من هو الاقتصادي وكيف يفكر

03-10-2006

من هو الاقتصادي وكيف يفكر

ليس هناك اقتصادي معروف، حتى لو كان فى حقيقه الأمر ما «حولك أحد»، كما يقول الخليجيون، الا ويسأله فرد من معارفه: من أفضل اقتصادي في هذا القطر او ذاك؟

وقد يكون أفضل جواب ما قاله أستاذ الاقتصاد في جامعة شيكاغو ميلتون فريدمان، الحائز جائزة نوبل عام 1976، والذي يعتبره نفر من المهنيين، سواءً اتفقوا معه سياسياً أم اختلفوا، أهم فرد أثر في «علم الاقتصاد» ككل، وفي السياسة النقدية على وجه الخصوص، في القرن الماضي.

إذ يقول فريدمان: «الاقتصادي من يفهم مبادئ علم الاقتصاد، ويفكر كما يفكر الاقتصاديون. وقد يكون هذا الفرد، الاقتصادي بالفطرة، لم يدرس فصلاً واحداً في مبادئ علم الاقتصاد، وقد يكون فرد آخر حاصلاً على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد، ولا يفكر كما يفكر الاقتصاديون».

وذلك لأن شهادة الدكتوراه في علم الاقتصاد لا تثبت ولا تنفي أن يكون زيد أو عبيد اقتصادياً، وتحديداً كيف يفكر الاقتصادي، سواءً أكان اقتصادياً بالفطرة، أم بالدراسة؟

بإيجاز، هو من ينظر إلى الدوافع في جميع التصرفات البشرية.

فعلى سبيل المثال: الذي يدفع الإنسان إلى التضحية بحياته من أجل «النازيين»، أو «البولشفيك» الشيوعيين، أو من أجل «التاميل» في سيريلانكا، أو من أجل فئة من المسلمين، التي سمّت قتل النفس «استشهاداً» في عام 1983، وبعد سنوات سارت على أثرها فئات إسلامية أخرى، قد تختلف معها كثيراً في تفاصيل عقائدية كثيرة.

ومن يتأمل ما قاله اريك هوفر، ويتفق كما يبدو مع تفكير من يفكر كما يفكر الاقتصاديون (أو علماء النفس التجريبيون)، فالأفراد، ذكوراً أو إناثاً، يضحّون بأنفسهم، وهذا أعلى سعر يمكن أن يدفعه الإنسان للحصول على شيء يريد الحصول عليه، ولا بد من ان المراد الحصول عليه هو «العتق» من نفسه المعذبة. ولا يقتل إنسان يميز بين الخطأ والصواب نفسه إلا إذا هانت عليه أو عليها هذه النفس، إلى درجة انه يريد التخلص منها مهما بدا ثمن التخلص عالياً، لسبب واحد: الثمن الذي يدفعه ليعيش مع عذابه الذاتي المستمر، أكثر، في نظره، من أي ثمن قد يدفعه للتخلص من هذه الذات. بالطبع قد يقنعه قائد أو زميل أو نص قرأه أو سمعه، بأنه إذا ضحى بنفسه فستحل محلها نفس أخرى سعيدة، أو على الأقل يعطيه التخلص من نفسه المعذبة مكافأة سراب الثأر ممن توهم انهم مصدر عذابه المستمر المتصاعد.

وقد يبدو، على الأقل لغير من يفكرون كما يفكر طلاب علم الاقتصاد، انه لا علاقة بين قتل النفس وغيرها من التصرفات البشرية، وبين وسائل التحليل «الحدي» كما يمارسه الاقتصاديون، (وطلاب سكيز من علماء النفس التجريبيين في معظم الأحيان).

ولكن في الحقيقة، هذه الأمور من أسس فهم «نظرية الأثمان»، وبالنسبة إلى الاقتصادي المفتون بوسائل هذا العلم في التحليل، فإن لكل شيء سعراً يدُفع وثمناً يُقبض. فقاتل نفسه، بصرف النظر عن دافعه الذاتي، في حقيقة الأمر يدفع «قيمة «حياته كما يقدرها هو، ليحصل على حياة ذاتية أفضل في نظره، أو للحصول على شيء من «النشوة الذاتية»، لإيذاء من يقدر هو انهم مصدر تعاسته. ويحسن أن نقول: ان «السعر» في علم الاقتصاد، لا علاقة له بالنقد أو العملات، ومعناه الدقيق ما يتخلى عنه المرء أو المجموعة، للحصول على شيء آخر.

ومن طبيعة الإنسان، انه (ذكراً أو انثى) لا يتخلى عن شيء في مقابل الحصول على شيء آخر، إلا إذا كان الشيء الآخر، في تقديره هو، أفضل مما تخلى عنه. وقد يكون الثمن الذي يدفعه لاستبدال شيء آخر به، دراهم قليلة أو كثيرة، أو وقت راحته، أو أمراً نبيلاً كالتخلي عن أعز ما يملك لمساعدة الآخرين، أو أقل من كل هذا بكثير أو أكثر، أو حتى نفسه من أجل التخلص منها «لعتقها» من عذابها المستمر.

وبصرف النظر عن إباحة أو تحريم قتل النفس عمداً، الذي تجمع الاديان السماوية على تحريمه، فقد قتل الكثيرون أنفسهم باسم اليهودية أو المسيحية أو الامبراطورية في «بيرل هاربور - الكوموكاسي»، أو من أجل محرض له مطامح سياسية ضخمة باسم الإسلام. والله من وراء القصد

علي بن طلال الجهني

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...