خلافات في اسرائيل :خطر المقاطعة ومواجهتها
برغم أن الاجتماع الأول للحكومة الإسرائيلية للبحث في تزايد المقاطعة الاقتصادية والأكاديمية لإسرائيل في العالم لم يُعقد، إلا ان الاختلاف الحاد بين المسؤولين حول سبل التصدي لهذه الظاهرة ظهر إلى العلن. وبرغم اقتراب الحكومة النرويجية الجديدة من إسرائيل خصوصاً في شأن رفض المقاطعة، فإن وزارة المالية النرويجية صادقت على مقاطعة صندوق التقاعد الحكومي للشركات الإسرائيلية التي تتعامل مع المستوطنات.
وأشارت صحيفة "هآرتس" إلى أنه تم تأجيل موعد الاجتماع، الذي كان مقررا لمناقشة المقاطعة، بسبب الخلاف الذي ظهر بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الاقتصاد نفتالي بينت بشأن التسوية مع الفلسطينيين. وأفادت بأن الخلاف يتسع داخل الحكومة الإسرائيلية بشأن سبل التصدي لظاهرة مقاطعة إسرائيل في أنحاء العالم. وأوضحت أن معسكراً يقوده وزير الشؤون الاستراتيجية يوفال شتاينتس يرى وجوب الخروج لنضال معلن شامل لمواجهة هذه الظاهرة. ويطلب شتاينتس لأجل ذلك ميزانية تبلغ مئة مليون شيكل، ويعتقد المعسكر الآخر الذي تقوده وزارة الخارجية أن هذا الاجراء سيكون لمصلحة المنظمات التي تشجع هلى المقاطعة، فقط.
وشددت "هآرتس" على وجود خلاف بين الوزارات الإسرائيلية ليس فقط حول سبل مواجهة هذه الظاهرة، وإنما أيضاً حول مقدار خطرها. وكان نتنياهو قد أوكل في حزيران الماضي لوزارة الشؤون الاستراتيجية "المسؤولية العامة لمكافحة سلب الشرعية وضمن ذلك تنسيق الجهود مع المنظمات في اسرائيل والعالم لمواجهة الظاهرة الموجهة على اسرائيل والشعب اليهودي". وأعلن نتنياهو حينها أن وزارة الشؤون الاستراتيجية ستنشئ مقراً مختصاً بهذا الشأن، وستحصل على جميع السلطات والوسائل المطلوبة. وخلق هذا القرار تضارباً في الصلاحيات بين شتاينتس ووزارة الخارجية.
عموماً فإن شتاينيتس يعتقد أن "نزع شرعية إسرائيل" ظاهرة خطرة واسعة النطاق، وهما يؤيدان استعمال توجه فعال في مكافحة المنظمات التي تشجع على مقاطعة اسرائيل، ويعتقد الاثنان أنه ينبغي بدء نضال معلن قوي لهذه الظاهرة، وانفاق موارد كثيرة في ذلك. وفي الأسابيع الاخيرة صاغ شتاينيتس مسودة خطة لمكافحة ظاهرة المقاطعة بأمل التصديق عليها في جلسة الحكومة الخاصة بهذا الشأن. وتشمل الخطة التي تكلف مئة مليون شيكل أساساً خطوات دعاية وحملات دعاية وحملات قانونية عنيفة على المنظمات التي تشجع على مقاطعة اسرائيل.
ويعارض المسؤولون في الخارجية الإسرائيلية تعريف شتاينيتس لمظاهر نزع الشرعية عن إسرائيل ويرون أنه مبالغ فيه لأنه يدرج ضمنه كل انتقاد توجهه حكومات العالم أو منظمات غير حكومية الى سياسة إسرائيل في الأراضي المحتلة وخصوصاً ضد المستوطنات. ويركز هؤلاء المسؤولون على أن المنظمات غير الحكومية التي تحث على المقاطعة الشاملة مع دولة اسرائيل وليس مع المستوطنات هامشية نسبياً، وان الخروج في حملة معلنة عليها سيكون في مصلحتها ويزيد قوتها. وتعتقد وزارة الخارجية انه ينبغي مضاءلة الرد المعلن على المنظمات التي تشجع على مقاطعة اسرائيل وان تحصر العناية في نشاط ديبلوماسي هادئ لصد مبادرات المقاطعة. وتعتقد وزارة الخارجية ايضاً ان التقدم في المسيرة السياسية مع الفلسطينيين سيضعف جزءاً كبيراً من تهديدات المقاطعة. عموماً فإن الجلسة الخاصة، التي ستعقد هذا الأسبوع، ستحسم أي طريقة من الطريقتين هي الاصح.
وقد نشرت وزارة الخارجية النرويجية يوم الخميس مصادقتها على قرار صندوق التقاعد الحكومي (GPFG) عدم الاستثمار في شركتي "أفريقيا إسرائيل" للاستثمار و"دانيا سيبوس" بسبب مشاركتهما في البناء في المستوطنات. وبحسب القرار فإنه في الأول من تشرين الثاني 2013 قدمت توصية من مجلس الأخلاق الحكومي بسحب الاستثمارات من هاتين الشركتين الإسرائيليتين "جراء انتهاك جدي لحقوق الإنسان في منطقة حرب عن طريق البناء في مستوطنات في القدس الشرقية".
وثمة أهمية للقرار النرويجي هذا، وخصوصاً أنه تم في ظل حكومة يمين وسط تعلن رفضها لمقاطعة إسرائيل. وقد أعلن نتنياهو في مؤتمر دافوس الاقتصادي أن الحكومة النرويجية صارت أكثر توازناً في علاقاتها مع إسرائيل.
من جهة ثانية، كتب المفكر اليساري الإسرائيلي زئيف شترنهل في "هآرتس" أمس أن مقاطعة إسرائيل ليست عداء للسامية. وأشار إلى أن مظاهر العداء للسامية لم تغب عن أوروبا برغم قمعها بسبب ذكريات الحرب والازدهار الاقتصادي. وبرغم إقراره بأن الفصل بين رفض الاحتلال والمشاعر المعادية لإسرائيل ولليهود صار أصعب بسبب أن "من يرفض الاحتلال يرفض معانقة المحتل"، إلا انه أكد أن النظرة الأعمق تشير إلى أن معاداة الاستيطان لا تعود إلى اللاسامية، بل إنها أقرب إلى انتفاضة ضد الاستعمار والتفرقة العنصرية القائمة في المناطق المحتلة. وإن شيوع هذا العداء في أوروبا أكثر من أميركا يعود لوعي الأوروبيين هذه الظاهرة أكثر من الأميركيين بسبب استخلاص العبر من تجربتهم الاستعمارية حيث اليسار هناك يخجل من الاستعمار خجله من اللاسامية.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد