الكنيسة القبطية: المرشحون الخمسة للكرسي البابوي

29-10-2012

الكنيسة القبطية: المرشحون الخمسة للكرسي البابوي

منذ أن أعلن الأنبا باخوميوس، قائم مقام بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقصية، أسماء المرشحين الخمسة النهائيين، الذين سيجري انتخاب ثلاثة من بينهم لدخول القرعة الهيكلية، بعد تصفية 17 مرشحاً قبلتهم لجنة الترشيحات، بات الجميع في انتظار الساعة التاسعة من صباح اليوم، ليبدأ 2411 ناخباً، ممن يحق لهم انتخاب البابا، بالتوجه إلى الكاتدرائية المرقصية بالعباسية في القاهرة، للإدلاء بأصواتهم عبر اختيار مرشح أو 2 أو 3 من بين الخمسة، عن طريق شطب المرشحين الذين يرفضونهم من بطاقة الاقتراع، وذلك قبل غلق باب التصويت في الخامسة عصر اليوم نفسه.المرشحون الخمسة في كنيسة كلود بك القبطية في القاهرة الأسبوع الماضي (محمد عبد الغني ــ رويترز)

ويخوض الانتخابات 3 من الرهبان هم: القمص رافائيل أفا مينا، والقمص باخوميوس السرياني، والقمص سارافيم السيراني، إضافة الى أسقفين عموميين هما: الأنبا رافائيل، والأنبا تاوضروس، وذلك بعد استبعاد خمسة أساقفة و7 رهبان من قبل لجنة تلقّي الطعون، كان أبرزهم رجل الكنيسة الحديدي الأنبا بيشوي، إضافة إلى الأنبا يؤانس والأنبا بطرس، وهما من سكرتارية البابا شنودة الراحل المباشرين.

الأنبا رافائيل

يعدّ أبرز المرشحين على المقعد، نظراً إلى ما يتمتع به من قوة شخصية وشهرة إعلامية. وهو معروف باتزانه وابتعاده عن القضايا المثيرة للجدل، فضلاً عن امتلاكه لميزتين رئيسيتين، الأولى تتعلق بعلاقته بالشباب بحكم قربه من الأنبا موسى، أسقف الشباب، والثانية تتعلق بوجوده في القاهرة كأسقف عام لكنائس وسط القاهرة، وتعامله الدائم مع الشباب واطلاعه على مجريات الأحداث في مصر عن قرب. وكثيراً ما كان ينوب عن البابا شنودة الثالث في إقامة قداديس الأعياد الرئيسية في الإسكندرية.
ويعدّ عمر الأنبا رافائيل، الذي تخرج في كلية الطب في عام 1981 قبل أن يترهبن بدءاً من عام 1990، من الأعمار المتوسطة للترشح، إذ يبلغ 54 عاماً، وهو حاصل على بكالوريوس من الكلية الإكليريكية عام 1984.
وتقترب آراء رافائيل من المشاكل الحياتية اليومية للمواطنين؛ فهو يرى أن الكنيسة تحديثية ومجمعية، لأن عصر الرجل الواحد قد انتهى، وهو دائماً ما يتحدث عن مشاكل البطالة وأهمية تنمية الصعيد، وعن خطورة هجوم أصحاب العقائد بعضها على بعض بما يصبّ في مصلحة الإلحاد.
وفي الوقت نفسه، فإن آراء رافائيل لا تخاصم الكلاسيكية، فهو يرفض مبدأ الطلاق لأي علّة كانت غير علة الزنا، ولا يؤيد لائحة 38، التي كانت تضع 10 أسباب يمكن بموجبها الطلاق، فضلاً عن تبنّيه فكرة حق الكنيسة في التدخل لرفع الظلم عن المسيحيين، إلا أنّ هذا كلّه يظهر في صورة تلميحات داخل التصريحات المعلنة.
ولعلّ اقتراب رافائيل الشديد من الوصول إلى القرعة الهيكلية، جعله من متبنّي الرأي الذي يقول إنّه لا داعي لهذه القرعة، إذا حصل أعلى المرشحين على أغلبية الأصوات المطلقة ممن يحق لهم حق الانتخاب، إلا أن رؤية رافائيل لم تجد الصدى الكافي لتطبيقها.

الأنبا تاوضروس

المرشح الثاني هو الأنبا تاوضروس. هو أسقف عام البحيرة، ويعدّ شخصية ذات مواهب اجتماعية، بمعنى التهدئة وحبّ التقارب والهدوء. لم يكن معروفاً إعلامياً، إذ إنّه لم يكن أحد أصحاب المواقف، سواء السلبية أو الإيجابية داخل الكنيسة أو خارجها، وتظهر اجتماعيته في تصريحاته عن العيش المشترك مع المسلمين، وأهمية الاندماج في المجتمع، وحثّ الشباب على الابتعاد عن العزلة. ولعل ما يساعد تاوضروس ابن الـ60 عاماً، هو ما اكتسبه من خلال دراسته الهندسة الصيدلية في سنغافورة، عقب تخرّجه في كلية الصيدلة عام 1975، ثم ترهبنه عام 1988، وحصوله على بكالوريوس الكلية الإكليريكية عام 1983، وزمالة الصحة العالمية من بريطانيا عام 1985. يؤيده الكثير من الأساقفة، خصوصاً أقباط المهجر.
ومن المثير للغرابة أن من بين من زكّوه لهذا المنصب هو الأنبا رافائيل، الذي يصفه دائماً بصديقي وأخي، وهو ممن خالطوا الحياة المدنية لوجوده في مدينة ذات كثافة سكانية عالية، وتنقله بين عدد من المحافظات، قبل رهبنته وعمله مديراً لإحدى شركات الأدوية. هذا إضافة الى قربه من القائم مقام الأنبا باخوميوس، أكبر أساقفة الكنيسة سنّاً وأكثرهم حكمة. وتعتبر حظوظ تاوضروس عالية نسبياً، وله رؤية إيجابية لتطوير الشباب وتحديثه.

القمص رافائيل أفا مينا

أكبر المرشحين سناً، يبلغ السبعين من العمر. هو الوحيد من ضمن المرشحين الذي تخرج في إحدى كليات العلوم الإنسانية، وهي كلية الحقوق، وذلك في عام 1964، قبل أن يدخل الرهبنة عام 1969 في دير مار مينا العجايبي بمريوط. يعدّ من أبرز المرشحين للدخول إلى القرعة الهيكلية نظراً إلى كونه تلميذاً مباشراً للبطريرك الأسبق البابا كيرلس السادس، لمدّة خمس سنوات متصلة، فضلاً عن قربه من العديد من الأساقفة الذين خرجوا من الدير نفسه الذي ترهبن فيه، وهم من زكّوه لهذا الترشح.
ويُطلق على القمص رافائيل «المحبوب» أو «البركة»، نظراً إلى كبر سنه وحسن تعامله وقربه من البابا كيرلس الذي يعدّ من أكثر الباباوات المحبوبين في تاريخ الكنيسة. ومن أبرز ما صرّح به هو رغبته في التقارب مع مؤسسة الأزهر، والطوائف الأخرى. لكن تصريحاته تتمحور كلها حول أفكار سامية ولا تتطرق الى أمور واقعية؛ فالفتنة الطائفية من وجهة نظره تُحلّ عبر السلام والصلاة والحب، ويرى أن يد الله هي التي ستختار البابا القادم، لذلك لا يشغل باله بمن يستحق المنصب أو لا يستحقه، خصوصاً أنّه ترشح بتشجيع من الكثير من الأساقفة المتخرّجين في الدير، ومن تلاميذ للأنبا كيرلس.
ومن بين الروايات التي تضعه في مصاف المرشحين الأقوياء أنّ البابا شنودة نسي في إحدى المرّات عصاه التي يأخذها معه يوم رسامة القساوسة، داخل الهيكل، وكانت هذه آخر زيارة له، فعرض عليه مرافقوه أن يعود ليأخذها، فقال البابا ربما في زيارة مقبلة، وهو ما أوحى لكثيرين أن هذه إشارة من السماء إلى أن البطريرك القادم سيكون من هذا الدير.

القمص سارافيم السرياني

يعدّ القمص سارافيم السرياني (53 عاماً) رابع المرشحين. حاصل على بكالوريوس علوم، قبل أن يعمل باحثاً طبياً في وحدة الأبحاث الطبية الأميركية «نمرو»، وترهبن عام 1993، وخدم في سكرتارية البابا شنودة في الولايات المتحدة لمدة 3 سنوات، وفي بريطانيا للمدة نفسها، إضافة الى خدمته في كندا وخدمته الآن بلوس أنجلس في الولايات المتحدة. هو غير معروف إعلامياً. ويعتبر ممن يرون أن لائحة انتخاب البابا المعروفة بلائحة 57 لا تحتاج إلى تغيير سريع، بل إلى توافق بين الهيئات المسيحية الأرثوذكسية المختلفة وكذلك الى متخصصين، وهو يجيد كتابة الشعر والزجل والموسيقى.
لا يختلف القمص سارافيم عن غيره من الرهبان بالحديث عن أن لغة الحوار هي القادرة على حل أي مشاكل مع الآخر، من دون التطرق إلى أي أساليب واقعية. ويرى أن احترام الكنيسة والمسجد والعقيدة والوطن يمثل الانتماء الرئيسي الذي يجب أن ينتمي إليه الشباب.

القمص باخوميوس السرياني

أصغر المرشحين سناً (49 عاماً)، وتعدّ هذه إحدى نقاط ضعفه. حاصل على بكالوريوس علوم وتربية. عمل مدرساً للرياضيات قبل رهبنته عام 1991. كان أمين دير السريان قبل سفره إلى الخدمة في إيطاليا، وأغلب من قاموا بتزكيته كانوا من أساقفة المهجر. يؤمن بنقل التجارب من الخارج ومن الفاتيكان الكاثوليكي الى مصر، ويراه المتحدث الرسمي باسم الكنيسة، الأنبا بولا، أنّه «رجل طيب».
وهو معروف بنظرته الروحية والكلاسيكية، إذ يؤمن بأن الصلاة هي القادرة على صنع المعجزات، في كل أمور الكنيسة والحياة. ويرى أن فكرة الاندماج بين الشباب المسلمين والمسيحيين من أجل الوطن هي السبيل لعيش مشترك أفضل.

الصراع الخفي بين الراهب والأسقف
على الرغم من وصول انتخابات بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية إلى المرحلة ما قبل الأخيرة، إلا أنّه في خلفية الانتخابات يدور صراع مكتوم بين أنصار فكرة البطريرك الراهب، والبطريرك الأسقف

في تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية المصرية، لم يكن هناك سوى ثلاثة بطاركة أساقفة من أصل 117 بطركاً، أبرزهم البابا شنودة الثالث، والباقي كانوا رهباناً. ونالت لائحة الـ57، التي تنظم انتخابات البطريرك، الكثير من النقد، الى حدّ طرح فكرة جدّية تقضي بكتابة المرشحين الثلاثة، الذين سيصلون الى القرعة الهيكلية، تعهداً بتغيير هذه اللائحة فور وصول أحدهم الى الكرسي البابوي، وخصوصاً أن البابا شنودة الثالث لم يغيرها قبل وفاته، خشية أن يساء فهمه بأنه يريد توجيهها إلى أشخاص بعينهم، لكنّ الشق المتعلق بأحقية ترشح الأساقفة سواءٌ كانوا عموميين أو أساقفة أبرشيات بجانب الرهبان لهذا المنصب، كان له القسط الأكبر من الجدل داخل المؤسسة البابوية.

الخلاف حول هذه الفكرة يعود إلى أمرين مهمين. الأمر الأول يتعلق بالإجابة عن السؤال التالي، إلى ماذا تحتاج الكنيسة من راعيها الأول، هل تحتاج إلى شخص متمرس في العمل العام وملمّ بأمور الحياة اليومية المدنية، كالأساقفة العموميين الذين يتعاملون يومياً مع هذه الشؤون، والمقربين من الأحداث والصراعات اليومية في المجتمع، أم تريد الكنيسة شخصاً رعوياً في المقام الأول، تتركز أفعاله في أمور إدارية ورعوية، بعيداً عن الشأن السياسي.
أما الأمر الثاني، فهو أنّ الكثيرين يرون أنّ فكرة ترشيح الأساقفة ضدّ قوانين الكنيسة، وخصوصاً أساقفة الأبرشيات؛ ففي العرف الكنسي للكنيسة المصرية، يكون أسقف الأبرشية بمثابة زوج لهذه الأبرشية ومسؤولاً عن كل شيء فيها، وحال قدومه إلى منصب البطريرك، يظل منصبه في الأبرشية شاغراً حتى وفاته، فضلاً عن أن المسيحية لا يوجد فيها زيجة ثانية؛ فرمزياً لا يجوز له تولي أمر الكنيسة، وخصوصاً أنّ البطريرك يكون بالتبعية هو أسقف الإسكندرية، التي يكون لها وكيل للبابا، ويتمتع بحق عضوية مجمع المطارنة والأساقفة، لأن البطريرك هو أسقفها.
وينصبّ وجه الاعتراض على الأسقف العام، لأنّ قوانين الكنيسة تمنع وضع اليد للدرجة الكهنوتية الواحدة مرّتين، أي لا يجوز وضع اليد على الأسقف لرسامته بطريركاً؛ وفقاً لعزت أندراوس، المؤرخ القبطي، فإن رسامة مطران أو أسقف لأي إبرشية بطريركاً أي أسقفاً لمدينة الإسكندرية، هو تكرار لبدعة ميليتوس في أوائل القرن الرابع، التي شجبها مجمع نقية المسكوني الأول؛ فجميع الباباوات السابقين على مدى 1734 عاماً كانوا يستعينون بالرهبان كمساعدين لهم، دون ترقيتهم إلى رتبة الأسقفية، وقد ظل 107 بطاركة يسيرون على هذا النظام، الى أن قام البابا مرقص الثامن، البطريرك الرقم 108، برسامة مساعده الراهب أسقفا.
وقد انقسمت الآراء بشأن تعديل اللائحة أو المطالبة باستبعاد الأساقفة عموماً أو أساقفة الأبرشيات خصوصاً، وقد استقر الأمر من قبل اللجنة المشرفة على الانتخابات على اتخاذ موقف يمثل مواءمة بين الآراء المتعارضة، وإن لم تكن قد صرحت به، وهو عدم تعديل اللائحة مع استبعاد أساقفة الأبرشيات بدعوى طعون عليهم واستبعاد رهبان أيضاً، من دون الإعلان عن أسباب الاستبعاد.
لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد؛ فهناك إصرار من حركات وشباب كثر، بينهم حركة العلمانيين الأقباط، وشباب الإسكندرية ومجمع كهنة الإسكندرية، على عدم انتخاب الأساقفة، وقد مارسوا لأجل ذلك الضغوط، إضافة الى التأثير في الناخبين. ووصل الأمر إلى حدّ قيام عدد من الشباب برفع لافتات، أثناء وجود القائم مقام في أيلول الماضي، ووجود الخمسة المرشحين في 19 تشرين الأول الماضي، في الكاتدرائية المرقصية بالإسكندرية، تطالب بمنع ترشح الأساقفة، سواء كانوا عموميين أو أساقفة أبرشيات للكرسي البابوي، وكتبوا عليها «الشعب يريد بابا من الرهبان» و«لا لترشح الأساقفة».
وقال الناشط القبطي، مينا جرجس، «نطلب من الناخبين، عدم اختيار الأساقفة، لان وجودهم مخالف لقوانين الكنيسة»، لافتاً الى أن الكنيسة تحتاج إلى «راعٍ يهتم بشعبها روحياً»، لكن سكرتير المجلس الملي للكنيسة الأرثوذكسية بالإسكندرية، الدكتور كميل صديق، أحد الناخبين في انتخابات البابا، رأى أنه «كان هناك بالفعل إجماع على استبعاد أساقفة الأبرشيات، لكن لا مشكلة في ترشح أسقف عام لهذا المقعد؛ فالأسقف العام هو راهب تولى مسؤولية أسقف»، معطياً مثلاً على ذلك البابا شنودة الثالث، الذي كان أسقف التعليم وقت اختياره، ذاكراً أن «منصب الأسقف العام استحدثه البابا كيرلس السادس، ولم يكن في العصور الماضية». ويوضح أنّه يفضل أن يكون البابا أسقفاً حتى يكون متمرساً في العمل العام، وله خبرة في الواقع العملي، بما يتناسب مع طبيعة المرحلة الحالية.
بدوره، يقول كمال زاخر، منسق التيار العلماني، إنّ للتيار رؤية محددة في أن يكون هناك حد أدنى من احترام القوانين


عبد الرحمن يوسف

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...