«منيحة»عروض موسيقية لزياد رحباني في دمشق: مسرح ونادي مواهب

23-07-2009

«منيحة»عروض موسيقية لزياد رحباني في دمشق: مسرح ونادي مواهب

يبدو أن زياد رحباني قد ورث عن الرحابنة موعد الصيف الذي عقد طويلاً مع دمشق، فقد أطلّ أخيراً في أربع حفلات أقيمت في قلعة دمشق التاريخية، كتلك التي أقيمت صيف العام الفائت. لكن للمرة الثانية يأتي زياد دمشق من غير جديد، فقد استعاد أعمالاً من محطات عديدة في مسيرته، موسيقى وغناء وما أسماه كلاماً، وعنى به تلك الاسكتشات التي صاغ معظمها من البرنامج الإذاعي «العقل زينة»، مع إضافات جديدة قليلة، قد لا تتعدى مقطعاً واحداً.
لا شك في أن زياد أضفى بموسيقاه وأغانيه سحراً على المكان، القلعة السجن التاريخي الذي قلّما تذكر جمهور تلك المساءات أنه السجن الأطول عمراً في تراثنا، كما أضفى سحراً على المدينة التي تهجرها الفعاليات الثقافية في مثل هذه الأيام لتحطّ في المدن البعيدة. قدّم زياد قطعاً موسيقية من قبيل «عطل وضرر»، و«مقدمة نزل السرور»، «007»، ومن الأغاني «معلومات أكيدة»، «معلومات مش أكيدة»، «يا بنت المعاون»، «بصراحة»، «الله يساعد»، «لا طلّ ولا اتصل»، «هيك بتعمل هيك»، «فيه وجع قوي يا حكيم»، «العدالة»، «ولعت كتير»، «بنص الجو»، و«حبيتك تانسيت النوم». ومن الواضح أن الأغاني قسمت بين نوعين؛ الجاز والأغاني الشرقية، وفي الحالين كانت تعزف على وتر الذاكرة والمحفوظ لدى الجمهور، كما لو أن الناس جاؤوا يستظهرون ما حفظوا، وكما لو أن زياد جاء يختبر قدرة أعماله على العيش والاستمرار، رغم أن أخباراً كثيرة تحكى عن جديد مخبّأ في أدراج الفنان لا نعرف ما المانع من إطلاقه.
أما الكلام فيبدأ من عنونة زياد لحفلاته بكلمة «منيحة..!» هي التي لم تكن تحتاج أصلاً إلى عنوان، باعتبارها مجموعة إبداعات لا تربطها صلة، كما أن العنوان، كما أثبت الحفل، لا يشير إلى شيء ولا يعكس معنى. استعاد زياد كثيراً من الكلام الذي قيل من سنوات، خصوصاً في «العقل زينة»، مثل «لا يخت عندي..»، «ضبّوه لما يضيع الأمل»، «الغبرة»، «قريب من القلب» وسواها. إن أقل ما يقال في الكلام المستعاد ذاك، ما الفائدة من قول كلام إذاعي حفظه الكثيرون على المسرح، ربما تكون المسرحة هنا مسوغاً، لكن ما قيل ظل إذاعياً حتى مع وجود ممثلين على الخشبة، والمقاطع التي حفظناها عن صوت زياد وأدائه الجميل قيلت هنا بأصوات ممثلين يقرأون عن الورق، وقد ضيعوا كثيراً من جمالها، هذا إذا افترضنا أنها جميعاً على سوية لائقة، فمثلاً أي معنى لذلك الحوار السطحي بين زياد وفتاة يقول لها «بشو رايحة تتخصّصي» فتجيب «شي ما بيخصّك»، فالحوار كله مبنيّ هنا على اللعب الفارغ بهاتين الكلمتين.
الولع بالمسرح كان واضحاً في حفلات زياد، وقد جرى ترتيب العازفين على الخشبة بشكل أقرب إلى جو «السهرية»، بعيداً عن الأوركسترا الضخمة لحفلات العام الماضي. وُضعت مدفأة في وسط الخشبة، لا نعرف ما الداعي لها في عزّ الصيف، إلا هذا الإيحاء بحميمية سهرة، كذلك صعد أحدهم إلى الخشبة ليصب الشاي للعازفين من إبريق ضخم أثناء العزف، وترك زياد كرسي البيانو أكثر من مرة ليرقص، بل إن زياد وبعضاً من زملائه اقتنصوا فرصة الاستراحة بين فصلي الحفل ليقلدوا بملابسهم فرقة غربية، لبس زياد ملابس غربية وارتدى باروكة شعر مجعّد منفوش، وفيما الآخرون يعزفون مقطوعة «مقدمة نزل السرور» وهي مقطوعة جدّ شرقية، راح زياد وزملاؤه يحومون على الخشبة مكررين «الله، الله..»، ثم يأخذ زياد رداء شرقياً مطرزاً بشكل لافت معلقاً على مشجب ليتفحصه مبدياً إعجابه، وكأن حركة زياد، الذي يلعب دور الغربي هنا، تريد أن تسخر من فكرة تجول الغربي في موسيقانا وثقافتنا كما لو في سوق البضائع الشرقية. هوى زياد المسرحي لا أظنه يسرّ محبيه الحقيقيين، فمن يحب زياد ينبغ أن يدعو له بأن يهتدي إلى الموسيقى، لا إلى المسرح ولا إلى الكلام، من يحب زياد ينبغ أن يدعو له بأن يكف عن الكلام.
كسبت دمشق زياد رحباني، لكنها كسبت أكثر الموسيقيين والمغنين السوريين الذين تعرّف إليهم الكثير من الجمهور السوري عن طريق حفلات زياد، إن له فضلاً إذاً في الكشف عن مواهب، لم نكترث لها كثيراً وهي بيننا، رغم أنها حاولت تقديم موهبتها بشتى الطرق؛ باسل داوود، رشا رزق، ليندا بيطار، منال سمعان، نهى ظروف، باسل رجوب، رأفت أبو حمدان، نزار عمران، طارق صالحية، وتوفيق ميرخان.

راشد عيسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...