مصر: الشعب يسترد ثورته .. ويحميها من الفتنة

01-07-2013

مصر: الشعب يسترد ثورته .. ويحميها من الفتنة

ـــ1ــ
صدمة للجميع.
سلطة و معارضة... جيش واخوان...الشعب نفسه صدم نفسه. لم يتخيّل اكثر المتفائلين بأن شوارع مصر ستختفي تحت طوفان البشر. لم تحص الاعداد بعد، لكن حضورها الصادم فاق حدود انها مجرد «تمرد» يطالب بانتخابات رئاسية مبكرة، او موجة ثانية لـ«ثورة 25 يناير». إنها ثورة جديدة خططت السلطة لتحويلها الى «اقتتال أهلي» (المبالغة كانت تسمها حرباً اهلية).حشود المصريين في ميدان التحرير في وسط القاهرة، أمس (رويترز)
تصوّر الرئيس، وحتى بعض قادة المعارضة أن الشعب سيكون مجرد «نداهة» تغيير، ينادي على الجيش ليبرر تغيير السلطة (أو ازاحة مرسي من القصر).
لكن الملايين أعادت تحديد قواعد الثورة، فخرج المتحدث الرئاسي ليلاً بلهجة هادئة، متحدثاً عن إمكانية تقبّل النظام الإخواني لمطالب المعارضة، وهي لهجة تمايلت في خلفيتها بين «التراجع» و«الخديعة».
الواقع تجاوز الخيال وفرض الشعب نفسه جسماً يحطم الاستبداد في طبعته «الاخوانية»، ومن حالفها من تيارات دولة المرشد.
الدهشة بدأت منذ ساعات الفجر حين بدأت الشوارع تملأ قبل مواعيد المسيرات بساعات كاملة، في اجواء احتفال بالانتصار، أي أن الشعب أعلن النتيجة ولم يصل «30 يونيو» الى مستوى المباراة، ولكن الى استعادة ثورة من لصوصها.
لم تكن تظاهرات / مسيرات / حشود يمكن اختصارها في كل الأوصاف التي لعب الاخوان و الاسلاميون على حصار «30 يونيو» بها.
ثورة تتجاوز السياسة دفاعا عن «الحياة» التي تحولت الى كابوس... ثورة اكبر من محاولة «اجهزة الدولة القديمة»(شرطة / جيش / قضاء) ترميم علاقتها بالمجتمع، واكبر من الانتقام من الاخوان والاسلاميين... وبالطبع اكبر من «المعارضة الجديدة» التي فشلت في أن تكون بديلاً وجعلت قطاعات كبيرة من المجتمع ترى الإنقاذ في «الجيش» بعد التعلم من «تجربة المرحلة الانتقالية».
الجيش الذي اتخذ خطوتين إلى الخلف، غالبا لن يتقدم بهما مرة أخرى، لكنه سيحافظ على موقعه، مرمماً صورته التي تهشّمت في مرحلة المشير.
الرئاسة تفقد كل لحظة املها في الجيش ـ ومن بعده الشرطة ـ وتحاول الكلام مع الاطراف الوحيدة التي تعرف الكلام معها (انصارها... وراعيها في واشنطن).
واشنطن ما زالت في ارتباكها (في الميــــادين لافتـــــات عن اوباما راعـــــي الإرهاب)، تحاول أن تقـــــفز من انحـــــيازها المباشـــــر، مكتفية بالنـــــــصائح وتصريحات مازالت في مرحلة «مع المصريين في طلب التغــــيير».
اما الانصار فتلعب خطابات البروباغاندا (المهزومة في معظمها) على العمى الذي يحجب الحقيقة، فيتحدثون على صفحات الاخوان عن تظاهرات محدودة، واعداد تسير خلف رموز نظام مبارك.
مرسي الآن من دون حلفاء فاعلين في الدولة او خارجها، يتحول مجرد «مغناطيس» غير فعّال لمجموعات مصالح صغيرة تشحن جمهوراً يتوق الى الشهادة.
ــ 2 ــ
رئيس جمهورية «رابعة... العدوية»
هذه النكتة تحولت أمس الى حقيقة، فلم يعد محمد مرسي رئيساً الا بالنسبة إلى المقيمين في مفترق طرق (يوصف بالميدان تجاوزا) مجاور لمسجد رابعة العدوية.
سكان رابعة كانوا جزءاً من خطة لعبت على تنفيذ الاشارة الاميركية بأن 30 يونيو «لن يكون شعب ضد سلطة»، وإنما «شعب ضد شعب».
جماهير رابعة، وحدهم الآن بلا تصور سياسي، ولا خطة يشاركون فيها لأن الطوفان اكبر من خطط مكتب الارشاد الاصلية والبديلة، وهذا ما بدا في المتحدثين باسم الجماعة او الرئاسة، كلاهما بدا أنه جاء متأخراً ولم يستوعب ما حدث.
وحده وسط الطوفان.
لا أحد يعرف بالضبط مكان محمد مرسي. يقولون إنه وعائلته في مقر الحرس الجمهوري. ظهر متحدثه في قصر القبة. لكنه مسجون فعلا بينما تتحول القاهرة وكل مدينة في مصر الى طوفان قد يغرق الرئيس، ان لم يتعلم الان دروس الطفو.
من سينقذه؟ الجيش ربما؟
مرسي فقد علاقته عملياً بمؤسسات الدولة. العلاقة الآن شكلية وبروتوكولية، حتى بينه وبين اجهزته الأمنية. هي اقوى ما لديه في تلك المحنة/اللحظة الحاسمة. يروي الكثير عن اجتماعات مع قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح السيسي وقائد الشرطة وزير الداخلية محمد ابراهيم الروايات من دون بهاراتها، وتتلخص في الآتي:
ـ الجيش رفض المواجهة.
ـ الشرطة تحججت بالتمرد بين صفوفها.
لم يعد لدى مرسي سوى رئيس حكومته (يجتمع معه لمناقشة احتياجات شهر رمضان) والمتحدث الرسمي (ليخرج ببيان عن السلمية وعن حادثة تحرش يوم الجمعة)... لا احد يكلّم الرئيس. كل بقايا مؤيديه يتكلمون عنه، بينهم الشيخ يوسف القرضاوي الذي خطب للمقيمين في رابعة متساءلا: تحملتم مبارك ولا تريدون تحمل مرسي؟!
مرسي الآن بلا سلطة على أحد، بينما السلطة الفعلية على الأرض في يد القوات المسلحة. تدور مروحياتها بين المدن المصرية، واماكن تمركزها تجعل الخطوة القادمة من الجيش، أو بمعنى آخر ينتظر الملايين لحظة ابلاغ مرسي بأن الشعب على باب القصر والقوة لاتستطيع ايقافه... ماذا نفعل؟
ــ 3 ــ
الموجة الثالثة وصلت.
الثورة ضد التسلط والوصاية وحكم العصابة.
قوة حية من المجتمع تدفع بكل قوتها كتلة الاستبداد بعفنها المتكلّس منذ اكثر من ستين سنة.
مرسي المسجون تحت ارادة حرسه الجمهوري، وارادة مكتب الارشاد، لم يفهم أن المجتمع الذي ما زال مرتبكاً امام التغيرات لن يقبل سلطة فوقية بعدما تعلم او ادرك قوته.
المجتمع يتحرك ويقود، يبني جمهوريته من اسفل، بخبرة العائد من الصمت والسكون، والغائب عن وعي الحركة منذ عشرات السنين. لكن هناك طاقة ما تحركه، او تبعده عن طريق العودة الى الثبات /السكون/ نصف الموت.
بين الثبات والحركة يبدو المجتمع مرتبكاً، لكنه قادر على صنع مفاجآت. يصدم اكثر العارفين به في تكسيره للكليشيهات او الأنماط الجاهزة، فهو عصي على التلخيص او الوضع في علبة جاهزة.
هذه الحيوية لم يفهمها مرسي وجماعته.
لم تتعلم آذان الجماعة الا «السمع والطاعة»، ويتخيلون دائما القرارات هبوط من اعلى، ولا ارادة امام قرار فوقي /أبوي/ من مكتب الإرشاد.
مرسي نفسه ينتظر قرار مكتب الارشاد. لا يمكنه حساب الموقف بمفرده او بقدراته العقلية الفردية، ولا تحمل مسؤوليته كشخص مستقل، لأنه «مأمور» وليس صاحب أمر.
ينتظر مرسي ما يلقيه مكتب الإرشاد الذي يجتمع في مقرات بديلة، و يعيش كل اعضائه في بيوت بديلة (معظمها في مدينة نصر). انهم الان في وضع الحرب ليس في مواجهة مع السلطة (كما حدث طوال 85 عاماً) ولكن في مواجهة مع الشعب.
لدى مكتب الارشاد 3 سيناريوهات رئيسية:
ــ العناد ومحاولة لملمة القوة بتدعيم التحالف مع الاسلاميين والايحاء لهم أن الهزيمة ستشمل كل «التيار»، وهو تهديد يجد صدى لدى كل الاحزاب تقريباً باستثناء «حزب النور» السلفي.
ــ الخروج الآمن والتنازل عن السلطة وفق تسوية مع الجيش (السيسي) تضمن عدم اقصاء الجماعة، او محاكمة قادتها.
ــ اللعب على الوقت، والرهان على أن التظاهرات ستتحول الى كرنفالات ينفضّ عنها الناس، ويمكن بعدها التفاوض مع الجيش على بعض الاصلاحات لتهدئة الاوضاع والاحتقان، وتشمل هذه «التسوية» توسيع مساحة الشراكة مع المعارضة.
في كل السيناريوهات الجماعة في صراع وجودي بين السلطة والتنظيم (هل البقاء في السلطة يحمي التنظيم؟ أم الرحيل وبداية حقبة اختفاء / تقية جديدة؟)
الاعداد الكبيرة في الشوارع تسحب القدرة على الاختيار بين السيناريوهات، وسيتحول مع استمرارها الى عنصر اجبار على مغادرة السلطة من دون شروط، او بمجرد الحلم بالنجاة من المحاكمة.
اليوم خفت صوت المطالبة بانتخابات مبكرة، وعلا صوت الرحيل، وغدا سيرتفع سقف المطالبة ليصبح المحاكمة واصطياد المرسي من مخبئه في مقر الحرس الجمهوري.

وائل عبد الفتاح: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...