انحراف الأحداث مسؤولية من؟

06-07-2010

انحراف الأحداث مسؤولية من؟

تعتبر ظاهرة الانحراف عند الأحداث من أبرز المشكلات التي تعاني منها المجتمعات في العالم بما تخلفه من تأثيرات نفسية واجتماعية على شخصية الحدث، وما تتركه من آثار سلبية خطيرة على المجتمع في مجالات الجريمة والسرقة وانتشار المخدرات والفساد والانحلال الأخلاقي...

وعندما ينحرف الحدث، هل يحق للمجتمع أن يتعامل معه كمجرم خطير، بينما يحتاج إلى معاملة إنسانية خاصة تصون له طفولته، وتعيده إلى جادة الصواب، ليكون فعالاً في مجتمعه لاهداماً..‏‏

جرائم الأحداث ، أسبابها ومنعكساتها، وكيفية علاجها، تلك كانت محاور الندوة الاجتماعية التي أقيمت في ثقافي كفرسوسة تحت عنوان « جرائم الأحداث» بمشاركة كل من الدكتور عبد السلام راجح والأستاذ بسام عطري والأستاذ ممدوح الزوبي.‏‏

تفكك. بطالة . فقر‏‏

بداية حدد د. راجح الأسباب التي تقف وراء جرائم الأحداث، فهي نتيجة لجملة أسباب اجتماعية ليست مستقلة بذاتها، ناشئة عن آفات اجتماعية أسرية فضلاً عن الآفات الأخلاقية، ومن أهم أسباب انحراف الأحداث التفكك الأسري الناجم عن الخلافات الزوجية والطلاق وكذلك البطالة والصحبة والأصدقاء والجيران، إضافة إلى الضغط الأسري وحالات الفقر والتسرب المدرسي.‏‏

كما لا يمكن نكران تأثير وسائل الإعلام بكل أطيافه، والذي يشكل سيفاً ذا حدين فهناك الإعلام المقروء والكتب التي تتحدث عن الجريمة والقصص والمغامرات وألعاب الكمبيوتر التي تطرح في أغلبها ترسيخ العنف لدى الأحداث، وكذلك الأنترنيت الذي يحمل في صفحاته الكثير من العنف والتحريض على الجريمة بمقدار ما يحمل الخير والفائدة، وهناك أيضاً البرامج الإعلامية التي تروج لفكر مغاير لمجتمعاتنا حيث الإباحية والجرائم والجرأة.‏‏

ونوه د. راجح إلى ثقافة خطيرة غزت مجتمعاتنا العربية ، وهي ظاهرة استقدام الخادمات الأجنبيات من بيئات غريبة عنا بعاداتهم وتقاليدهم، حيث باتت الخادمة تقوم بدور الأم البديلة وتقوم بتربية الأبناء وهذا بحد ذاته يشكل تهديداً على تنشئتهم بطريقة سليمة.‏‏

شعور بالظلم والضياع‏‏

وتناول الأستاذ عطري الانحراف من زاوية أخرى، حيث ينظر إليه علم الاجتماع على أنه أنموذج من السلوك الاجتماعي، يقوم المنحرف من خلاله بتصرفات مخالفة للقوانين الاجتماعية والقيم السائدة في المجتمع، حيث يسيء به إلى نفسه وأسرته ومجتمعه، ويبدأ الانحراف غالباً عند الأحداث الذين تتراوح أعمارهم بين 12-18 سنة، وهي بداية فترة المراهقة التي تمثل أخطر مراحل عمر الإنسان.‏‏

وأشار أ. عطري إلى البيئة المحيطة بالحدث والعوامل النفسية، فهناك بعض الأسر المهملة التي تعاني من الأزمات والمشكلات، والمدرسة التي تسود فيها ظاهرة التعليم بالقوة والصرامة والعنف، والمجتمع الذي يمارس القمع والاضطهاد وبفرض القيود الصارمة على الشباب، تجعلهم يشعرون بالظلم والقهر والضياع نتيجة الاحساس بفقدان الحرية و المسؤولية والقيمة الاجتماعية ، فيتحول الشاب إلى شخص عدواني مشاكس يعمل على الانتقام لذاته ولشخصيته المفقودة بالأساليب المنحرفة.‏‏

كسب ثقتهم ومحبتهم‏‏

ولمعالجة مظاهر الانحراف لابد من فهم مشكلات الشباب ومعاناتهم ومعرفة دوافعهم للانحراف ودفعهم للالتزام بالانضباط السلوكي بالقوانين والأنظمة ومعايير القيم الاجتماعية، ولتحقيق هذه الأهداف لابد من التفاعل البناء من الشباب وكسب ثقتهم ومحبتهم وإبعادهم عن مشاعر وأجواء العنف والخوف والقلق والتوتر والضياع، وإلا فإن أسلوب الترهيب والعقاب لا يشكل سوى حلاً آنياً مؤقتاً، أما القناعة والتجاوب الذاتي فتشكل ضمانة لاستمرار التزام الشاب وتطوير وترسيخ واقعية الانضباط الايجابي لديه، فيكسب من خلالها سلوكاً جديداً موافقاً لقيم المجتمع وأخلاقه.‏‏

فجوة قانونية‏‏

ومن وجهة نظر قانونية، يرى الأستاذ الزوبي أن الحدث الجانح هو مصنوع وليس مولوداً، وهو ضحية ومجني عليه أكثر من كونه جانياً، وهذا لايعني التراخي في معالجة ظاهرة جنوح الأحداث، علماً أننا في سورية نمتلك الأرضية القانونية الصلبة التي تمكننا من حماية أطفالنا، ولئن كان هناك خلل في موضوع ما، فالخلل ليس في نص القانون ، بل في تنفيذ تلك النصوص والقواعد التي تحتاج إلى التفعيل المستمر والصحيح والتنفيذ الحسن من قبل الجهات المختصة بذلك.‏‏

يعامل وكأنه مجرم!!‏‏

وحسب تعبير أ. الزوبي أن هناك فجوة كبيرة حاصلة ما بين النصوص القانونية الموجودة، وبين ما هو عليه العمل فعلاً على أرض الواقع العملي حيث يصاب المرء بالخيبة والاحباط، وهذا ما لمسه من خلال عمله كمحام في مدينة، حيث يعامل الحدث وكأنه مجرم رغم طفولته حتى لو كان جرمه التشرد فإنه يقاد بالسلاسل والقيود ما يترك أثره الغائر في نفسيته وبهذا الخصوص لابد من التساؤل.. أين هي الشرطة الخاصة بالأحداث التي نص عليها المشرع في قانون الأحداث الجانحين، ولماذا لا يجري تأهيل عناصر وضباط الشرطة بشكل علمي ومهني وقانوني للتعامل مع الأحداث بما يتفق مع حقوق الطفل ، وهل الدور والأمكنة المعدة لتوقيفهم مؤهلة أن تزيد الجانح جنوحاً وانحرافاً، ثم ما هي الموانع من تطبيق كل تلك المبادىء التي كرسها المشرع السوري في نصوص قانون الأحداث الجانحين؟؟‏‏

أسئلة كثيرة برسم الإجابة عليها، فلا يمكن أن نخطو إلى الأمام على هذا الصعيد قبل تحديد مكامن الخلل لاصلاحه واكماله حفاظاً على طفولة وإنسانية أطفال وفتيان في عمر الزهور، يعول المجتمع عليهم آمالاً كبيرة..‏‏

منال السماك

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...