وزير الثقافة المصري يخاف حرية المعتقد

27-09-2012

وزير الثقافة المصري يخاف حرية المعتقد

بعد يوم على تنحّي الرئيس المصري حسني مبارك، ذهب أحد أشهر رجاله إلى مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين عارضاً تقديم خدماته عليهم. لكنّ المرشد شكره، مؤكداً أنّه سيتصل به عندما يحتاج إليه. بهذا المنطق، يمكن أن يتقدم أكثر من 100 صحافي من مؤسسات الإعلام الحكومي للالتحاق بحزب «الحرية والعدالة». بعضهم كان عضواً في لجنة سياسات جمال مبارك، لكنّ الحزب الحاكم الجديد رفض انضمامهم. الشيء ذاته يحدث فى وزارة الثقافة تقريباً.

هناك محاولات من المسؤولين للتقرّب من مكتب إرشاد الإخوان على حساب الثقافة والحرية. لكن الإخوان أنفسهم لا يرضون بالتقرّب، بل بالانبطاح التام فكرياً وإيديولوجياً لهم. تصريحات وزير الثقافة المصري صابر عرب  الأخيرة تصب تقريباً في هذا الاتجاه. هي تصريحات صادمة لكثيرين، وتحديداً ما قاله خلال اجتماعات اللجنة التأسيسية للدستور حول مادة «حرية الاعتقاد». عرب بدا متخوفاً من حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية لغير الديانات السماوية الثلاث، إذ سأل: «هل من حق جماعة تعتقد أنّها تنتسب إلى ديانة سماوية كالشيعة، إقامة شعائرها وإنشاء دور عبادة لها؟». صاحب هذا السؤال الاستنكاري هو وزير ثقافة مصر لا وزير داخليتها أو مرشد الجماعة مثلاً!
ينسى عرب أو يتناسى أنّه صاحب كتاب «الدين والدولة في الفكر الإباضي» الذي كتبه عندما كان يعمل أستاذاً للتاريخ في «جامعة السلطان قابوس» في سلطنة عمان، وقد أفاض في شرح المذهب وتاريخه وأهميته، رغم أنّ كثيراً من الأصوليين يعتبرون المذهب من مذاهب الخوارج. هل حرية العقيدة مطاطة لدى الوزير؟ وهل هي مجرد حلية يستخدمها لتناسب النظام السياسي الذى يعمل في رحابه؟ أما التصريح الثاني للوزير بأنّ «صنّاع الابتذال هم من يخافون أخونة الدولة» الذي أرسله مكتبه الإعلامي إلى عدد من الجرائد والمؤسسات الإعلامية، بما فيها «وكالة أنباء الشرق الأوسط» (الوكالة الرسمية للدولة)، وفوجئ بعاصفة من الهجوم عليه، فقد دفعه إلى الاعتذار علناً. وأكّد أنّ مكتبه الإعلامي أرسل التصريح بالخطأ! مع ذلك، فإنّ سياسة إمساك العصا من المنتصف التي يسير عليها الوزير لم تعجب الإخوان الذين يريدون ولاءً كاملاً غير منقوص. لذا، ليس مستغرباً أن تخرج تصريحات من مكتب الإرشاد تطالب بإقالة الوزير مع آخرين، فضلاً عن تبنّي جريدة «الحرية والعدالة» حملة ضد إصدارات الوزارة، وتحديداً «هيئة قصور الثقافة»، معتبرين أنّها تقدم أدباً مبتذلاً. وكانت البداية مع ديوان بول شاوول «دفتر سيجارة». حملة الجريدة شملت كل إصدارات الهيئة التي ترى الجماعة أنّ الكثير من إنتاجاتها لا يرقى الى المستوى الجمالي أو الفني، إذ يشير أحد أعضاء الجماعة، وهو خالد فهمي أستاذ النقد في إحدى الجامعات الإقليمية إلى أنّ هذه الإصدارات تطغى عليها ظاهرة الـ«فرانكو آراب» في منشورات الشعر على حساب القصيدة العمودية التقليدية «باعتبارها من مظاهر التراث الإسلامي الذي لا بد من أن يمحى». ويقصد الناقد الفصيح بالـ«فرانكو آراب» قصيدة النثر وقصيدة التفعيلة طبعاً! وتقود الجماعة حملة أخرى للمطالبة بإقالة أحمد مجاهد رئيس «هيئة الكتاب». الحملة تجد قبولاً لدى وزير الثقافة بسبب خلافات سابقة بينه وبين مجاهد الذي أصدر كتباً خلال إدارته للهيئة تراها الجماعة صادمة، ومنها رواية سيد قطب «أشواك» التي كتبها قبل أن ينتقل إلى تيارات الإسلام السياسي. رغبة الإخوان في السيطرة على الهيئتين (الكتاب وقصور الثقافة) ترجع إلى انتشارهما في كل ربوع مصر، وقد أسسهما جمال عبد الناصر بهدف السيطرة الإيديولوجية للنظام على المواطنين، وهو الهدف نفسه الذي يسعى إليه الإخوان. ولتحقيق ذلك، اقترح الوزير صابر عرب تكوين مجالس أمناء للمواقع الثقافية في أقاليم مصر، على أن يختارهم محافظ المدينة لا الوسط الثقافي، ما يعني ضمان سيطرة الإخوان على كل فروع «هيئة قصور الثقافة». وفي هذا السياق، وقّع أدباء محافظات الإسكندرية والفيوم بياناً يرفضون فيه قرار الوزير ويناشدونه عدم «الاستجابة لمحاولات تدجين مؤسسات الثقافة». ولوّح الموقّعون بالإضراب والاعتصام في المواقع الثقافية، مؤكدين أنّها «إمّا أن تكون ثقافةً حُرةً وإمّا أن تكون حرباً طويلة». في موازاة ذلك، دعا المشاركون في «مؤتمر الجماليات والسياسات» الذي أقيم أخيراً في القاهرة، إلى تفعيل خطة العمل لوزارة الثقافة. الخطة التي شارك في صياغتها 25 شخصية مستقلة تهدف إلى «تحرير وزارة الثقافة من الخطاب الثقافي الموجه لخدمة أغراض سياسية معينة» على حد تعبير الفنانة فيروز كراوية، وذلك لمنع «الزواج المحرم» بين وزارة الثقافة والنظام السياسي. تحاول تلك الخطة إلزام وزارة الثقافة بتوزيع عادل لمخصصاتها المالية، وبتحوّلها من منتج للثقافة إلى راع للإنتاج الثقافي بشراكة مع المجتمع المدني، وتعديل البنية التشريعية المقيدة لحرية الرأي والتعبير والعمل الثقافي والإبداع الفني. وفي الإطار نفسه، قال المخرج تامر السعيد إنّ أكبر تحدٍ أمام المبادرة هو حصولها على دعم شعبي، وأن يدرك المجتمع أهمية الثقافة والفن اللذين هُمّشا على مدار العقود الماضية في الوجدان المجتمعي، مشيراً إلى أن وزارة الثقافة ليست شريكاً في أي عمل ثقافي، بل هي طرف معرقل، وغول يخيّم على الثقافة المصرية، إذ إنّها تلغي قدرة الناس على التفكير النقدي بدلاً من دعمه. المدهش أنّه رغم كل خدمات السيد الوزير صابر عرب لجماعة الإخوان، إلا أنّ الجماعة تعتبره منتمياً إلى التيار المدني وأنّ أداءه لا يرقى إلى «الولاء الكامل».

محمد شعير

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...