أصدقاء أوجين دولاكروا

02-03-2008

أصدقاء أوجين دولاكروا

يثبت معرض دولاكروا في المتحف الباريسي الذي يحمل اسمه أن خصوبة سيرته الإبداعية والحياتية والفكرية لا تستنفذ أصالتها. يكشف المعرض المستمر الى نهاية هذا الشهر صداقاته مع أدباء القرن التاسع عشر عاكساً ازدهار هذه الفترة فنياً. مما يجعل لوحته، تشهد على عصره، وذلك ما بين تاريخ ولادته (1798) ووفاته عام 1863. فإذا كان التيار الذي أسّسه: «الرومانسية» يصالح بين الفن التشكيلي والأدب، فهو ثمرة التيارات المعاصرة سواء القريبة من بدايته مثل «الكلاسيكية المحدثة» أو المتزامنة معه مثل الاستشراق والواقعية والطبيعية، أو التي تتواصل مع مستقبلها مثل الانطباعية التي فتحت بوابة الحداثة على مصراعيها، وهنا يظهر دور دولاكروا في التمهيد لها من خلال تطويره مفهوم اللون والضوء، وذلك ما بين اكتشافه المبكر للفن الانكليزي وصداقته معك ونستابل وسواه وانتهاءً بما حمله من رحلاته الى شمال أفريقيا (المغرب والجزائر والأندلس) وتحوله بالتالي من الاستشراق الى المتوسطية، والاندماج في حساسية فنون ضفته الجنوبية.

تكشف نصوص ووثائق وروسوم المعرض ما خفي من موهبته التواصلية الاجتماعية منذ استقراره في باريس عن عمر عشرين سنة، بعد أن حقق دراساته الأكاديمية في محترف غيران.

يقول دولاكروا خلال هذه الفترة وفي أكثر من مناسبة: «لا أشعر بالسعادة مطلقاً إلا خلال فترة الاجتماع بالأصدقاء القريبين والأوفياء». يعانق المعرض لوحة غير معروفة تمثله مع صحبه في جلسة شبه ماجنة ترجع وثائق المعرض حاجته الدائمة للصداقة الى الجرح العائلي الذي سبّبه موت والدته المبكر ولم يكن يتجاوز السادسة عشرة واعتراف والده به على مضض، لأنه لم يكن يخفي شكّه بانتسابه له. وهو المبرر الأساس في هجرته محيط بلدته الى باريس والى مهنة التصوير. هذا ما طبع سيرته الفنية والسلوكية بالمنحى التواصلي الاجتماعي وتنمية علاقاته الدؤوبة مع رموز عصره من الأدباء والفنانين وصولاً الى الهيئة السلطوية الحاكمة. نجده منذ البداية النجم الأول في عروض «الصالونات، فعلى رغم ثورية وريادة فنه فإن موضوعاته كان يتوخى منها الإثارة والضجة الى درجة الفضيحة، ابتداء من لوحة «دانتي وفيرجيل على بوابة الجحيم» عام 1822، وانتهاء بلوحة «موت ساردنابال» و «الحرية (ممثلة بباريسية عارية الصدر) تقود الشعب: الى كومونة باريس. مع لوحة «النساء الجزائريات في دارهن» (1834) أصبح دولاكروا من أشهر العارضين، وأنجز هذه اللوحة خلال اختياره مرافقاً للبعثة الديبلوماسية الى المغرب والجزائر، معرجاً على الأندلس.

يعانق المعرض لوحة مثيرة للفنان جيريكو تمثل حصاناً يصارع وحشاً من أجل البقاء، وهو من أقرب أصدقاء دولاكروا روحياً وفنياً، تأثر دولاكروا برمزية هذا الموضوع الرومانسي، وتكشف الوثائق مدى حزنه على فقد جيريكو. الصداقات الحميمة التي كانت تجمعه مع كبار أدباء عصره ولعل أبرزها نجومية والمكتشفة أخيراً علاقته الحميمة بجورج صاند بما يتجاوز علاقتها الشائعة مع شوبان وستاندال. أعيد بهذه المناسبة عرض الكتاب الذي يجمع رسائلهما «صاند – دولاكروا... التواصل» الذي صدر في نهاية 2005 عن دار لاماتور.

اضافة الى علاقته ببودلير، وما تأسيسه لجريدته الخاصة إلا ذريعة لمثل هذا التواصل الإبداعي، كان دولاكروا يؤكد أن قراءته لفكتور هوغو الفرنسي وشكسبير الانكليزي تمثل زاده المبكر في الثقافة الأدبية، كذلك قرأ بايرون وسكوت، وتأثر بهما مقدار تأثره بمناظر كونستابل ولورنس.

لعل أبرز ما جناه من نجومية علاقاته التواصلية هو تعيينه مستشاراً في بلدية باريس ثم اعتباره عضواً أساساً في معهدها. قبل اختياره في البعثة الديبلوماسية المذكورة.

هذا دعم اختياره في ما بعد لتنفيذ أعمال نُصبية جدارية أو تزيينية عامة (رسمية) عملاقة مثل تزيينه للمجلس النيابي وقاعة المكتبة العامة، ومكتبة مجلس الشيوخ وغالوري أبولون في متحف اللوفر، اضافة الى ثلاث كنائس معروفة في العاصمة الفرنسية.

ينتهي محور المعرض الى تفسير نرجسية لوحاته الشخصية التي رسم فيها نفسه في المرآة بناءً على جرحه العائلي العميق الذي تحول الى حاجة شخصية للوجود الدائم مع الآخر الصديق.

لعل «الأوتوبورترية» الأشد اثارة في المعرض يمثل صورته شاباً من دون شاربيه المعروفين/ متلبساً شخصية هاملت، أما اللوحة الأشد فضائحية فتتمثل بتصويره جسمه عارياً.

أسعد عرابي

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...