الأدوية المخدرة أو الداء المسكوت عنه حتى إشعار آخر

20-09-2010

الأدوية المخدرة أو الداء المسكوت عنه حتى إشعار آخر

عندما يزداد خطر الإدمان على الأدوية التي تحتوي على المخدر بهذا الشكل المخيف، وعندما تتضح مواطن الخلل في استعمالها وتداولها غير الشرعي على أرض الواقع، فإنه من غير الصحيح أن ننتظر تحوّل الأمر إلى ظاهرة متفشية في المجتمع حتى يتمّ طرحها على الملأ كمشكلة خطرة لا بد من متابعتها وتقصّي الحقائق في خفاياها, ونحن إذ نطرح هذه المشكلة لا نقصد التهويل والادعاء بأنّ لدينا سوقاً لبيع الأدوية المخدرة بكلّ مسمياتها، كما لا نعني أيضاً أننا في منأى عن مخاطر هذه المشكلة التي تتزايد يوماً بعد يوم في ظلّ غياب الرقابة والتشريعات التي تحاسب كلّ من تسوّل له نفسه أن يجعل من الدواء داءً , ونستطيع القول بأنّ عقد الاجتماعات والندوات حول خطر هذه المشكلة أكبر دليل على وجودها، لكنّ المفارقة هنا أن يصبح الأخذ والرد في التخلص منها هو نفسه إدماناً دون الخروج بنتائج فعالة ما يتيح لمروّج الأدوية المخدرة أن يسرح ويمرح في المدن الكبيرة والأحياء الفقيرة دون حسيب أو رقيب.  
 ¶ بعيداً عن المهدّئات..
ما يثير القلق أن نرى السيموكوديئين، والـ أوبرفال, والـ فاليوم, والـ بكتوبكت، وغيرها من الأدوية المخدرة، تباع في المحال كأيّ سلعة يحتاج إليها المواطن، ما يضعنا أمام معضلة لا تنفع معها المسكنات، بل تحتاج إلى قرارات صارمة من العيار الثقيل تضع حداً لمن يتلاعب في صحة المواطنين، الشباب منهم على وجه الخصوص، حيث يتمّ استغلال أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من الظروف التي تقودهم إلى الإدمان على الأدوية كبداية، ليصل بهم الحال إلى ما هو أخطر كـ «الهيروين».

 ¶ اعترافات ولكن..
ضبط عمليات بيع الأدوية المخدرة بطرقٍ غير مشروعة من أساسيات عمل مديرية الرقابة الدوائية في وزارة الصحة، حيث أكدت الدكتورة ميساء نصر، مديرة الرقابة الدوائية، أنّ بيع الدواء المخدر بطرق غير شرعية خطر جداً على الشباب، معتبرة أنّ هذه المشكلة لم تصل إلى حدّ اعتبارها ظاهرة متفشية في المجتمع السوري تحتاج إلى التوقف عندها, مشيرة إلى فقدان آلية مضبوطة بشكل جيّد لمراقبة الدواء المخدر الذي يصنع في سورية، مع اعتبارها ثغرة يستغلها ضعاف النفوس من الأطباء والصيادلة مقابل حفنة من المال.
ونوهت الدكتورة نصر إلى أنّ مديرية الرقابة الدوائية بما يجري بهذا الخصوص، فقد تمّ مؤخراً تقديم مقترح لوزير الصحة لحلّ المشكلة، يتمثل في تشكيل لجنة توكل إليها مهمّة مراقبة دخول وتصنيع وتصريف الأدوية المخدرة, منذ دخولها المطار كمادة أولية، مروراً بتصنيعها في المعامل، وصولاً إلى تسويقها أو صرفها في الصيدليات، مبينةً أن أهمية وجدوى هذا المقترح تتمثّل في الرقابة الشديدة على الدواء، من حيث الصنع والتصريف، وحينها تتحمل كل جهة مسؤولياتها في حال حدوث أيّة مخالفة, وكشفت مديرة الرقابة الدوائية أنّ اللجان الـ 29 الموجودة في مديريات الصحة في المحافظات لديها العديد من الضبوط بحقّ عدد من الصيادلة والأطباء ومروجي الأدوية المخدرة بطرق غير مشروعة, وذلك بالتعاون مع نقابة الصيادلة.
وحول إمكانية طرح بيع الأدوية المخدرة والمؤدية إلى الإدمان في صيدليات حكومية أو خاصة موثوق بها، أكّدت الدكتورة نصر أنّ هذه الفكرة لا بأس بها، لكنّها قد تجعل فرصة الحصول على الأدوية محدودة أمام المرضى النفسيين، الذين يحتاجون بالفعل إلى هذه الأدوية، فما ذنب هؤلاء حتى يبحثوا عن أدويتهم في أماكن بعيدة عنهم، بدلاً من الحصول عليها من أية صيدلية موجودة في حيّهم بطريقة مشروعة؟. 
 إدمان شبابي..
يؤكد الدكتور ناظم هارون، مدير المرصد الوطني للشباب، أنّ عدد المقبولين في المرصد، الذي يأخذ على عاتقه معالجة المدمنين، كان في العام 2009 /1017/ من الذكور، و/8/ من الإناث، و872 مرضى، منهم حالات مكررة عددها 153 مريضاً، وأشار إلى أنّ الفئة العمرية لبدء التعاطي ما بين 21-30 سنة؛ أي 50 % من نسبة الأعمار، وأكثر فئة عمرية تأتي إلى المرصد هي بين 24 - 29 سنة؛ أي 32 %، وبحسب الدكتور هارون تتوزع هذه النسبة على 18 % يدمنون على مشتقات أفيونية, و2 % يدمنون على الأدوية المهدئة, و3 % يدمنون على البنزهكسول، ومن المواد المؤدية إلى الإدمان: بروبوكسيفين، ديازييام, بنزهكسول, كوديئين، إضافة إلى أنّ المدمنين على الهيروئين والأفيون في المرصد يشكّلون جزءاً كبيراً، خاصة أنّ الأفيون عبارة عن عقاقير تباع في الصيدليات على أساس أنّها مسكنات مركزية للآلام الحادة، ولتفادي حالات الإدمان هذه لا بد من تنظيم العمل الصيدلاني، وضبط الكميات الدوائية التي تصرف من المستودعات والصيدليات ضمن دفاتر صرف نظامية ودقيقة.
من جهة أخرى، بيّن الدكتور هارون أنّ المرصد سيرفق بشعبة نفسية لاستقبال الأمراض النفسية المختلفة، كالقلق والذهان وغيرها مما يحتاج إلى الاستشفاء، وما يميز هذه الشعبة أنّها لا تسبّب للمريض الحرج، ولا يوصم بالصفة المتداولة في المسشفيات النفسية، وأضاف أنّها تحتوي على 17 سريراً، مع وجود جهاز تخليج كهربائي.

  جهود مبذولة
إدارة مكافحة المخدرات، بصفتها جهة معنية، تبذل جهداً كبيراً بشأن ملاحقة مروجي الأدوية المؤدية إلى الإدمان، حيث أطلعنا مصدرٌ مطلع على وجود الضبوط التي تبيّن مصادرة عشرات الآلاف من كبسولات الأدوية المخدرة، وكان آخرها ضبط 9000 حبة بنزهكسول، و1400حبة بروكسيمول مع مروج ذائع الصيت في أحد أحياء دمشق، وأكد المصدر أنّ المشكلة في قمع الاتجار بالأدوية المؤدية إلى الإدمان تكمن في أنّ هذه الأدوية لا تعتبر من المخدرات، وحيازتها لا تعتبر جريمة، وبالتالي لا يستطيع القضاء ملاحقة المتعاطي أو المدمن على هذا النوع من الأدوية، وكذلك المروج، والسبب عدم وجود نص قانوني يُجرّم الشخص الذي يروج ويسوّق ويتعاطى هذه الأدوية، مضيفاً أن ما يزيد من تعقيد المشكلة أنّ بعض الصيدليات المستأجرة، وقليل من النظامية أيضاً، تحوّلت إلى محال لبيع هذه الأدوية بطرق غير مشروعة، وبات أصحابها عالة على مهنة الصيدلة، لا همّ لهم إلا الربح، لذلك لا عجب من أن يتحول الدواء إلى داء قاتل في يد شخص هو تاجر أكثر ممّا هو صيدلي!، إضافة إلى أنّ قمع مشكلة ترويج الأدوية المخدرة بكل أنواعها، نفسية أم مهدئات، والتي يُساء استعمالها، يكمن في توافر النص القانوني الذي يجرّم الفاعل، حيث إنّ وزارة الداخلية قدمت هذا الاقتراح من خلال اللجنة الوطنية العليا لمكافحة المخدرات التي يرأسها وزير الداخلية.

إدمان متوافر..
حول الأسباب التي تؤدي إلى الإدمان، أكّد الدكتور تيسير حسون، الاختصاصي في الطب النفسي، أنّ أسباب إدمان الأدوية المخدرة عديدة، بدءاً من توافر المادة، والاضطرابات النفسية لدى الأشخاص، وتأثير الظروف الصعبة المحيطة به، فعندما نتحدّث عن الشباب نقول إنّ الرغبة في الانضمام إلى «الشلة»، وخاصة في مرحلة المراهقة، تكون هذه «الشلة» تتعاطى أحد أنواع الأدوية المخدرة، ومن شروط الانضمام إليها التعاطي مع الكتمان, ومن ناحية طبية هناك بعض الأطباء الذين يصفون وصفات لها إطباباتها، ولكن بطريقة عشوائية، ومن المفروض أن تكون هذه الوصفة دقيقة، من حيث الكمية والحالة المرضية وضرورتها، وأضاف الدكتور حسون أن إدمان الأدوية ظاهرة يجب التخلص منها، معتبراً أنّ دخول أدوية جديدة يوفّر فرص الإدمان، وخاصة الأدوية التي تسكّن الألم بطريقة مركزية، وأغلب حالات إدمان الأدوية تأتي نتيجة توافرها ورخصها، مقارنة مع الهيروئين، والمثير للامتعاض أنّه عند سؤال الحالات الموجودة في المرصد الوطني عن كيفية الحصول على الأدوية، يكون الجواب بكلّ بساطة: «نستطيع إحضار «كراتين» منها إذا أردت». 

  ¶ ضحايا الإدمان
عند التحدّث إلى عدد من الشباب الذين يعالجون من الإدمان، وتحديداً الأدوية المهدئة والنفسية، تبيّن أن القاسم المشترك بينهم أنهم كانوا يحصلون على ما يريدونه من الأدوية دون وصفات مقابل مبالغ مالية.
يقول (ع . م) إنّه قبل الإدمان كان يعاني من القلق والتوتر الزائد إلى درجة أنّ النوم كان يجافيه ليومين متتاليين، ويضيف أنّ أحد أصدقائه أشار عليه بأخذ «أوبرفال والزولام»، على الرغم من أنّه تردد في البداية لعلمه بخطورة ذلك، لكنّ سوء حالته وفضوله الزائد جعلاه يجرب، وبالفعل شعر بالراحة والنشوة، ومرّة بعد مرة زاد تعلقه وطلب المزيد، حتى إنّه كان يتعاطى في اليوم حوالي 10 - 12 حبة، ويفقد الوعي خلالها، ويغط في نوم عميق.
واعترف هذا الشاب بأنّه فكّر أكثر من مرة في الانتحار، وفي يوم تجرأ وأخبر عائلته بما يحصل له، قاموا بإحضاره إلى المرصد للعلاج، كما اعترف بأنّه يعرف عدداً كبيراً من الشباب الذين يدمنون على الأدوية التي يحضرها إليهم صاحب بقالية لبيع الخضار.
  وجهة نظر
حالة هذا الشاب من بين حالات كثيرة موجودة حالياً في المرصد، وغيرها الكثير خارج أسواره، وجميعهم من ضحايا تجار الدواء، الذين يسرحون ويمرحون في ظلّ عدم وجود رقابة صارمة، وفي ظلّ غياب التشريعات والقوانين الرادعة، ما حوّل الدواء إلى داء وسمّ قاتل يجري في عروق شباب يعوّل عليهم الكثير!!.

ريم فرج

المصدر: بلدنا

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...