«سوسـييتيه جنرال» يخسـر 10 مليارات يـورو

28-04-2009

«سوسـييتيه جنرال» يخسـر 10 مليارات يـورو

جلجلة المصارف الفرنسية لم تنته بعد. الخمسة مليارات يورو التي خسرها جيروم كيرفييل، وسيط مصرف «سوسييتيه جنرال» في مضاربات مالية، هان احتمالها على المصرف بانكشاف الفضيحة الجديدة، وبمقاضاة المغامر وتبييض صفحة المصرف من كل تقصير.
عشرة مليارات يورو تبخرت من حسابات المصرف في مضاربات مالية أيضا، وخلال الفترة ذاتها من العام الماضي، حين كان كيرفييل في طابق آخر من المصرف، يراهن بأموال المودعين في أسواق الأسهم، لكن انكشاف فضيحته ساعد المصرف على صرف الأنظار عن خسارته الثانية التي كانت تتراكم أرقامها بعيداً عن الضجيج الإعلامي.
ولكن ما هان على المصرف احتماله في الماضي لن يهون اليوم. المصرف علل خسارته الأولى بانحراف وسيطه المالي وبخروجه عن كل قواعد المضاربات، ونجاته من أعين الرقباء على مداولات المصرف الالكترونية وشبكته الداخلية وصولاً إلى مسحة جنون قد تكون حفت بجيروم كيرفييل، وهو يتلاعب بالمليارات خلف حاسوب سوق الأسهم.
هذه لن يستطع «سوسييتيه جنرال» التملص من مسؤوليته المباشرة في الخسارة وإلقاء تبعاتها على مس من الجنون أصاب أحد الوسطاء الصغار والمغامرين بأموال المصرف، لأن العشرة مليارات يورو التي تبخرت من حساباته، شارك مجلس إدارته وأدمغته المشهود لها بالخبرة والحنكة بتضييعها من دون أن تتحرك أجهزة مراقبة المصرف الداخلية لتقصي ما يحدث.
وإذا صحت المعلومات التي سربتها مصادر داخل «سوسييته جنرال» إلى صحيفة «ليبراسيون»، فإن ستة من كبار قادة المصرف بدءاً من مديره العام، تورطوا بأخطاء قاتلة عبر «سغام»، فرع المضاربات المالية بالبورصة الخاص بالمصرف الذي يتمتع مديروه باستقلالية واسعة ودلال غير مسبوق تجاه المؤسسة الأم، وهو يدير استثمارات مالية بقيمة 269 مليار يورو عبر شبكة من الفروع يعمل فيها ثلاثة آلاف موظف.
الخسارة بدأت بالتراكم منذ ثلاثة أعوام. «سغام «عمل على توسيع استثمارات زبائنه الكبار في الأسهم السريعة المردود وقروض الرهن العقاري الأميركي. وعندما انهارت أسعار الأسهم وفقدت قيمتها بانهيار المصارف الأميركية الدائنة، بدأ زبائن المصرف بالتخلص من أسهمهم، بل وإن عمليات السحب للتخلص منها أدت إلى تقليص الودائع في «سوسييتيه جنرال» ستة مليارات يورو. وبدلا من قيام المصرف بعرضها في سوق الأسهم أو التخلص منها في بداية الأزمة، كما فعلت مصارف كثيرة عملا بغريزة البقاء، عمد مدراء «سغام» إلى شراء محافظ الأسهم الخاسرة، والتي فقدت قيمتها من الزبائن. صاحب الفكرة الجهنمية بررها بحجة تسويقية وإنسانية لا مرد لها، وغير مسبوقة في علم المصارف الذي لا تأخذه رأفة إلا بالمال: الحفاظ على أموال المودعين والتعامل معهم «بإنسانية».
لكن التدقيق في لائحة الزبائن المضاربين لدى «سغام»، مجموعة من الصناديق المالية المتخصصة بأسواق الرهن العقاري والأسهم ذات المردود المرتفع والسريع. ولحماية نفسه قام «سغام» بإنشاء شركة مصرفية لتقديم ضمانات مالية للحسابات الخاسرة وتمويل خسائر استرداد الأسهم المنهارة في سوق الرهن العقاري.
الاستراتيجية بدت قانونية شكلا، ولكنها لا تبعد كثيراً عن أي عملية احتيالية كلاسيكية لأن رأسمال المصرف لم يتجاوز بضع عشرات من الملايين، فيما بلغت قيمة الضمانات التي يصدرها المليارات. وإمعاناً في المخاطرة، وربما في الإفراط غير المحسوب بالنفس، رفض الفرع المالي الصغير نصائح المصرف الأم «سوسييتيه جنرال» بالتدخل لمصلحته لأن الأزمة المالية، كما قالت المخاطبات الداخلية للمصرف، عابرة، ولأن أسعار الأسهم هبطت مؤقتاً ولا بد أنها ستعود إلى الارتفاع بسرعة للتعويض عن الخسائر».
بعدٌ آخر ساهم في تراكم الخسائر هو العلاوات التي تحسم من المبالغ المتداولة في المضاربات المالية وتداول الأسهم وتدفع مباشرة للمدراء وكادرات «سغام». العلاوات أغرت الكثيرين بمواصلة عمليات مربحة لهم بأرقام مرتفعة وخاسرة للمصرف.
الفضيحة لم تخرج إلى الإعلام لأن المصرف لا يتحمل فضيحتين في وقت واحد. الأنباء بدأت بالتسرب منذ شهر بعدما باشرت الإدارة عمليات تطهير إداري واسعة، وقررت فصل 200 موظف لتخفيف الخسائر. بيانات غير موقعة وسرية انتقلت من المكاتب الداخلية إلى الصحف من دون أي رد فعل حتى الآن من الحكومة، التي دعمت المصرف لتدعيم ودائعه بـ3.4 مليارات يورو من دون أن تطلع على حقيقة أوضاعه.

محمد بلوط

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...