مي نصر: النوايا الطيّبة لا تكفي

04-03-2009

مي نصر: النوايا الطيّبة لا تكفي

يحار المرء في مقاربته لعملٍ فنيّ حين لا يجد تفسيراً للتفاوت بين النيّة الصادقة والحرص على الأفضل، والنتيجة النهائية لكل ذلك. هذا هو الشعور الذي قد يعتري المُستمع إلى ألبوم عازفة الغيتار والمغنّية مي نصر «للغالي...». لنبدأ من الصوت. تتمتع مي نصر بصوتٍ دافئ، ذي خامة رقيقة ونبرة خفيفة الظلّ. إنه صوت غربي الهوى والثقافة ولا يرتاح إلى الشرقي، وهو متردّد في الطبقة المنخفضة. الملاحظتَان الأخيرتَان يمكن تلمّسهما بوضوح في الأغنية التي تحمل توقيع زياد سحاب، لأنّ لحنها واسع الامتداد، متنوِّع، ويتضمن الغربي والشرقي (غير الثقيل).مي نصر خلال أمسيتها في دار الفنون يوم الخميس الماضي 26-2-2009
ماذا عن اللحن؟ بدايةً مع ألحان فريد وماهر صبّاغ، رعد خلف، هادي دعيبس ولوسيان سلوم. مساهمة هؤلاء راوحت بين الجيّد والعادي جداً. دعيبس لجأ إلى المألوف والمستنزَف في الأغنية العربية الحديثة الغرب ــــ شرقية وغير التجارية، إضافة إلى فواصل ومرافقة موسيقية شديدة البداهة. وتصح الملاحظات ذاتها على سلوم الذي رجع إلى البوب الغربي الهادئ، ذاك النمط الذي يستنسخ نفسه منذ عقود. في الألبوم، محطّة ابتهالية غربية مُختصَرة، تمرّ بسلاسة، وهي من ألحان غازي عبد الباقي. وأيضاً جرعة محمَّلة، نصاً ونغماً، بشجون الـ«فادو» (الأغنية التراثيّة المدينيّة في البرتغال) للفنانة لوردز بيريز. إنها ثنائية لبيريز ونصر، تلفت فيها عملية التسَلُّم والتسْليم بين المغنيتَيْن، إذ تمُرّ بخِفّة تصل إلى حدّ استحالة التمييز بين الصوتَين لولا تغيُّر اللغة.
أما اللحن الأنجح فحمل توقيع زياد سحّاب، «بيتِك يا نجوى» التي أفصح فيها سحّاب منذ النوتة الأولى عن عشقه لعبد الوهاب (موسيقى البداية والموضوعة الرئيسية)، هي الأجمل في «للغالي...». جاء توزيعها مناسباً لجوِّها ونصّها وفاق بذائقته معظم ما جاء في الأسطوانة. وهذا لا يمنع تسجيل بعض الملاحظات: الفقر في التلوين جعَلَ تكرار اللازمة في الختام نافراً قليلاً (وخصوصاً أن تنويعات مي الصوتية لم تسدّ هذه الثغرة). والانتقال النغَميّ (transposition) خلال هذا التكرار، قد تكون له مبرراته لكنه ليس فائق الضرورة.
في ما يخص توزيع ألحان المجموعة الأولى، هناك جهدٌ حقيقي، مع أنّه كلاسيكي ومحافظ ولا جديد فيه، وقد ذهب الجزء الأكبر منه هدراً بسبب استخدام الأصوات المُبرمَجة كلياً أو جزئياً. وأخيراً، الكلمة بالفصحى والعامّية التي اختارتها مي نصر أتت جادّة وواعية وانقسمت بين الوطني التهكمي والمقاومة والعاطفة والمعاناة... وكتبها فريد وماهر صباغ، لانا عودة، لوردز بيريز، مي نصر، جودت حيدر وإلياس غنّاج.

بشير صفير

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...