الجانحات والجانحون من وإلى معاهد الإصلاح بـ «خفي حنين»

22-08-2011

الجانحات والجانحون من وإلى معاهد الإصلاح بـ «خفي حنين»

لا تكاد تمر بضعة أشهر على خروجها من معهد التربية الاجتماعية للفتيات (معهد إصلاح الأحداث) حتى تعاود النزول فيه مرةً أخرى، لتحقق هي وأخريات من نزلاء المعهد أرقاماً قياسية في عدد مرات التوقيف، والتي وصل بعضها إلى 14 مرة متتالية.

وكذلك حال معهد خالد بن الوليد للفتيان، الذي لا ينفك يخرج نزلاؤه من الأحداث الجانحين حتى يعاود استقبالهم مرةً أخرى، وبين هذا المعهد وذاك مشهدٌ يدفعنا للتساؤل عن عجز تلك المعاهد نحو تحقيق هدفها الأساسي وهو إصلاح هؤلاء الجانحين وإعادة تأهيلهم ليندمجوا مع مجتمعهم من جديد. ‏

هذه المشكلة وما يتخللها من تعقيدات لا يمكن للمعاهد الإصلاحية تحمل وطأتها والعمل وحدهم لحلها، فتلك الأطراف المرتبطة بالمشكلة من أسرة وأصدقاء وإدارة المعهد يلعب كل منها دوره للخروج بهذه الصورة كما هي الآن، فما فائدة دور المعهد في إصلاح وتأهيل الحدث ومن ثم خروجه إلى وسط مشبوه سيدفعه مرة أخرى نحو الجنوح؟ وكيف يمكن للمعهد التنسيق مع أسرة الحدث نحو إصلاحه والأخير يرفض تماماً فكرة التدخل في شؤونه الأسرية؟ ‏

إدارة تلك المعاهد تتحدث مع النزيل (شاب أو فتاة) قبل خروجه من المعهد فتقول: «لا نريد رؤيتكِ هنا مرة أخرى، انتبهي لنفسك ولمستقبلك» لتجيب النزيلة قبل خروجها: «لا أعدكم بذلك... فعمري الآن 17 عاماً... تبقت سنة واحدة وأتم 18 عاماً، وبذلك أتقاعد من عملي وأجلس في المنزل، ليحين دور أخواتي الصغار». ‏

ما بعد الإصلاح؟ ‏
من خلال القرار رقم (1077) الصادر عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بتاريخ 30/12/1976 اعتمد النظام الداخلي لجميع معاهد إصلاح الأحداث، والذي حدد في أحكامه العامة غاية تلك المعاهد ودورها في إبعاد الأحداث الجانحين عن السجون العامة وإصلاحهم وتزويدهم بما يحتاجون في الحياة من دراسة ابتدائية ومهنية وتربية فكرية وأخلاقية وبدنية، وتنمية شعورهم القومي ليصبحوا مواطنين صالحين، هذا ما نص عليه النظام الداخلي لتلك المعاهد في إقرار هدفها، ولكن ومع تطبيق كل ما سبق من تربية واهتمام بالحدث في هذه المعاهد، ما مصير هؤلاء النزلاء بعد خروجهم من المعهد والجميع يعرف تماماً أن وسط الجنوح سيكون باستقباله خارجاً وغيابه عن المعهد لن تمضي عليه فترة طويلة؟ ‏

هنا يأتي دور ما يسمى بالرعاية اللاحقة للأحداث بعد خروجهم من معاهد الإصلاح، هذه الرعاية الغائبة لعدة أسباب وضحتها مديرة معهد التربية الاجتماعية للفتيات السيدة دينا شباط فقالت: للرعاية اللاحقة دور مهم جداً في القضاء على أسباب الجنوح عند الحدث، ولكن هذه المهمة صعبة جداً عندما تكون الأسرة نفسها هي سبب الجنوح، وبالتالي سيعود الحدث للمعهد بعد فترة قصيرة من خروجه. ‏

وتتابع شباط: معظم الأهالي غير متعاونين لاسيما عندما يكونون سبب المشكلة، وبالتالي نجد صعوبة بالتواصل مع الحدث بعد خروجه لمتابعته والاطمئنان عليه، لأن الأهل يحجبونه عنا تماماً ويرفضون أن نتواصل معه لأي سبب كان، ونحن لا نملك الصلاحيات لإجبارهم على ذلك. ‏

14 مرة متتالية! ‏
عند سؤالنا موظفي معاهد الإصلاح عن أكثر الأسباب شيوعاً في جنوح الأحداث تبين أن التفكك الأسري هو أهم هذه الأسباب، وكانت المفاجأة عند معرفتنا أن الفقر هو أقل الأسباب وأندرها في جنوح الأحداث، ولكن كيف ونحن نعرف تماماً أن معظم النزلاء متهمون بالسرقة والدعارة لتجيبنا مديرة المعهد السيدة شباط: السرقة والدعارة طريق سهل للحصول على المال وهذا ما يدفع الأهالي بزج أبنائهم في هذا الطريق دون تحمل عناء البحث عن عمل شريف وقانوني، والعائد المادي من هذه الطرق غير القانونية يدفع أهالي الأحداث إلى العيش بطريقة معينة تمنعهم فيما بعد بالتفكير بعمل قانوني يؤمن لهم حياة شريفة ولو بعائد قليل، لذلك السبب هنا ليس الفقر وإنما البحث عن طريق قصير وسهل للحصول على أكبر عائد من المال، بدليل توفر العمل لبعض الأحداث بعد خروجهم من المعهد، ولكنهم لا يستمرون فيه تحت ضغط الوسط المسبب للجنوح أصلاً سواء كانوا من الأسرة أو الأصدقاء. ‏

وعن عدد مرات عودة الحدثّ إلى المعهد بعد خروجه أجابت السيدة شباط: قد تصل عدد مرات التوقيف إلى 9 مرات أو أكثر، وهناك إحدى الفتيات التي وصلت عدد مرات توقيفها إلى 14 مرة، فأسر هؤلاء الأحداث وكل من يدفعهم للجنوح يستمرون بدفع الحدث للسرقة والدعارة حتى عمر 18 سنة، فماداموا دون هذا السن فمدة توقيفهم لن تتجاوز الستة أشهر. ‏

الغرامة من 100 – 1000 ل.س! ‏
تتراوح أعمار النزلاء في معهد خالد بن الوليد للفتيان بين عمر 16 – 18 عاماً أما معهد التربية الاجتماعية للفتيات فبين 12 – 18 عاماً، إلا أن معظم الموجودات في المعهد الأخير هن من الفئة العمرية بين 15 – 18 عاماً، وخلال زيارتنا مع الدكتور رضوان الحبيب وزير الشؤون الاجتماعية والعمل لهذه المعاهد استطعنا التواصل مع بعض النزلاء والتعرف على سبب وجودهم في هذا المكان ومنهم طفلة في معهد التربية الاجتماعية للفتيات عمرها 10 سنوات متهمة بالسرقة إذ قامت بوضع المنوم لأهل المنزل الذي تعمل فيه ومن ثم سرقتهم أما الشخص الذي دفعها وخطط لها فهو والدها، وتمت معاقبة الوالد على دفعه ابنته نحو السرقة. ‏

أحد النزلاء في معهد خالد بن الوليد وعمره لا يتجاوز 16 عاماً تحدث عن تهمته بسرقة هاتف محمول، أما الدافع لهذه السرقة حسب ذكره هو الحصول على المال من أجل إعالة أسرته، وهناك من النزلاء من اتهم بسرقة دجاجة وآخر شروع بالقتل، ولكن معظم تهم هؤلاء الأحداث كانت السرقة والأسرة هي المخطط والدافع الأول لها. ‏

المفاجأة المحزنة هنا هو معرفتنا بأن غرامة الأهل بأي جرم يرتكبه الحدث في حال كانوا السبب تتراوح من 100 إلى 1000 ل.س، وقد تصل للحبس عند التكرار؛ هذه العقوبة «غير المكلفة» بالنسبة للأهل تجعلهم يتجاهلون القانون وعقوباته أمام ما يجنونه من أموال، لاسيما أنهم يعلمون أن مدة توقيف ابنهم لن تتجاوز الثمانية أشهر في تهمة السرقة. ‏

فصل النزلاء ‏
تقوم معاهد الإصلاح حسب أنظمتها الداخلية بفصل النزلاء الأحداث حسب الجرم، وذلك لمنع الاختلاط بين أصحاب الجنح البسيطة وغيرهم من الأحداث المتهمين بجرم كبير هذا حسبما ذكر لنا السيد أحمد سعدو مدير معهد خالد بن الوليد للأحداث، وسبب الفصل هنا هو محاولة الحفاظ على الأحداث ذوي الجنح البسيطة من التأثر بغيرهم من الأحداث وجرهم نحو ما هو أكبر من ذلك، إلا أن هذا الفصل يكون عند المنامة فقط، أما باقي النشاطات اليومية فيقومون بها مجتمعين وذلك بسبب ضعف الإمكانيات المتوفرة لعزلهم عن بعضهم تماماً. ‏

وكذلك أكدت السيدة دينا شباط مديرة معهد التربية الاجتماعية للفتيات على هذا الموضوع، إذ يستقبل المعهد أحياناً فتيات مشردات لسن متهمات بأي جنحة أو جرم، واختلاطهن بالفتيات المتهمات بالسرقة والدعارة قد يدفعهن للحاق بهن لاسيما بعد خروجهن من المعهد. ‏

وتضيف السيدة شباط: هناك من يدفع الأحداث أحياناً لجر غيرهم من النزلاء في المعهد، فيحاولون التواصل فيما بينهم بعد خروجهم من المعهد، لذلك نقوم نحن إدارة المعهد بتفتيش النزيلة قبل خروجها وفي حال وجدنا أي رقم هاتف أو عنواناً معيناً نقوم بتمزيقه على الفور منعاً للتواصل فيما بينهم، ونتحدث مع الأهل لاصطحاب الفتاة، ولكن ماذا نستطيع أن نفعل للنزيلة في حال حفظت الرقم؟ ومن الضروري هنا التنويه إلى أننا لا نجبر الفتاة على مغادرة المعهد عند شعورها بخطر يهددها من أي شخص كان، وفي هذه الحالة نقوم بالإجراءات المطلوبة لحمايتها. ‏

عقود شراكة ‏
الوسط سبب الجنوح الذي يعود له الحدث بعد خروجه من المعهد وهو في الغالب الأسرة، والنزلاء ذوو الجنح البسيطة الذين قد يتأثرون بغيرهم، ويتواصلون معهم بعد خروجهم من المعهد وبالتالي تعقيد المشكلة بدلاً من حلها؛ كل هذا يجعلنا نؤمن تماماً بدور الرعاية اللاحقة وأهميتها، هذه الأهمية التي دفعت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إلى التخطيط والبحث عن السبل لتفعيلها حسبما ذكرت مديرية الخدمات الاجتماعية في الوزارة والتي تعمل الآن على مراجعة واقع الأحداث الجانحين في الوزارة، إذ لوحظ حسب ذكرهم أن هناك نسبة كبيرة من الأحداث يعودون إلى معاهد ومراكز الإصلاح بعد خروجهم ما يعني أن الجهود المبذولة ضمن المؤسسات لم تؤد المهام والأهداف المطلوبة منها، وذلك بسبب غياب الرعاية اللاحقة، وفي هذا الإطار بادرت الوزارة إلى توقيع عقود شراكة مع بعض الجمعيات الأهلية لتفعيل هذا الموضوع وعلى التوازي وفي إطار دعم قضاء الأحداث ستتم دراسة مشروع قانون أحداث جانحين جديد يكرس موضوع الرعاية اللاحقة للأحداث بعد خروجهم من هذه المؤسسات بما يضمن اندماجهم في المجتمع وعدم عودتهم إلى الانحراف. ‏

الحل.. تشديد العقوبة ‏
لدى سؤالنا مديرية الخدمات الاجتماعية عن الخطوات العملية التي قامت بها الوزارة لتكريس دور الرعاية اللاحقة أكدت المديرية أن الوزارة تقوم حالياً بإعداد نظام بيانات عن الأحداث الجانحين بغية توفير المعلومات اللازمة لمراقبة تطور واقع هؤلاء الشبان والفتيات وفي الوقت ذاته توفير بيانات عن أسباب ومناطق الجنوح من أجل وضع برامج وقائية تخفف من الانحراف عند هؤلاء الشباب. ‏

ويتم الآن حسبما ذكرت المديرية تطوير معاهد الأحداث بحيث يكون لديها برامج تأهيل حقيقية من محو أمية وتعليم مهني وكافة ما يحقق اندماج هؤلاء الأحداث في المجتمع بعد خروجهم. ‏

وعن رؤية الوزارة للشكل الذي ستكون عليه الرعاية اللاحقة وضحت مديرية الخدمات أن دور الرعاية لن يكون استضافة بل سيركز على ملاحقة الأسرة ودعمها، ودعم الحدث عند أسرته ليكمل تعليمه، إلا أن الحل الأهم هنا هو تشديد العقوبة على الأهل أو من يدفع الطفل نحو الجنوح بحيث تكون العقوبات قاسية وفعالة. ‏

فراس العلي

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...