لبنان: الحكومة تختطف صلاحيات الرئاسة والمعارضة تهدد بالرد العاجل

29-12-2007

لبنان: الحكومة تختطف صلاحيات الرئاسة والمعارضة تهدد بالرد العاجل

لم يأت التأجيل الحادي عشر لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية، من اليوم وحتى الثاني عشر من كانون الثاني ,2008 روتينيا كما جرت العادة، بل حمل في طياته، تكريسا من رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري لاجتهاد تعليق المهل الدستورية، الذي كان توصل اليه سابقا عدد من نواب الأكثرية بالتنسيق مع رئاسة المجلس، لجهة جعل المادة 74 من الدستور هي الفيصل، وبالتالي، تجاوز مشروع التعديل الحكومي للمادة 49 ومرسوم فتح دورة استثنائية للمجلس والاقتراح النيابي، الذي صبّ، كما المشروع الحكومي، في خانة إحراج رئيس المجلس وتحميله سياسيا ودستوريا مسؤولية الفراغ الرئاسي.
وفي الوقت نفسه، لم تتردد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وللمرة الثانية منذ الفراغ الرئاسي في استخدام صلاحيات رئيس الجمهورية عبر اتخاذ المئات من القرارات والمراسيم التي من شأنها زيادة حدة الاشتباك السياسي، ولو أنها تمت بعنوان «تسيير أمور الناس وتأمين مصالحهم»، وهذه المرة «بمباركة من البطريركية المارونية» على حد تعبير أحد وزراء الأكثرية المسيحية.
ولوحظ أن مراسيم الحكومة لم تشمل العسكريين المستمرين بالخدمة العسكرية بعدما تبين أن الأمر سيثير حساسيات معينة وأن هناك مخارج يمكن اعتمادها لحفظ حقوق الضباط عبر مشروع قانون ترسله الحكومة الى المجلس النيابي.

كما لوحظ أن الأمر نفسه سينسحب على السلطة القضائية، حيث اوضح مصدر قضائي استحالة العمل بمرسوم التشكيلات القضائية الذي سبق لرئيس الجمهورية السابق إميل لحود أن جمّده منذ تشرين الأول ,2006 وذلك بسبب تقاعد عدد من القضاة منذ ذلك الحين وحتّى اليوم، وتخرّج 69 قاضياً من معهد الدروس القضائية على دورتين وضرورة تعيينهم في أي مناقلات قضائية جديدة وهذا ما يستدعي تحريكاً في معظم المراكز القضائية، فضلاً عن قيام هيئة التفتيش القضائي بكفّ يد عدد من القضاة لقيامهم بمخالفات جسيمة قد تستدعي الطرد من السلطة القضائية، وقد عمل مجلس القضاء الأعلى خلال الفترة الماضية على انتداب قضاة مكانهم.
وبين التأجيل غير الروتيني لجلسة مجلس النواب التي كانت مقررة اليوم، و«استخدام صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة» كما قال رئيس الحكومة خلال جلسة مجلس الوزراء أمس، برز موقف فرنسي لافت للانتباه، بإعلان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من القاهرة أن بلاده «انجزت ما كان عليها انجازه في موضوع رئاسة الجمهورية»، وهو كلام وضعته مصادر دبلوماسية عربية في القاهرة في خانة الاعلان رسميا عن انتهاء الوساطة الدبلوماسية الفرنسية.
وقال ساركوزي في مقابلة تنشرها «الأهرام» اليوم، انه اتصل مرات عدة بالرئيس بشار الاسد «مطالبا إياه بالمساهمة في حسن سير الانتخابات الرئاسية، في إطار احترام استقلال لبنان وسيادته». وأضاف «كان يجب عليّ أن أوضح الأمور التالية للرئيس الأسد: إن فرنسا يمكنها أن ترافق سوريا على درب إضفاء طابع الاحترام في علاقاتها الدولية. ولكن يجب أن يصل الوضع في لبنان إلى حل. إني أرى أن فرنسا قد أنجزت ما كان يتعين عليها إنجازه في هذا الشأن. فإنني لم أدخر جهدا خلال الأشهر الماضية. ويجب الآن أن تتم ترجمة الرغبة الصادقة إلى أفعال».
ونقلت المصادر الدبلوماسية العربية في القاهرة عن الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى قوله ان الأمور بلغت دائرة مقفلة في ظل تجميد الحوار الداخلي اللبناني والجمود الحاصل في المواقف الاقليمية والدولية، محذرا من أن موضوع لبنان يزداد تعقيدا يوما بعد يوم وهناك خروج متتال لقوى كثيرة من الملف اللبناني، الأمر الذي يجعلنا نخشى على الوضع في لبنان واحتمالات انزلاقه نحو أوضاع يمكن أن تؤثر سلبا على مجمل الوضع العربي.
وقالت المصادر نفسها ان الوساطة الفرنسية فشلت نهائيا والوساطة العربية باتت في حكم المعطلة «وإذا كان البعض يراهن على القمة العربية المقبلة، فإن الأمور لا تشي أبدا بالتفاؤل على صعيد العلاقات العربية العربية». ورأت المصادر أن الكل يستعد على ما يبدو الى فترة طويلة من الفراغ وعدم الاستقرار في لبنان.
وهكذا باتت الأبواب مشرعة في مطلع العام الجديد أمام واقع زيادة وتيرة الاشتباك السياسي تدريجيا، في ظل ميل واضح لدى فريق الأكثرية لتركيز حملته على الرئيس بري، ومحاولة أخذها الى حد توجيه رسائل الى الأمم المتحدة «تتهم رئيس المجلس بمصادرة السلطة التشريعية وممارسة دكتاتورية غير مسبوقة في النظام اللبناني» على حد تعبير أحد وزراء الأكثرية.
وفيما لم يأت قرار تأجيل جلسة اليوم، من عين التينة نفسها، بل بعد تشاور مسبق جرى مع رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط الذي أكدت أوساطه موافقته على التأجيل، وتحفظه في الوقت نفسه على الصيغة التي تم من خلالها، لوّح وزير بارز من فريق الرابع عشر من آذار «بفتح ملف مجلس النواب وكيفية إدارته من الرئيس بري»، داعيا الى تفعيل عمل مكتب مجلس النواب وتعديل النظام الداخلي للمجلس بما يحد من «دكتاتورية الرئيس بري» ويوفر مشاركة أكبر للاكثرية، وطالب بإدخال تعديلات «بهدف ضبط صلاحيات رئيس المجلس وتصرفاته بعدما همش مكتب المجلس وتجاهله»!
وفي السياق نفسه، عمّم مصدر قيادي في «القوات اللبنانية» ليل أمس موقفا مفاده أن رئيس المجلس «تجاوز الدور المعطى له وسمح لنفسه بتفسير الدستور وهي مهمة من صلاحية المجلس مجتمعا وقد اختزل السلطة التشريعية بشخصه وتجاوز اصول التعاطي المؤسساتي وهمش الهيئة العامة وهيئة مكتب المجلس ولجنة الادارة والعدل بعدم العودة اليهم قبل اصدار ما صدر عنه أمس».
وحذرت «القوات» بلسان المصدر نفسه «من سعي بري الى فرض سابقة تحويل لبنان من جمهورية ديموقراطية برلمانية الى نظام مجلسي بحكم الأمر الواقع من خلال التنكر لدور الحكومة في تعديل الدستور حيث وصل الأمر به الى حد ممارسة دكتاتورية أحادية تهدد الحد الأدنى من عمل السلطات».
وفي المقابل، حسمت قوى المعارضة في اجتماعات الساعات الأخيرة خيارات الرد السياسي على تجاوز الأكثرية صيغة تسيير الأعمال التي كان قد رعاها الجانبان العربي والأوروبي عشية الفراغ. وقالت مصادر قيادية في المعارضة اللبنانية انه بعد تمرير عطلة الأعياد (رأس السنة)، سيتم الاعلان عن خطة التحرك العملاني للمعارضة، وخاصة «التيار الوطني الحر» ردا على ما اسمته «الافراط في استخدام صلاحيات رئيس الجمهورية من قبل رئيس الحكومة».
ووصف النائب ميشال عون بعد ترؤسه، أمس، الاجتماع الاسبوعي لتكتل التغيير والاصلاح، ممارسة الحكومة صلاحيات رئيس الجمهورية بأنها «قصة خطيرة» و«عملية انقلابية» وقال «هذا مسار تترتب عليه مسؤوليات ضخمة وسيضرب الاستقرار فيالبلد».
وأكد عون أنه «سوف يكون لنا خطوات لاحقة نعلنها في حينها». وقال «لقد سطوا على السلطة في البداية، خلال الاجراءات غير الشرعية الانتخابية والدستورية، والآن من خلال خلق الفراغ وخلق امر واقع. وهذا شيء غير مسموح به».
وأكد رئيس «تيار المردة» الوزير السابق سليمان فرنجية «اننا سنبقى في مكاننا اذا لم يتم اعطاء الثلث الضامن للمعارضة في الحكومة المقبلة، وإذا لم يكن هناك ثلث ضامن للمعارضة ليس هناك رئيس جمهورية. لا انتخابات رئاسية. لن يحصل شيء، سيبقى السنيورة فليبق»، مؤكدا بعد استقباله وفدا فلسطينيا في بنشعي أمس، «ان الوفاق الوطني هو الطريق الوحيد للحل». وقال «نحن نريد ان نتفق على كل المرحلة المقبلة، حتى العماد ميشال سليمان اذا لم يعطنا الثلث الضامن نحن لن ننتخبه.
وقال فرنجية «من يرفض إعطاءنا 11 وزيرا فليحكم البلد وحده. وإذا ذهبوا الى النصف زائدا واحدا معناها انهم ذاهبون الى الفتنة وليتحملوا مسؤولية الفتنة».
أضاف «نحن نطالب بسلة كاملة متكاملة وإلا نحن لسنا ذاهبين لأن نسلمهم البلد. ان الثلث وهمي، فإذا أتى رئيس جمهورية وأخذنا الثلث الضامن، وبعد شهرين وهم لديهم الثلثان يمكنهم ان يستقيلوا، فتتشكل عندئذٍ حكومة جديدة حسب الاستشارات وهم لديهم أكثر من الثلث مما يسمح لهم بالاستقالة وبالتالي تعطيل عمل الحكومة».
الى ذلك، ناشدت الهيئات الاقتصادية اللبنانية والاتحاد العمالى ونقابات المهن الحرة الفرقاء السياسيين التوافق على انتخاب رئيس جديد للانطلاق بمسيرة حل للازمة اللبنانية على أسس متكافئة تعيد للبلاد عافيتها وأسباب نموها وازدهارها.
ورفضت الهيئات فى بيان مشترك لها أمس، استمرار الوضع الراهن على ما هو عليه أو التفريط بمقدرات البلاد، مشيرة إلى أن استمرار الفراغ فى رئاسة الجمهورية يعمق تداعيات الأزمة السياسية ويزيد من تعقيدات الحلول.
وطالب البيان اللبنانيين على اختلاف ميولهم واتجاهاتهم بإنقاذ بلادهم من الاخطار المحدقة بها فى ظل المرحلة الحرجة الراهنة على المستويين الإقليمى والدولي.
وأكد البيان أن الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالى العام واتحاد نقابات المهن الحرة ستعمل من أجل الانقاذ الاقتصادي والاجتماعي ولن تتخلى عن مسؤولياتها أو دورها.

المصدر: السفير
  

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...