«أمنلي بيت» أغنية للطيفة من زياد الرحباني

01-12-2007

«أمنلي بيت» أغنية للطيفة من زياد الرحباني

واضح ان زياد الرحباني وضع كلمات أغنية «أمنّلي بيت» ولحنها للمغنية لطيفة، على خلفية «أمنية» لبنانية. قد تكون هذه الأغنية من نتاج مرحلة الحرب اللبنانية حين كان الناس يهربون إلى أمكنة أكثر أماناً، أو يسكنون طوابق متدنية متحاشين الإقامة في الطوابق العليا من الأبنية درءاً لمخاطر القذائف العشوائية أو «الدقيقة» التي كانت تنزل فوق رؤوسهم. ومعروف ان زياد «شاطر» في اصطياد تلك اللحظات الإنسانية التي كان اللبنانيون يشعرون بها ويفكرون في كيفية التعامل معها. أغنية «أمّنلي بيت» هي نداء حبيبة تطلب إلى حبيبها ان تكون إلى جانبه... لكن...

هذه الـ «لكن» الرائعة في الأغنية هي زياد الرحباني. اللحن كله هو هذه الـ «لكن» التي تترك المساحة مفتوحة للاحتمالات كلها. لكن... ما دخل لطيفة، المغنية التونسية، العربية الشهرة، بأغنية تغوص في موضوع «أمني» لبناني محلي، وبأسطرٍ تتوالى فيها الحالات اللبنانية «الخاصة» التي يمتزج فيها الحربي بالعاطفي، الخطر بالآمن؟ ما دخل الجمهور العربي الذي عرف لطيفة مغنية عاطفية أو إنسانية ان تأخذه هذه الأغنية إلى ما لا يمكن ان يستوعب مقاصده حتى لو أرفقت لطيفة الأغنية بـ «بروشور» يشرح كلماتها وأجواءها الغرامية أو الأمنية – السياسية؟

غالب الظن ان لطيفة ارتاحت الى مناخ الأغنية ولحنها. والإرتياح هنا ضروري لوصف حال لطيفة عندما تؤخذ بلحن جميل أو عندما تؤدي لحناً تراه جميلاً. ارتاحت لطيفة بما في «أمّنلي بيت» من النغم الشرقي الذي يسلب اللب، وبما في التلوين الذي يصاحب الجُمل الكلامية من البساطة العميقة التي تحفر في الذائقة، وبما في تجربة زياد الرحباني الموسيقية من الجنون الذي يقولب الجــدية باللامبــالاة فيـــطلع فــنٌّ بالغ الجــمال والروعة.  
 لم تعد لطيفة تفكر في رد فعل الجمهور العربي الأوسع الذي قد يستغرب أو يستهجن معنى الأغنية أصلاً وفصلاً، وسجلت صوتها على اللحن، بتوزيع موسيقي لا يمكن أن يكون إلا من بين يدي زياد الرحباني اللتين تكتبان نوتات «غريبة» مع ان النوتة نوتة لا غرابة فيها، وتوجدان عوالم نغمية وسمعية رقراقة جذابة تكسر السائد الذي يكاد يصبح ديكتاتورياً في قهره من يرغب في الاستماع إلى الغناء الصحيح أو يهوى الموسيقى النبيلة في منطلقاتها وأبعادها...

ولأن رندة الشهال مخرجة لبنانية، فقد فهمت رسالة الأغنية من اللحظة الأولى وشرحتها ولم تحاول فعل شيء آخر غير ما في كلمات «أمّنلي بيت».

لم تضع سيناريو آخر غير سيناريو الأغنية. كل ما فعلته رندة الشهال هو انها أوقفت لطيفة في زقاق ضيِّق حيناً، وحيناً على شاطئ البحر، واستخرجت من عينيها كل معاني الخوف والقلق والحزن والحب الممنوع من ان يصرِّح عن نفسه أو الممنوع من ان يصل إلى الحبيب. واستسلمت لطيفة لهذا المزاج الإخراجي المنبثق من موضوع الأغنية، وللصورة الاحترافية التي تتقنها رندة وهي مخرجة أفلام سيـــنمائية لا مـــخرجة فـــيديو كليب.

وقدمت بوجـــهها، بـــعد صوتها، انفـــعالات عميـــقة مـــقطوفة من أداء تمثـــيلي آســر. لم يكن وجه لطيفة أحادي المعنى، ولا يقول فكرة واحدة. كان ذلك الوجه يقول، كالصوت، معاني عدة وأخطاراً عدة من خلال ملامح هاربة من خطر محدق. ولم تجد رندة لإخراج لطيفة من هذه المنطقة الخطرة في الإحساس إلا بأن تسيِّرها على الماء. سارت لطيفة بثوب أبيض على أمواج البحر الهادئة كمحاكاة للنجاة في بعدها الميتافيزيقي.

وعلى رغم أن الأغنية صبت في قالب لحني واحد، سواء بمطلعها أم بمقاطعها الأخرى (وهذا غير شائع في أعمال زياد الرحباني الموسيقية) ولم يتم التغيير إلا بالكلمات، فإن «أمّنلي بيت» تجاوزت في جمالها ما تستطيع عادة ان تفعله أغنية تتكرر فيها الجمل اللحنية. ليس بتعدد الجمل وحده تحيا الأغاني، أحياناً.

عبد الغني طليس

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...