرق والأصفر، والأخيران «قد» لا يستطيع حاملهما أن يُشاهد الفيلم في عرضه الصحـافي، لامتلاء الصالـة، فيبـحث عن موعد لاحق لمُشاهدة الفيلم الذي يريد. هناك امتيازات أخرى: يحصل بعض النقّاد والصحافيين المثابرين على الحضور سنوياً منذ أعوام بعيدة على «حقّ» الاستـضافة لأيام قليلة على نفقة المهرجان، ما يعني أن إدارة المهرجان منتــبهة، بدقّة، إلى علاقة هؤلاء جميعـهم بها، ومتابِعَة لأشغـالهم. ومع أنها لا تستضيف أحداً آخر، ولا تؤمّن لأحد أي شيء باستثناء بطاقة الدخول إلى العروض الصحافية، وبطاقات دعوة (أحياناً) لحضور أفلام لم يُشاهدها في موعدها الصحافي؛ إلاّ أنها قد ترفض منح بطاقة الدخول إلى من جاء «كان» لعامين متتاليين (مثلاً) من دون تغطية صحافـية. ثم إن المكتب الإعلامي التابع لإدارة المهرجان، الذي يكتفي بمنح النقّاد والإعلاميين بطاقة دخول، يجهّز لهم صناديق بريدية يحصلون، عبرها، على منشورات ومطبوعات وملفات صحافية وأخبار ومعلومات خاصّة بالأفلام والنشاطات المرافــقة، يومياً؛ ويُرسِل عناوينهم البريدية الإلكترونية إلى مؤسّسات إنتاجية وشركات إعلامية ترويجية، كي تتواصل، مباشرة، معهم؛ ويؤمّن لهم أجهزة كمبيوتر موصولة بشبكة «إنترنت» في غرفة خاصّة، ويوفّر «إنترنت» لاسلكياً لأجهزة الكمبيوتر المحمول الخاصّة بهم في غرفة أخرى؛ ويُنظّم مشاركاتهم في مؤتمرات صحافية يعقدها سينمائيو الأفلام المُشاركة في المسابقة الرسمية.
نظـام متكامــل ودقيق، لا يرتـكب أخــطاء (إلاّ نادراً جداً)، ولا يتشنّج في التعامل مع أربــعة آلاف ناقد وإعلامي يُعبّرون عـن آرائهــم المخــتلفة بحرية مطلــقة، ولا يتـعرّضون لأحكــام ظالمة من إدارة مـهرجان، يسـعى إلى الإبداع والجمال والنقاش النقدي الجدّي، بعيداً عن أي عصبية أو انغلاق.

نديم جرجورة

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...