(ملامح دمشقية) لريمون بطرس.. سينما النصّ بامتياز!

08-06-2009

(ملامح دمشقية) لريمون بطرس.. سينما النصّ بامتياز!

ريمون بطرسلا أدري إن كانت تلك الإثنتان والثلاثون دقيقة التي استغرقها فيلم ريمون بطرس (ملامح دمشقية) يمكن أن تدرج في إطار الفيلم التسجيلي الوثائقي أو التاريخي، أو أن كلمة (ملامح) هنا تحمل دلالات أخرى.

فالمعلومات التي يسردها الفيلم تكاد تكون محفوظة من قبل الجميع سواء من جهة توفرها في كتب التاريخ أو في ورودها في برامج وثائقية مشابهة تم عرضها على الشاشة مئات المرات، وبالتالي فإن البحث عن الصورة السينمائية وتقنيتها مع الصوت والخلفية الموسيقية هو ما يمكن الحديث عنه على اعتبار أن مادة (الفيلم) مشغولة مراراً في البرامج الوثائقية وهي في الوقت نفسه متاحة في عدة مصادر لجميع المهتمين!. وربما يكون التساؤل الذي طرحته إحدى السينمائيات الأميركيات إثر العرض في دار الفنون، يختصر هذه النقطة إذ سألت المخرج عن التسمية التي يختارها لهذا الفيلم إن كان تسجيلياً أو تاريخياً أو أي شيء آخر... وأيضاً ما الذي يريد أن يقوله من هذا العمل بعد عدة أشهر من العمل والجهد المتواصل كما يقول المخرج؟. 
 كرّر بطرس عادة فتح أبواب الأبنية التاريخية مثل الجامع الأموي أو الكنائس أمام الكاميرا وهي تتقدم باتجاه الداخل كي تصور معالم البناء، وهي لقطة سبق أن صوّرها جميع من اشتغلوا في تصوير المباني التاريخية، وكنت أستغرب لماذا لم ينتبه بطرس إلى هذا، مع أن المفترض في هذا النوع من الأفلام المحفوظة سلفاً من جهة الموضوع، أن يعمل أكثر على تقنيات التصوير على اعتبار أن الموضوع سينمائي بالدرجة الأولى، وأيضاً من باب التغيير والبحث عن أسلوب مختلف عما سبق وفعله سواه من المخرجين...!. ‏

ورغم أن بطرس حاول الكثير على صعيد تحريك الكاميرا باتجاه الجدران والأبواب والأقواس التاريخية والأضرحة والتماثيل، إلا أن السرعة الكبيرة في المونتاج ومرور الكاميرا، كان يفترض هرولةً من قبل عين المشاهد كي يلحق بالصورة التي بدت أسرع بكثير من صوت الفنان طلحت حمدي وهو يشرح المراحل المختلفة التي مرت بها دمشق خلال آلاف السنين... فرغم اللقطات الجميلة التي تمكنت كاميرا بطرس من التقاطها لنهر بردى ومشاهد المياه والغيوم والأشجار، إلا أن الصورة السينمائية كانت تفترض الوصول إلى شيء مختلف عن الاعتياد، خصوصاً أن الموضوع محسوم سلفاً من جهة المعلومات أو النص، الأمر الذي يحول الكاميرا إلى ما يشبه قشة الخلاص التي لابد أن تنتشل الفيلم برمته من دائرة الاتهام بالتكرار وعدم إضافة الجديد!. ‏

في الفيلم، وُفّق بطرس في انتقاء صوت طلحت حمدي الذي أتى منسجماً مع الكادر العام، فرغم أن الكاميرا كانت تتجاوزه بسرعة في معظم الأماكن، إلا أنه لم يتضرر بالقدر الذي ألمّ باللقطات، وربما يعود ذلك إلى طبيعة النص الذي كتبه بطرس شخصياً، أو لأن المشاهد راح يفصل إلى حد ما بين ما تقوله الكاميرا وما يردده صوت طلحت حمدي بعملية بصرية تشبه المونتاج... لقد كتب ريمون بطرس نصاً جميلاً يفسر إلى حد بعيد كلمته بأنه حاول الدخول إلى دمشق من بوابة الشعر، وكان من الواضح أن أكثر المتميزين في تلك الاثنتين والثلاثين دقيقة، هو النص دون شك، فقد حاول ريمون قراءة تاريخ المدينة بشكل شاعري إضافة إلى مرجعية فكرية وثقافية تؤكد رحابة دمشق واحتضانها جميع الأطياف والألوان على مر العصور، وصولاً إلى إذابة كل ذلك في الصفة الأعمّ والأشمل ألا وهي تحول الجميع إلى سوريين في نهاية المطاف!. ‏

في الفيلم جهد واضح من أجل إيصال رسالة حقيقية عن ماهية دمشق التاريخية، ولاشك أن كتابة النص تطلبت من بطرس الكثير من المراجعات والقراءات والاستشارات، فهو جهد يستحق الشكر عليه بالتأكيد، لكن ما كان منتظراً إنجازه على صعيد الكاميرا كان أكبر من ذلك بكثير، خصوصاً إذا ما قارنّا تلك الكاميرا مع السوية الجيدة للنص من جهة شاعريته ودفقه الوجداني والمعرفي، وربما تفسّر الخاتمة التي اختارها لعدد من القصائد الشهيرة التي قيلت بدمشق الكثير من تلك النقطة بالتحديد...! إن الدقائق القليلات التي شكلت فيلم (ملامح دمشقية) تؤكد أنه فيلم النص بامتياز.. وهو جهد يستحق بطرس عليه الشكر بالتأكيد!. ‏

زيد قطريب

المصدر: تشرين

إقرأ أيضاً:

ريمون بطرس وعبق دمشق في "ملامح دمشقية"

«ملامح دمشقية» في عرض نخبوي في دار الفنون
 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...