غيتس يرى في الروبوت بديلاً

26-08-2006

غيتس يرى في الروبوت بديلاً

احتفل عالم المعلوماتية بمرور ربع قرن على صنع أول كومبيوتر شخصي من نوع «بي سي». انتجه قسم صناعة الحواسيب في شركة «أي بي ام» الاميركية العملاقة. هل ان ربع قرن هو زمن كثير، أم ان الوقت يسير بايقاع ضوئي في عالم المعلوماتية؟ أم لعلنا نعيش «أزمنة سريعة» أو بالأحرى يجرى تسريعها، بفعل عنف تغييراتها؟ ما يصح في السياسة، قد يصح في غيرها. وفي السياسة، كثيراً ما توصف القوة بأنها تُسرّع التاريخ، وأحياناً، يرفعه البعض الى صورة «قابلة التاريخ». ومن مواقع متباينة، يتشارك كثير من مفكري السياسة في وضع القوة والعنف في القلب من صناعة التاريخ: وولفانغ هيغل وفرديرك نيتشه وكارل ماركس وفون كلاوزفيتز وماوتسي تونغ وصاموئيل هانتنغتون وكلود ليفي شتراوس وهنري كيسنجر وغيرهم. والحال ان عالم الكومبيوتر، شهد عنفاً هائلاً في 25 سنة. يمكن تعقب اثر ذلك العنف، كمن يتلمس أثر غارة ماحقة. أين بات قسم صناعة الكومبيوتر الذي ولد فيه، من دون كثير عنف ظاهر، الكومبيوتر الشخصي؟ شنت عليه شركة «لينوفو» الصينية هجوماً عنيفاً (حتى بالأوصاف الاقتصادية المحضة، يوصف ذلك الأمر بأنه «عرض عدواني»)، فسقط من يد العملاق الأميركي المُهيمن، راهناً، الى العملاق الصيني الصاعد في عالمي المعلوماتية والسياسة، سواء بسواء. ماذا حلّ بذلك السوق الذي وُلد بفضل شركات الكومبيوتر، أي سوق «نازداك»، والذي وصف ذات مرة بأنه النشاط الذي سيطيح بالاقتصاد التقليدي بالضربة القاضية فيجعله نسياً منسيّاً؟ الجواب: يعيش النازداك مفارقة انه يراوح منذ سنين تحت سقف 2500 نقطة (نحو ثلث ما كانه عند صعوده قبل العام 2000)، فيما يعيش الاقتصاد التقليدي فورة في مكوّناته الأكثر تقليدية، وخصوصاً الارتفاع المذهل في اسعار النفط والذهب والمواد الأولية! أين بات الكومبيوتر الشخصي نفسه، ذلك الذي استعملت في وصفه ألفاظ مُدوّية، مثل انه «غيّر التاريخ» و «زلزل مسار الانسانية» و»أدخل الحضارة في زمن الكتروني» وغيرها؟ الجواب: انه يعيش في مسار.... الزوال! الارجح ان أكثر ما يخيم على مسار الكومبيوتر الشخصي، هو أفق الاندثار. وتدفعه الى الزوال تكنولوجيا النانوتكنولوجيا، التي ترى انه يجب ان يُصغّر بشكل مستمر، الى ان يُصبح متناهي الصغر، وعندها، يمكن ادراجه في نسيج الأشياء كلها ليذوب فيها. يمكن تخيّل عالم يصبح فيه الكومبيوتر، مُكوّناً آخر في الأشياء، إذ يُصبح وجوده بديهياً الى الحد الذي لا يعود فيه ملحوظاً. يذوب الكومبيوتر، حينها، في النظارة والسيارة وحفاضات الأطفال وعلب المأكولات وألواح خشب الأدراج وغيرها. ويقدم بيل غيتس، المؤسس الاسطوري لشركة «مايكروسوفت»، مساراً آخر لزوال الحاسوب. وإذيستشرف غيتس، الذي يُعتبر من ايقونات عالم الكومبيوتر وزمانه، يرى في الروبوت أفق تطور الكومبيوتر الشخصي. وبحسب تصريحات تناقلتها وسائل الاعلام أخيراً، يعتقد غيتس ان الحاسوب الشخصي سيصبح روبوتاً، وانه لن يستطيع التطور بصفته كومبيوتراً!

في 12 آب (أغسطس ) الجاري، حلّت الذكرى الـ 25 للكومبيوتر. وتذكّر العالم الحاسوب عندما كان في صورته الأكثر بهاء، أي أداة الدخول إلى العالم الجديد حيث الرغد في المعلومات المتدفقة سيولا عبر الشبكات والأجهزة، وفي الأموال التي تنتظر نقر الأيدي على الفأرة الإلكترونية، وفي الاتصالات التي تجمع العالم في جهاز ينام في راحة اليد أو يتكئ على سطح الطاولة (...). وبعيد انطلاقته بسنوات قليلة، وعد الكومبيوتر بكنس العالم القديم، وبجغرافيا لا تزيد أبعد مسافاتها عن نقرة على لوحة المفاتيح، إضافة إلى العالم الإفتراضي الذي لم تره أعين البشر من قبل
وكأنما كل ذلك يسير صوب الخفوت، ولم يبق منه سوى مرور الضوء فوق لوحات الأسهم المالية التي تعلن يوميا المأزق الرقمي العميق.

ويزيد في تعقيد الصورة، الصعود السريع لـ «إقتصاد البيولوجيا»، وهو كلمة السر في النقاش الساخن عن الاستنساخ وخلايا المنشأ (الجذعية)، وتدور رحاه من أروقة الكونغرس الأميركي إلى «10 داوننغ ستريت »، مروراً بروما والفاتيكان وكانبيرا و... إسرائيل. كأنما اقتصاد البيولوجيا نسخة اليوم من وعود الكومبيوتر قبل عشرين عاماً.

ولا تجدر الاستهانة بالأمر، إذا كان اقتصاد البيولوجيا ما زال يدرج في مرحلة ما بعد الأبحاث مباشرة، فإن إحتمال تحوله سوقاً رئيسة قائم بقوة، خصوصاً إذا ما قيس تطور مجرياته بتجربة الاقتصاد الرقمي نفسه. وعند إطلاقها أول كومبيوتر شخصي، الذي اشتهر تحت إسم «بيغ بلو»، لم تتوقع شركة «أي بي أم» نفساه أنها ستبيع أكثر من بضعة آلاف من الأجهزة في العالم أجمع. فقبل «بيغ بلو» كانت الكومبيوترات أجهزة ثقيلة وضخمة، تعرف باسم «ماين فريم» Main Frame لا يتمكن من العمل عليها سوى فئة قليلة من العلماء. ومع الكومبيوتر الشخصي، ظهرت الحاجة إلى برامج سهلة وعملية، يمكن أي شخص متوسط التعليم الإلمام بها.

والحال أن التكاثر الانفجاري للكومبيوتر استند إلى العمل المستمر على تطوير رقاقات أصغر وأقوى، وهو ما نهضت به أدمغة أشخاص مثل أندي غروف، مؤسس شركة «أنتل»، عملاق صناعة الرقاقات الالكترونية. وتمثلت العتلة الأخرى في برمجيات الكومبيوتر، حيث ظهرت القدرة المذهلة لبيل غيتس، التي تبدت في شركة «مايكروسوفت».

وتعطي الاتصالات نموذجاً آخر من الأمر عينه، أي العمل على زوال الكومبيوتر، إذ تنحو نحو مزيد من الاندماج بالكومبيوتر، والاتصال بالإنترنت، كما هي حال أجهزة الجيل الثالث من الهواتف الخلوية «3 ج» 3G .

وتتجه الأمور في سرعة نحو أداة واحدة يحملها كل فرد وتكفيه شؤون اتصاله مع العالم، صوتاً وصورة، وكذلك تنهض بأمور الاحتياجات المكتبية، من وثائق وملفات وجداول حساب ومجسمات وصور، إضافة إلى ربط تلك الأمور كلها بشبكات رقمية محلية وعالمية، وربما عبر الأقمار الإصطناعية.

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...