تغييرات تركية على المعارضة السورية: نموذج طالبان خيرٌ من الإخوان

27-06-2022

تغييرات تركية على المعارضة السورية: نموذج طالبان خيرٌ من الإخوان

Image

علاء حلبي:

تجري تركيا مجموعة من التغييرات تشمل الهيكلية السياسية للمعارضة السورية والقوى الفاعلة على الأرض ضمن مناطق سيطرتها، مستفيدةً من تجارب السنوات العشر الماضية للحرب السورية من جهة، ومن المتغيّرات الدولية من جهة أخرى. إزاء ما تقدَّم، تتشكّل مقاربة واضحة المعالم حول الهدف النهائي لهذه التحوّلات، والتي تقترب بشكل كبير من نموذج «طالبان»، وتبتعد عن أهداف تركيّة، في مقدّمها دعم جماعة «الإخوان المسلمين»

منذ إعلان حركة «طالبان» سيطرتها على أفغانستان، في آب 2021، إثر انسحاب القوات الأميركية من هذا البلد، أثار النموذج الذي بنته الحركة حماسةَ تيّارات إسلامية في الساحة السورية، على رأسها «هيئة تحرير الشام» وغيرها من الفصائل المرتبطة بجماعة «الإخوان المسلمين» في الشمال السوري. وقد تبلورت رؤية تركية لكيفية استنساخ هذه التجربة، وتعديلها بما يتوافق مع الخصوصية السورية، وشبكة العلاقات المعقّدة المرتبطة بها. وصار واضحاً، مع مضيّ الوقت وتغيّر شبكة المصالح، مَيْل أنقرة لـ«قصقصة» تمثيل «الإخوان» من التشكيلات السياسية المعارِضة، والتي يُعتبر «الائتلاف» أبرزها، وهو ما نتج منه، بعد سلسلة مداولات، الإعلان عن «برنامج إصلاحي جديد» يُعيد هيكلة «الائتلاف» من خلال استبعاد شخصيات «إخوانية» منه، وضمّ أخرى محسوبة على التيّار العلماني، وأخرى مرتبطة بمجموعات مسلّحة على الأرض، بحثاً عن تمثيل متوازن لهذا المكوّن.

ويرتبط الميل التركي لتقليص الدور «الإخواني» في الساحة السوريّة بمجموعة عوامل، يتّصل بعضها بالوضع القائم في مناطق سيطرة الفصائل، وبعضها الآخر سياسي يتعلّق بالعلاقات التركية مع دول عدّة تنظر إلى «الإخوان» بوصفهم «أعداء»، من بينها الإمارات والسعودية التي زار ولي عهدها، محمد بن سلمان، أخيراً، أنقرة، حيث أعلن فتحَ صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين بعد توتّر استمر نحو أربع سنوات على خلفية اغتيال جمال خاشقجي في السفارة السعودية في إسطنبول. كذلك، بدا واضحاً التضييق التركي المتزايد على «إخوان مصر» بالتوازي مع بدء عودة العلاقات التركية – المصرية.

على الصعيد الميداني في سوريا، وبعد فشل التجارب التركية في توحيد الفصائل المعارِضة التي يقود «الإخوان» بعضها، ظهرت «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة)، كقوّة مناسبة يمكن استثمارها في خلْق حالة مماثلة لـ«طالبان»، خصوصاً بعد انفكاكها عن تنظيم «القاعدة»، وخوضها جولات متتالية من عمليات «التبييض» وتنظيف الصورة، والتي لعبت فيها أنقرة دوراً كبيراً، بعد انصياع «الهيئة» إليها بالكامل، وتحوّلها إلى سلاح ضارب بيدها، فضلاً عن انفتاح الولايات المتحدة على هذا الفصيل، وإنشاء علاقات استخباراتية تزداد قوّة مع مرور الوقت. ضمن هذا السياق، جاء التمدّد الأخير لزعيم الهيئة، أبو محمد الجولاني، إلى مناطق في ريف حلب الشمالي، بعد اندلاع معارك بين فصائل تسيطر على تلك المناطق نتيجة خلافات على النفوذ والولاءات، ترتبط بمضمونها بمعابر التهريب في محيط عفرين شمال حلب والباب شمال شرق المدينة. وجاء الضوء الأخضر التركي ليفتح الباب أمام الجولاني لمدّ نفوذه بشكل تدريجي على حساب فصائل بعضها ذو صبغة «إخوانية» كاملة، كانت، حتى وقت قريب، مقرّبة جدّاً من أنقرة، وعلى رأسها «فيلق الشام». وفي غضون بضعة أيّام فقط، تمكّن الجولاني الذي يحكم قبضته على إدلب، من فرْض نفسه في مناطق سيطرة الفصائل، ليلعب دور ضابط أمن أنهى المواجهات المسلّحة بين الفصائل من دون أيّ تدخل تركي مباشر، وأبقى على وجوده في بعض المناطق التي دخلها في محيط عفرين، بمباركة تركية واضحة. ويمثّل ما سبق ذكره، خطوة متقدّمة في مشوار توحيد مناطق النفوذ التركي، والتخلّص من عبء الفصائل المتحاربة، كما يمهّد الأرضية لاستكمال عمليات بناء وحدات سكنية لتوطين لاجئين سوريين، عبر إنشاء حزام سكني على الشريط الحدودي السوري مع تركيا، يضمن للأخيرة إبعاد الأكراد من جهة، وإنشاء موطئ قدم دائم لها في المنطقة.

وعلى الرغم من الشكل الظاهري للمقاربة التركية التي تتضمّن إبعاد «الإخوان» بشكل جزئي من المشهد السياسي والميداني السوري، تظهر قراءة سريعة للدور «الإخواني» منذ ظهور الجماعة على الساحة السورية في ثلاثينيات القرن الماضي، وما مرّت به من تجارب وتشعّب في علاقاتها، والدور الذي لعبته في «الحركات الجهادية» العالمية، والتي تبلورت في أفغانستان، وامتدّت إلى مناطق أخرى وصولاً إلى العراق ولاحقاً سوريا، عمّق الحضور «الإخواني». وبهذا، تتحوّل المعادلة التركية، بعد أكثر من 10 سنوات من الحرب في سوريا، من محاولة توسيع دور «الإخوان» في هذا البلد، إلى تشكيل حزام راديكالي مقارب لـ«طالبان» يرتبط بغطاء سياسي ذو صبغة متنوعة (الائتلاف)، يضمن لها تبرئة نفسها من دعم «الإخوان» في الساحة السياسية واستثمار الصورة المطوّرة لفكر الجماعة في الميدان السوري. وأمام هذه المقاربة، تدرك تركيا أن المشوار لا يزال طويلاً لفرضها وتحويلها إلى «أمر واقع» نتيجة عقبات ميدانية وأخرى سياسية، من بينها محاولات الفصائل منع تمدّد الجولاني وتالياً القضاء على مصالحها، فيما لا تزال حالة الشكّ من «تحرير الشام» التي لم تتمكّن حتى الآن من تغيير صورتها، قائمة، ما يفتح الباب بدوره أمام معارك مستقبليّة عديدة بين الهيئة وأذرعها من جهة، والفصائل الأخرى من جهة ثانية، قبل الوصول إلى الشكل النهائي الذي تأمله أنقرة لواقع الشمال السوري.

الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...