«ظل ما كنا عليه» للروائي التشيلي سبولفيدا

26-01-2010

«ظل ما كنا عليه» للروائي التشيلي سبولفيدا

عن منشورات «ميتاييه» (في العاصمة الفرنسية) صدرت مؤخرا الترجمة الفرنسية لرواية الكاتب الشيلي لويس سبولفيدا «ظل ما كنا عليه». هنا كلمة عن الكتاب.
«موعد حب في بلد يشهد حربا». ربما كنّا لا «نتعب» من إعادة قراءة هذه الجملة طالما أنها تخبر عن المستحيل، وبخاصة أننا خبرنا ذلك، طيلة سنين، في هذا البلد. في أيّ حال، جملة تقول المستحيل طالما أنها تجعلنا – وعلى الرغم من كل ما تحمله الحروب من أشياء – نحلم ونأمل بحياة أخرى، بآمال مختلفة.
جملة لا تناسبنا نحن فقط، بل نجدها تناسب أيضا الكاتب الشيلي لويس سبولفيدا، الذي اكتشفه القارئ العربي، عبر عدد من الكتب، نذكر منها على سبيل المثال، لا الحصر، ما صدر له عن دار الآداب في بيروت: «العجوز الذي كان يقرأ روايات غرامية» و«يوميات قاتل عاطفي». تناسبه، لدرجة أنه جعل منها عنوان إحدى مجموعاته القصصية التي صدرت العام 1997، إذ أنه يمكن لها أن تشكل – أقصد الجملة – خلاصة هذا العمل الأدبي، الذي يمتدّ اليوم على مدى أكثر من 15 كتابا، تتراوح بين الرواية والمجموعات القصصية، ومنها ما صدر له مؤخرا: رواية «ظل ما كنا عليه» (صدرت في ترجمة فرنسية عن منشورات «ميتاييه» في العاصمة الفرنسية).
يذهب سبولفيدا (أو سبولبيدا كما تلفظ بالإسبانية) إلى هذه الفكرة، ربما لأنه – وعلى الرغم من معرفته جيدا لسجون بينوشيه كما المنفى والرحيل والتنقل من بلد إلى آخر – لا يزال يحب تخيّل قصص حب من أجل «عجوزه الذي لكي يقرأها»، كما ليسحر قراءه المنتشرين اليوم في مختلف بقاع العالم (ترجمت رواياته إلى أكثر من عشرين لغة). بيد أن الزمن الذي يمضي، وبرغم كونه محملا بالأسفار واللقاءات والندوات والكتابة، لا يمكن له أن يدمل الجروح والصدوع التي عرفها. إزاء ذلك كله، أصبح سبولفيدا راويا بدون حدود، كما ذلك المتمرد صاحب القلب الكبير، «ليصطاد» الحقد والحنين كي يعود إلينا بقصة مليئة «بالفيتامينات» (إذا جاز التعبير) ذات سرد يدفع إلى السخرية و«الغرابة»، تقع ما بين الرواية البوليسية (لكن الخارجة من إطارها المحدد) وما بين الحكاية السياسية، ليقترح علينا تساؤلا بدون نهاية، أي بدون جواب محدد: ماذا فعلنا بكل طوباوياتنا؟ ماذا فعلنا بأنفسنا؟
أحلام منهارة
ومع هذا السؤال الكبير الذي يؤرق، بدون شك، قسما كبيرا من مثقفي المرحلة الأخيرة من القرن المنصرم، الذين شهدوا العديد من أحلامهم وهي تنهار، لا نرى سبولفيدا يذهب إلى نوع من الشفقة حول مصيره أو حول جراحاته المشتركة، (بينه وبين العديد من الرجال والنساء الذين عرفوا مصيرا مماثلا)، إذ أن الكاتب لا يزال يرى في الأدب نوعا من الوجود الفعلي كما نوع من المقاومة الحقيقية، الذي يستطيع عبره أن يستدعي الماضي والصداقة وتلك الأحلام المستمرة والممكنة التحقق. مع العلم، أننا أمام كتاب، يهب إلى خيبة الأمل الثورية كما إلى الأوهام المفقودة «حبكة» روائية ترتجي اللعب أقصد ليست على قدر كبير من التركيب وإن كانت تجبرنا على الذهاب عميقا في التذكر، مثلما تجبرنا على التأمل. تذكر وتأمل العودة إلى سانتياغو بعد أكثر من 35 سنة من انقلاب الجنرال بينوشيه في 11 أيلول 1973، التي قام بها ثلاثة أشخاص، كانوا من المناضلين اليساريين السابقين الذين كسرتهم الهزيمة والمنفى. لقد شاخ سبولفيدا كما شخصياته وهم يقتربون اليوم من الستين من عمرهم، إلا أنهم لم يتخلّوا بعد عن أفكارهم. إذ أن عودتهم كانت لانتظار «المخ السياسي» الذي يسمى «بالاختصاصي». وربما عودتهم كانت بمثابة رحلة أخيرة قبل أن يرموا أوهامهم ويقبلوا بحكم التاريخ، هذا التاريخ الذي بدل مصائرهم وغير أجسادهم وأرواحهم، إذ إن هؤلاء العائدين حاولوا تدبير «فعل» أخير كي يجدوا بعده «كرامتهم» المفقودة و«ثروتهم» المفقودة، و«توثب» شبابهم المفقود.
أمام ذلك كله، يتخيل لنا الكاتب – الواقف على حد الخبث المتعذر إصلاحه – أو ربما يتخيل من أجل نفسه بالذات، أوضاعا «مجنونة»، «مختلة»، تقطعها حوارات «عبثية» و«شرسة»، تنبثق منها تلك الحقائق المنسية، تلك اللمسات الشعرية أي تلك الأحلام الكبيرة التي كانت سائدة. ففي هذا الحشد عينه ذي الإيقاع الموزع بشكل مدهش، نجد ذلك التساكن ما بين الشريان الثوري الصافي وما بين العاطفة، أي نجد تلك العاطفة الهدامة. حتى انه – أي الكاتب – لا يجد غضاضة من استعادة تلك الجمل التي اعتقدنا أنها توارت على مرّ «التاريخ» مثل أن نجد «كما قال الرفيق لينين لا يمكن للبشر أن يصححوا أحداث الماضي بل يمكنهم أن يستعجلوا أحداث المستقبل».
هل ثمة كآبة نحس بها ونحن نقرأ مجددا مثل هذه الأفكار؟ لا يرفض لويس سبولفيدا شيئا من ذلك؟ في روايته الراهنة، نعود لنجد كاتب «يوميات قاتل عاطفي» أي نعود لنجد تلك السخرية المرة، ليضرب موعدا جديدا مع الحب في رواية تفتح معركتها الخاصة، التي لا تنتهي، ضد النسيان.
مرة جديدة، يأخذنا سبولفيدا إلى رحلة في الذاكرة، ليعود ليرسم لنا سيرة عن ذاك البلد الذي وقع ذات يوم أسير ذاته، أقصد أسير تاريخ لم يعرف كيف يخرج منه مجددا. لكننا بالتأكيد أمام رواية تستحق أن نقرأها.

اسكندر حبش

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...