منذر مصري وشركاه

02-04-2011

منذر مصري وشركاه

أعترف بأني، بداية، شعرت بالحيرة فعلا، في إيجاد مقترب يقودني للدخول إلى كتاب منذر مصري الأخير «منذر مصري وشركاه» الصادر حديثا عن منشورات «الغاوون». والحيرة هنا، تكمن في الاقتراح المزدوج والجديد الذي يقدمه إلينا الشاعر، أكان عبر الكتابة أم عبر قراءته الشخصية التي يبدعها هو بنفسه. فأولى سمات العمل «المنذري» الجديد – وقبل الكتابة – تكمن في مقتربه لإعادة قراءة زملائه وأصدقائه الشعراء السوريين. بهذا المعنى هو كتاب يعيد فيه تفضيل «فعل القراءة»، بالدرجة الأولى، قبل أن يقوده ذلك الفعل إلى الكتابة من جديد.
هي من أفكار «منذريوس» التي تلمع فجأة، والتي لا يمكن لأحد أن يسير بها إلى نهايتها إلا منذر نفسه. نعرف جيدا، نحن الذين «نظن» أنفسنا أننا من أصدقائه، عبر لقاءاتنا وأحاديثنا معه، كيف تلمع فكرة طارئة على مخليته، وتكاد لا تنتهي السهرة معه إلا ويكون «المشروع» قد اتخذ كلّ المقومات المطلوبة. من هنا، قد تكون فكرة كتابه هذا، واحدة من تلك الأفكار التي «شرقطت» فجأة، لتأتينا بمجموعة شعرية، أظن بأنها واحدة من المجموعات القليلة التي شدتني مع بداية هذا العام.
تتلخص الفكرة الرئيسية، إذا جاز القول، بأن منذر مصري كان يضع خطوطا تحت جمل لفتت انتباهه، حين كان يقرأ الشعر في مجموعات مطبوعة أو في مخطوطات، وهي عادة امتدّت معه لسنين طويلة. بيد أنه ذات يوم، وحين كان يعيد قراءة هذه الجمل «المختارة» أحب إما أن يعيد كتابتها، أو أن يكتب انطلاقا من هذه المختارات. والنتيجة: قصائد تتماهى مع شعراء آخرين، قد لا يستطيع أي قارئ تحديد هذا الفاصل، أي أين تنتهي جملة الشاعر الآخر، وأين تبدأ قصيدة مصري.
لكن برأيي لا تكمن القضية في هذا الحدّ الفاصل، إذ أننا أمام عالم منذر المصري الخاص، الذي تتقاطع بعض أطرافه مع عوالم أخرى. أقصد هل بهذا المعنى يستعيد الشاعر هنا، مقولة الجاحظ القديمة بأن المعاني مطروحة في الطريق. وطريق منذر هنا، كانت كل هذه الكتب التي قرأها، لذلك ثمة جرأة كبيرة وثمة تواضع أجدهما في هذا الكتاب. الجرأة في أن يُقدم منذر مصري على عمل شعري جديد انطلاقا من شعراء آخرين، يدلنا إليهم ويشير إلى أسمائهم، والتواضع في هذه التحية الحقيقية التي يقدمها إلى زملاء وأصدقاء يشتركون في الهمّ الشعري.
تحية لا يجرؤ عليها إلا من امتلك قلبا كبيرا. وهذا القلب الوارف بالمحبة، هو ما يظهره الشاعر عبر هذه الكتابة التي لا ترفض الآخرين، بل تعترف بهم وتفرد لهم مكانة حقيقية في قاموسها.. هل تعرفون فعلا الكثير من الشعراء الذين يعترفون بالآخرين؟
لا أكتب نقدا في هذه العجالة. بل هي تحية لشخص جعل من الشعر وطنا كبيرا كأحلامه.


اسكندر حبش
المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...