الرقص مازال مقيداً في سورية

28-04-2007

الرقص مازال مقيداً في سورية

فوجئ باسمه يتصدّر قراراً صادراً عن الإدارة، ينذره ولا يذكر الأسباب، إلا في جملة واحدة مفادها أن علاء كريميت، الطالب في قسم الرقص التعبيري، خالف الأنظمة الإدارية للمعهد العالي للفنون المسرحية.

بدأت المشكلة عندما كان كريميث يستعد مع مجموعة من زملائه لتقديم لوحات راقصة في احتفالية يوم الرقص العالمي. وقتها حضرت الدكتورة نجاة قصاب حسن «البروفات» لتعطي ملاحظاتها. وبحسب بعض الراقصين، انتقدت ما ترتديه الراقصات، وطلبت «أن يكنّ أكثر احتشاماً. أدهشت الملاحظة، التي لم توجه يوماً لراقص، الجميع، إلا أنهم فعلوا ما أرادت. لماذا الإنذار المسجّل إذا بحق مصمم الرقصات؟ يوضح المعنيون أن المديرة لم تعجبها نوعية الملابس لأنها شفافة ولا تراعي الحشمة.

هذه الملاحظة والإنذار دفعا الدكتور عبد القادر الملا، رئيس قسم الرقص التعبيري في المعهد إلى الاستقالة . يقول الملاّ « أن هذا النوع من الملاحظات يجافي جوهر الفن الذي لا يمكن مطالبته بمراعاة الحشمة» ويضيف «لا يوجد إلا مسرح وقاعة للتدريب، يتنازع عليهما طلاب قسم التمثيل والرقص، إضافة إلى طلاب معهد الموسيقى ومدرسة الباليه». ويوضح الملاّ أن الظروف الصعبة امتدت لتطال منهج الدراسة والخبراء المشرفين عليه، فطلاب الرقص كانوا محرومين من تعلّم مواد لا يمكن الاستغناء عنها في أي معهد أكاديمي.

يبدو حال فرقة «إنانا» للرقص، أفضل بكثير من مثيلاتها،على رغم اعتمادها على موارد إنتاجية خاصة، على عكس قسم الرقص المدعوم من الدولة مباشرة. تجري الفرقة بروفاتها في دار الأوبرا استعداداً لعرض قادم. أكثر من مئة راقص وراقصة على المسرح. يشرف مدير الفرقة، جهاد مفلح، على البروفة ولا يتوانى عن توجيه ملاحظة لاذعة لراقص أمام الجميع. أصبحت الفرقة علامة بارزة في خارطة الفن السوري، وأنتدبت كسفيرة تقدم صورة عن ثقافة البلد.

كثرت مشاركاتها الخارجية، وغدت ما يشبه الوكيل الحصري لحفلات افتتاح المهرجانات الثقافية. في مقابل ذلك تلقت انتقادات عديدة، كان محورها أن الفرقة تلقى دعماً مركّزاً من الجهات الرسمية، والإعلام المحلي، في شكل يطغى على نشاط الفرق الأخرى. إضافة إلى ذلك أُخذ عليها التعامل باستسهال مع مضامين العروض التي تقدمها، لا سيما طرحها للتاريخ ووقائعه. لا يبدو جهاد مفلح معنياً بتلك الانتقادات. حالة النجاح التي حققتها فرقته تجعله مسترخياً في الحديث، إلى حد عدم الاعتراف بأي تجربة موازية له. يقول مفلح أن «إنانا» هي «المؤسسة الوحيدة التي لديها مشروع متكامل»، وترعاه من خلال مؤسسة سِمتها النِظام. تضم الفرقة ثلاثة أجيال من الراقصين، بعضهم يرقص فيها منذ 13 سنة، وهي تضمن مستقبل راقصيها عبر قانون يحميهم، وأجور تفوق أجور مدراء الفرق الأخرى. ويعتبر مديرها أن الخط الذي انتهجته الفرقة أثبت نجاحه وصموده مع الزمن، اذ تقدم عروضاً تاريخية وتراثية. ويعطي مفلح مفهوماً آخر للرقص المعاصر، ويؤكد أن فرقته تستفيد من تكنيك هذه المدرسة لتقدّم التراثي والتاريخي، موضحاً أن نسخ تجربة الغرب لن يفيد.

لا يبالغ من يقول أن فرق الرقص صارت «موضة» في الحالة الثقافية السورية، ويمكن ملاحظة ازديادها في السنوات الأخيرة. هناك فرق نسخت تجربة فرقة « إنانا» ، من دون أن تقدم أي جديد. وفرق أخرى راحت تعمل في إطار مدرسة الرقص المعاصر (المودرن) وتقدم عروضاً عديدة في إطارها.

كان للراقص ربيع رزق تجربة مع الرقص العاصر. وهو من بين راقصين لم يفهموا ما يريد إيصاله مصمم الرقص. كانوا يؤدون الجمل الحركية، المطلوبة من دون أن يعرفوا ما يراد قوله من خلالها. وكان يحبطهم أن يطالعهم الجمهور بأسئلة «ما المقصود من تلك الحركة، أو من ذلك التفصيل أو الإكسسوار».

ويوضح الدكتور عبد القادر الملاّ (دكتوراه في التعبير الجسدي في المسرح) أن ما يحدث مع انتشار فرق الرقص الآن «يشبه موضة الإقبال على الموسيقى الكلاسيكية في السبعينـــات»، كما يعتبر أن «المضامين التي تطرحها عروض الرقص يفهمها فقط القائمون على تلك الفرق، من دون أن يستطيعوا إيصالهــا الى الجمهور، الذي بدوره يدّعـــي أنــــه فهم تـــلك المضامين كي لا يشعـــر بالاغتراب عما يتابعه». فيمــا يرى جهــاد مفلح أن ما تقدمه فرق رقص «المودرن» المحلية « يساوي صفراً مقارنة بما يقدمه الغرب».

وفي مقابل الحالة الاحترافية لراقصي «إنانا»، وتفرغهم، لا يجد بقية الراقصين، أمثال ربيع، مجالاً للاحتراف، لذلك يقدمون أعمالاً لا تتعلق بهواجسهم الفنية. ومثلهم خريجو قسم الرقص التعبيري، إذ يعتبر مدير قسمهم، المستقيل، أنهم صاروا «مشردين» بعد التخرّج، فحتى الفرقة الخاصة بالمعهد ليست موجودة إلا على الورق كما أنه لا يستطيع أن يعدهم بالكثير في ظل موجة الدعوة إلى الاحتشام الطارئة مؤخراً على ركام مشاكلهم المستديـمـــة. سيكون جيداً التطلع إلى مستقبل الرقص في سورية انطلاقاً من واقع كهذا. واقع يصر المعنيون فيه على نسخ التجارب الناجحة مشوهة وآخرون ينتقدون نجاحها في كل مناسبة سانحة مصرّين أنها «فرقة فنون شعبية» كونها تجذب جمهوراً عريضاً، فيما يهم المعنيين في قسم الرقص «الأكاديمي» التأكيد على ضرورة ممارسة الرقص المحتشم.

وسيم إبراهيم

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...