مصر: «غيتو رابعة» يضيق على «الإخوان»

24-07-2013

مصر: «غيتو رابعة» يضيق على «الإخوان»

برغم تعدد المسيرات وأماكن الاعتصام التي لجأ إليها «الإخوان المسلمون» منذ الإطاحة برئيسهم المعزول محمد مرسي، بات اعتصام «رابعة العدوية» يشكل «الأرض الأم» التي تتجه نحوها أنظار أنصار الجماعة، فتجاوزت رمزية المكان من مجرد منطقة للتجمع والهتاف ضد الجيش، إلى «غيتو» حقيقي، يتحصن فيه أعضاء الجماعة وقياداتها.
هي جزيرة منعزلة عن أي تأثيرات خارجية، ينكفئ أهلها فحسب على الأخبار التي تبث عبر المنصة، ولا يقرأون إلا جريدة «الحرية والعدالة» الإخوانية، ولا يستمعون إلا إلى الأخبارالتي تبثها قناة «الجزيرة» أو رزمة الفضائيات الدينية الأخرى التي تبث من خارج مصر، وتتبنى موقف «الإخوان»، الأمر الذي يعطي صورة ضبابية عن مستقبل «أهل رابعة العدوية»، وطبيعة الصدمة التي ستنالهم حينما يأتي الوقت المناسب لانفضاض الجمع والعودة ثانية إلى أماكنهم الطبيعية في قرى الدلتا والصعيد.
الروايات عن الأحداث، من وجهة نظر جماعة «الإخوان المسلمين»، تختلف كثيرا عن تلك التي تسمعها من شهود العيان، أو تشاهدها عبر شاشات الفضائيات. ليست فقط مختلفة فى شرح وتحليل الأحداث، بل في تفاصيلها وعناصرها، وصولا إلى نتائجها.
رواية الجماعة عن أحداث فجر أمس، أمام قسم الشرطة في مدينة نصر، يقدمها  القيادي «الإخواني» محمد سودان على الشكل الآتي: «أولا لم نكن ننوي التوجه إلى مطار القاهرة، انطلقنا في مسيرة من اعتصام ميدان رابعة العدوية هدفها التوجه إلى الكلية الحربية ثم العودة الى رابعة مرة أخرى، في طريق عودتنا وقف الشباب يصلون الفجر أمام قسم مدينة نصر حيث تعرضنا لوابل من الرصاص».
واستدرك: «كانت لنا مسيرتان، الفاصل الزمني بينهما 10 دقائق، وأمام قسم مدينة نصر ضيقت الشرطة الطريق على المسيرة الاولى، وبدأ ضباط الشرطة اطلاق النار من اعلى القسم على المسيرة، وهاجمنا البلطجية من الخلف بالخرطوش والمولوتوف، وحين ضمت المسيرة الثانية على الاولى بدأ الصدام».
ونفى سودان تماماً وجود أسلحة مع الإخوان، مشدداً على أن «الشباب معاهم شوم (عصي خشبية غليظة قوية) فقط، للدفاع عن انفسهم».
واستطرد سودان قائلاً: «نجحت قوات الشرطة في أسر مجموعة من الشباب ـ قرابة الخمسين شاباً، وتم تعذيبهم بوحشية داخل قسم مدينة نصر». وأضاف «مكثنا أمام القسم رافضين التحرك إلا بعد الافراج عن الشباب المحتجز، وفي النهاية اطلقت الشرطة سراحهم، تحت الضغط ليحكوا لنا تفاصيل ما جرى لهم داخل قسم مدينة نصر».
وعن الضابط المختطف داخل رابعة العدوية، قال سويدان إن «ما حدث هو أن ضابطا وأمين شرطة حاولا التسلل إلى رابعة، لكن الشباب على البوابات اكتشفوهما من خلال بطاقاتهما الشخصية، وأرادوا احتجازهما، لكن قيادات الاعتصام رفضت ذلك، وأمرت بتركهما فورا».
وأكد سودان سقوط قتيلين من المعتصمين في اعتصام رابعة، قائلاً إن «كل الوفيات من جانبنا، ولاتوجد أي وفيات من الجانب الآخر».
ورفض سودان الحديث عمّن يدير الاعتصام ويعطي أوامر التحرك في المسيرات أو الرجوع، وان كان أشار إلى أن مكتب الإرشاد يدير الموقف بالتنسيق مع الأطراف الأخرى.
محمد فهيم، مهندس زراعي، جاء إلى الاعتصام بصحبة زوجته وابنتيه، قادماً من إحدى قرى محافظة دمياط (190 كيلومتراً شمال القاهرة)، وقد أمضى يومين كاملين برفقة أسرته في رحاب الاعتصام، وعندما استعد للعودة إلى بلدته الساحلية من جديد، بدا متأثراً، وقال لـ«السفير»: «المكان هنا ـ يقصد رابعة العدوية ـ فيه روح لا نجدها في قرانا، أشعر وكأني في الحج في رحاب جبل عرفات».
ويبدو أن قيادات «الإخوان» لا تشعر بقلق مهما طال أمد الاعتصام، طالما أن المقابل الذي يريدونه لم يتحقق، والمقصود بالمقابل ليس عودة مرسي بطبيعة الحال، كما يقول أحد المصادر المقربة من الجماعة لـ«السفير»، وإنما ضمان عدم إنهاء مستقبل الجماعة سياسياً واقتصادياً، والتأكيد على استمرارها في العمل في الشارع بطريقتها الخاصة التي لا تميز بين الدين والسياسة.
وبحسب ما كشفته قيادة إخوانية - تحفظت على ذكر اسمها ـ لـ«السفير»، فإن «الإخوان» مستمرة في التصعيد عبر قطع الطرق والجسور الرئيسية والتظاهر أمام السفارات الأجنبية، ومؤسسات الدولة البارزة مثل مجلس الوزراء ومجلس الشورى، متحدثاً عن أن الجماعة تجهز لمليونية «مزلزلة» في السابع عشر من رمضان ـ ذكرى غزوة بدر ـ قائلا إن «فعاليات هذا اليوم ستفاجئ الجميع».
لا يريد الإخوان الخروج إذاً من «غيتو» رابعة العدوية حتى الآن، ولا يبدو أنهم سيغادرون هذا المكان قريباً، مهما سقط من ضحايا منهم، أو من المواطنين أو حتى من رجال الشرطة الذين أصبحت أعصابهم عارية في التعامل مع احتجاجات «الإخوان» كونها تجازوت الخطوط الحمراء باختطاف ضباط شرطة والاعتداء عليهم قبل الإفراج عنهم لاحقا، لكن حالة الغضب من سلوك «الإخوان» هذا داخل بعض الفئات في الجماعة نفسها ربما يكون له تأثيرا على الأحداث في الفترة المقبلة.
ويقول أحمد يحيى، وهو أحد مؤسس حركة «إخوان بلاعنف» لـ«السفير» إن «معتصمي رابعة مضحوك عليهم باسم الدين، ومستقبل الجماعة وبقاؤها في الشارع السياسي مرهون بقدرة الشباب على تطهير التنظيم من العواجيز الذين دمّروه»، معتبرا أن حديث «الإخوان» عن عودة مرسي للحكم «عبث سياسي لأن كل قيادات الجماعة تدرك يقينا استحالة حدوث ذلك».
في ميدان النهضة في الجيزة، التقينا بمسؤول الاعتصام ـ بناء على ترشيح سودان - ومع ذلك، فقد رفض ذكر اسمه «لأسباب أمنية» على حد تعبيره.
وروى مسؤول «اعتصام النهضة» ما حدث فجر أمس قائلاً «تم الهجوم والاعتداء علينا ونحن معتصمون في ميدان النهضة بالجيزة»، لافتا إلى أنها: «ليست المرة الأولى التي يهاجموننا ونحن في أماكننا لم نبرحها».
وبتذكيره أن الصدامات لم تكن في ميدان النهضة فحسب، بل في مساحة تتجاوز ستة كيلومترات مربعة، تشمل: ميدان الجيزة وشارع مراد وشارع البحر الاعظم، وصولا إلى ميدان الدقي، شرح المسؤول «الإخواني»: «كانت هناك مسيرة متجة من ميدان النهضة إلى ميدان الجيزة ـ على بعد أقل من كيلومتر واحد ـ للقيام بوقفة ربع ساعة هناك، ومنها الى شارع مراد ثم العودة إلى ميدان النهضة، وفي الميدان تم اطلاق الكنار علينا من الحواري من قبل البلطجية والداخلية».
وبسؤاله عن حقيقة ما يقال عن أن من اصطدم بهم هم الباعة الجائلون في ميدان الجيزة والذين تعطل رزقهم نتيجة للاعتصام، قال المسؤول «مش صحيح»، مؤكدا أنهم «بلطجية الداخلية ورجالها»، ومشددا على أن «رجال الإخوان لا يحملون اية اسلحة ـ فقط الشوم ـ للدفاع عن النفس».
وعن شعوره تجاه الضحايا من الجانبين، أكد أنه «لا يوجد ضحايا إلا من جانب واحد فقط... الإخوان».

محمد هشام عبيه وماجد عاطف

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...