من ريغان إلى أوباما:الاستراتيجية الجديدة القديمة واستمرارحلم السيطرة

29-05-2010

من ريغان إلى أوباما:الاستراتيجية الجديدة القديمة واستمرارحلم السيطرة

الجمل: سعت العديد من مراكز الدراسات, إضافة إلى الوسائط الإعلامية مؤخرا إلى تحليل معطيات استراتيجية الأمن القومي الأميركي, الأخيرة التي أصدرتها إدارة أوباما ظهر يوم الخميس 27 أيار (مايو) 2010م, ما هي أبرز مفاصل الاستراتيجية, وما الفرق بينها وبين استراتيجية الأمن القومي السابقة التي أصدرتها إدارة بوش, وما هي تداعيات الاستراتيجية الجديدة إزاء التطور من اليسار إلى اليمين والعكس صحيحالملفات الأمنية الإقليمية والدولية, وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط.
استراتيجية الامن القومي الأميركي عام 2010: التوصيف والمعطيات.
نشر الموقع الإلكتروني الخاص بالبيت الأبيض الأميركي, النص الكامل لاستراتيجية الأمن القومي الأميركي لعام 2010م, وفي هذا الخصوص نشير إلى النقاط الآتية:
• يقع الحجم الكلي لملف الاستراتيجية في حوالي 60 صفحة من القطع المتوسط, منها 52 صفحة تتضمن النص المتعلق بمفاصل الاستراتيجية.
• تم تقسيم النص الأصلي للاستراتيجية إلى ثلاثة أقسام, هي:
- القسم الأول: الاستعراض العام لاستراتيجية الأمن القومي الأميركي.
- القسم الثاني: المقاربات الاستراتيجية.
- القسم الثالث: ترقية المصالح الأميركية.
هذا, ونلاحظ أن استراتيجية الأمن القومي الأميركي الخاصة بإدارة أوباما, قد صدرت بعد مرور حوالي عام ونصف تقريبا على صعود هذه الإدارة, وهذا معناه, أن إدارة أوباما الديمقراطية, قد ظلت طوال الفترة الماضية, وهي عمليا بلا استراتيجية أمن قومي, الأمر الذي دفع الكثير من المراقبين إلى اعتماد وجهة نظر افترضت أن مذهبية إدارة أوباما الديمقراطية الأمنية هي مجرد امتداد لمذهبية إدارة بوش الأمنية.
برغم أن إعداد استراتيجية للأمن القومي هو أمر يتطلب بذل المزيد من الجهود الفكرية والتنظيمية الشاقة, فإن إدارة أوباما لا يمكن إعفاءها من المسئولية عن هذا التأخير, وذلك لأن الديمقراطيين لهم العديد من مراكز الدراسات وآلاف الخبراء الذين يستطيعون وضع استراتيجية أمنية خلال فترة وجيزة ومبكرة نسبيا, وبكلمات أخرى, فإن الرئيس أوباما قد صعد إلى البيت الأبيض وهو لا يحمل فكرة واضحة حول مذهبية الأمن القومي الأميركي التي يجب أن تتقيد بها إدارته, الأمر الذي جعله ينفق ثلث فترة ولايته الرئاسية تقريبا وهو بلا مذهبية واضحة.

استراتيجية الأمن القومي الأميركي عام 2010م: التحليل المضموني
جاءت السطور الأولى في استراتيجية الأمن القومي الأميركي عام 2010م وهي تلخص أزمة ومأساة العقل السياسي الأميركي المعاصر, والذي مازال أكثر تمسكا بمشروع السيطرة على العالم, وهي السيطرة التي أطلقت عليها استراتيجيات الأمن القومي الأميركي والتي اعتمدها الجمهوريون تسمية "الهيمنة الأميركية على العالم" وأطلق عليها الديمقراطيون في هذا الاستراتيجية تسمية "قيادة أميركا للعالم" وبرغم الفرق الشكلي فإن المضمون هو نفسه بين القيادة والهيمنة, وعلى وجه الخصوص عندما تسعى الإدارة الأميركية إلى إرغام الآخرين الرافضين لهذه القيادة على قبولها.
الخلفيات التي تشكل على أساسها مفهوم القيادة القسرية, التي تحدث عنها الديمقراطيون, والهيمنة المفروضة التي تحدث عنها الجمهوريون هي خلفيات سعت استراتيجية إدارة أوباما إلى إدماجها ضمن تصورين أساسيين في هذا الاستراتيجية, وهما:البينتاغون
• العالم كما هو: تحدثت الاستراتيجية عن عالم مليء بالتحديات والمصاعب التي تعرقل قيادة أميركا للعالم.
• العالم كما نريد: تحدثت الاستراتيجية عن عالم جديد يجب أن تسعى أميركا إلى إقامته, وذلك بما يحفظ تفوق مكانة أميركا, ويبقي على تبعية بقية العالم لأميركا المتفوقة!
ولم تكتف استراتيجية الأمن القومي الأميركي بذلك, وإنما سعت إلى تقديم المزيد من التفسيرات الإيضاحية, والتي أخذت شكلا دراماتيكيا عندما أشارت الاستراتيجية إلى ضرورة أن تسعى أميركا إلى إقامة نظام دولي "عادل" وبالتدقيق أكثر فأكثر نلاحظ أن كلمة "عادل" التي استخدمتها الاستراتيجية تتناقض وتتعاكس بشكل كامل مع كل معطيات مفهوم العدالة المتفق عليها في القوانين الدولية والوطنية, فالاستراتيجية الأميركية تسعى إلى تأسيس مفهوم جديد للعدالة يقوم على أساس اعتبارات "الاستثنائية الأميركية" بحيث يتسنى إقامة نظام دولي تقوده أميركا (بحسب مفهوم الديمقراطيين) أو تهيمن عليه أميركا (بحسب فهم الجمهوريين), يتضمن العديد من المكونات الفرعية منها على سبيل المثال لا الحصر:
• نظام قانوني دولي يخضع له الجميع باستثناء أميركا.
• نظام تجاري دولي يخضع له الجميع باستثناء أميركا.
• نظام نووي دولي يخضع له الجميع باستثناء أميركا.
• نظام بيئي دولي يخضع له الجميع باستثناء أميركا.
• نظام مالي-نقدي دولي يخضع له الجميع باستثناء أميركا.
• نظام عسكري دولي يخضع له الجميع باستثناء أميركا.
• نظام أمني دولي يخضع له الجميع باستثناء أميركا.
وعلى أساس اعتبارات هذه الأنظمة الفرعية المكونة للنظام الدولي الذي تسعى "العدالة" الاستثنائية الأميركية إلى بنائه والحفاظ عليه بشكل مستدام, فقد حددت هذه الاستراتيجية الاستخدام المزدوج لآليات التعامل وآليات القوة, بما يتيح الضغط على العالم, وإعادة تشكيله طوعا أو قسرا, وفقا للنموذج المطلوب أميركيا.
راهنت استراتيجية الأمن القومي الأميركي عام 2010م على تعميق مصطلح "ترقية مصالحنا" أي ترقية المصالح الأميركية من خلال أربعة محاور, هي:
• محور الأمن: وتطرق إلى تعزيز حماية الأمن الداخلي وتحديد تنظيم القاعدة كعدو حصري, إضافة إلى التأكيد على استخدام القوة وحظر انتشار الأسلحة النووية والبيولوجية, مع الإشارة إلى ضرورة قيام واشنطن باستثمار قدرة شركاء أميركا الأقوياء.
• محور الازدهار: تطرق إلى تعزيز وتطوير التعليم ورأس المال البشري وتحقيق النمو المتوازن إضافة إلى تسريع التنمية المستدامة وإنفاق اموال الضرائب بشكل عاقل.
• محور القيم: تحدث عن ضرورة المضي قدما في جعل نظام الحكم والسلطة الأميركي بمثابة المثال الذي يجب الاحتذاء به, مع الإشارة إلى ترقية الديمقراطية وحقوق الإنسان, إضافة إلى ترقية الكرامة عن طريق مقابلة الاحتياجات الأساسية المطلوبة للأميركيين.
• محور النظام الدولي: تطرق إلى أربعة نقاط أساسية, هي: تأمين التحالفات القوية – بناء التعاون مع مراكز النفوذ الموجود في القرن الحادي والعشرين – تقوية المؤسسات و ميكانيزمات التعاون – استدامة التعاون الواسع حول التحديات العالمية الرئيسية.
عند تحليل الآليات التنفيذية التي اعتمدتها استراتيجية الأمن القومي الأميركي عام 2010م, نلاحظ أنها لا تختلف كثيرا عن سابقاتها, وبكلمات أخرى, فإن مفهوم "التدخل" ومفهوم "الاستثنائية" هما الأكثر حضورا في السياسة الخارجية الأميركية, بشقيها الجمهوري "المثالي" والديموقراطي "الواقعي" فالجمهوريون يسعون إلى إرغام الواقع على قبول نموذج الهيمنة الأميركية على العالم, وإقامة يوتوبيا البيت الأبيض الأميركي, والديموقراطيون يسعون إلى التعامل مع الواقع واستدراجه بحيث يصل إلى مرحلة قبول القيادة الأميركية للعالم بما يتيح أيضا إقامة يوتوبيا البيت الأبيض الأميركي.
سعى العقل الأسطوري الشعبي إلى تقديم تفسير حول السؤال القائل لماذا ينهمك الصرصور في التهام القاذورات وأشار تفسير الأسطورة إلى أن الصرصور قد أبدى رغبته في الزواج من القمر باعتباره ابن الشمس واشترطت عليه الشمس بأن يقضي على القاذورات الموجودة في الأرض, بحيث يتسنى للعروس النزول من السماء إلى بيتها في الأرض, ومن يومها ظل الصرصور لا يألو جهدا في مساعي القضاء على القاذورات, أما الإدارات الأميركية, في فترة ما بعد الحرب الباردة, فسوف تظل لفترة طويلة تسعى إلى يوتوبيا السيطرة على العالم والتي لايمكن أن تتحقق .. والآن, وبعد مرور ما يقرب من ال10 أعوام على حرب أفغانستان, فإن الجيش الأميركي الأكثر تطورا في العالم, ومعه حلف الناتو لم يفلحا حتى في فرض الهيمنة الأميركية على أفغانستان (بالمعنى الجمهوري), أو فلنقل (بالمعنى الديمقراطي).


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...