كنان العظمة الرهافة والإحكام

06-06-2012

كنان العظمة الرهافة والإحكام

لا بدّ من أن تأخذنا تجربة العازف والمؤلف الموسيقي السوري كنان العظمة على الرغم من أنها قصيرة نسبيا في الزمن، لكنها كبيرة في التجربة الحقة والفعلية إلى الكثير من الدهشة، لا دهشة التساؤلات العادية، بل تلك التي تعرف كيف تطرح جدلية العلاقة بين التأليف والعزف. وهما قطبان يشدنا إليهما الفنان الشاب (مواليد العام 1976) ليقدم لنا تجربة مميزة، استمعنا لها أول من أمس الاثنين، في «مسرح بابل»، ضمن فعاليات «مهرجان ربيع بيروت».
أولى هذه التمايزات، التي لا تتركك محايدا، هذه «النغمية» الخاصة، التي تتأتى من طريقته في العزف، التي لا يبدو فيها مسيطراً كل السيطرة على آلته، وحسب، بل في تلك الطريقة «الحاذقة» (إذا جاز القول) المليئة بالرهافة، التي تجعله يتخطى دوره كعازف كلارينيت، أقصد لا بدّ من أن تشعر أن ثمة العديد من آلات النفخ تجتمع دفعة واحدة وهو يعزف.العظمة عازفاً على الكلارينيت في الأمسية (مصطفى جمال الدين)
من التمايزات الأخرى التي تنتبه إليها أيضا، هذه القدرة على الانتقال بين الأنواع الموسيقية. صحيح أن جوهر التأليف الموسيقي يستمد روحه من الموسيقى الشرقية، إلا أنه سرعان ما يحمل وشائج أخرى كالجاز وبخاصة «الفوزن»، لكنْ أيضا ثمة تجريب أنواع أخرى تتناغم كلها في انصهار، إن دل على شيء، فعلى هذه الموهبة الأكيدة، في الكتابة الموسيقية أيضا.
الحفل البيروتي، أتاح لنا الانتقال بين أكثر من تجربة في مسارات العظمة، إذ استمعنا إلى بعض قديمه، كما إلى بعض جديده، وهو صدر مؤخرا في أسطوانة بعنوان «مدينة مرنة» بمشاركة العازفين كيل سانا (غيتار)، جوش مايرز (باص)، جون هادفيلد (إيقاعات)، وشاركوا أيضا في الحفل على «مسرح بابل»، حيث كانت لتفريداتهم مساحة أخرى للفعل الموسيقي، بمعنى النوتات المركبة التي تتناغم في خط متكامل.
هذا الخط الذي يبدأ عادة عبر مقدمات طويلة، لتتقاطع لاحقا في بعض الاستعادات اللحنية، فيرتسم المناخ تدريجاً، قبل أن يتكامل في النهاية في مشهدية كاملة، متلونة، وفق هذا التزاوج المدهش في الأنواع، الذي يعرف كيف يسيطر عليه العظمة ورفاقه من البداية إلى النهاية.
ربما كنّا في حاجة إلى أمسية موسيقية مماثلة، على الأقل لينسى المرء كلّ هذا «التلوث» الموسيقي الذي يلاحقنا مؤخرا، وليجعلنا نثق أكثر أن ثمة فنانين حقيقيين، قادمين، يعملون بجد، وأنه ستكون لهم مكانة فعلية في المشهد، لا المحلي فقط، بل على الساحة الدولية. ثمة كوكبة شابة بدأت تتشكل في الفترة الأخيرة، من بينهم كنان العظمة بالتأكيد، الذي أخذنا بمهارته إلى عوالم ومناخات ستتبلور أكثر وتحضر بشكل أكبر، وهي لن تتأخر في ذلك.


إسكندر حبش

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...