سينما ألفريد هيتشكوك.. صراع بين نزيهين

14-02-2013

سينما ألفريد هيتشكوك.. صراع بين نزيهين

تعدنا المهرجانات بتقديم الأفلام الجديدة. تعدنا بالمبتكر والمختلف. نتحمل أياما من المشاهدة المكثفة. يزيد التعب كلما عُرضت أفلام مخيبة للآمال.
الحلّ؟
أُعيد مشاهدة أقوى الأفلام التي رسخت في ذاكرتي. بعد آخر مهرجان مخيب شاهدت «فرينزي» لألفريد هيتشكوك.
في هذا الفيلم، عاد هيتشكوك إلى موطن طفولته في لندن، حيث كان والده بائع خضار. نرى نهر الـ«تايمز»، ثم تظهر جثة طـافية لامرأة خُنقت بربطة عنق. بعدها، نتعرّف إلى الفاكهانيّ، بطل الفيلم، عاشق الـفواكه، وعاشق نوع خاص من النساء. يُعجب بمطلقة جميلة تدير شركة لتزويج العزاب. يجعل هيتشكوك شخصياته تنطلق من وضعيات مشبعة بالتناقضات، وهذا ما يسهّل عليه اللعب على المفارقات والسخرية لإمتاع المتفرجين.
بين حين وآخر، يجني الفاكهـاني تـفاح النساء بطريقة سيئة. يظهر خصـمه مع لمسة كوميديا سـوداء. نرى المحـقّق الذي يعـاني سوء التغذية لأن زوجته تجرّب فيه وصفات غريبة. يعشق اللحم بالبطاطـس، بينما تقدّم له زوجته وصفات معقّدة غير صالحة للأكل. عزاؤه أن الطبّاخة الفاشلة تساعده بإشارات ذكية للقبض على المجرم، الذي خزّن جثة في شاحنة بطاطس. عاد للبحث عن الجثة ليدخل في معركة معها. تلطمه برجلها ويكسر أصابعها. هكذا، ربط المخرج بين لقطتين بالبطاطس.
ما الذي أودى بالمجرم؟
هوسه بدبوس تزيين ربطة عنقه. يقال إن كل واحد منا يحمل الحجر الذي يتعثر فيه.
في «فرنزي»، حقّق هيتشكوك سرداً أنيقاً، وإيقاعـاً سريعـاً لا يسمـح للمتـفرّج بتخـمين أو استباق أحداث الفيلم. الحدث يُعرض، والفكرة يستخلصها المتفرّج. يجري الحدث، وتظهر نتائجه معقّدة في خـمس دقائـق، وتكون النتيجة مقدّمة لحدث آخر. فيلم تفاصيل صغيرة يتم تنسيقها لتغدو صرحا مبهجا.
في هذا الفيلم، استخدم هيتشكوك الكثير من اللقطات التي يعتمدها مخرجون شباب لاستعراض عضلاتهم في اللعب بالكاميرا. هيتشكوك لم يكن في حاجة إلى هذا الاستعراض. استخدم هذه الطريقة خاصة في لقطة شهيرة بعد مرور ستين دقيقة من الفيلم. لهذا، قال فرنسوا تروفو عن «فرنزي» إنه فيلم بأسلوب مخرج شاب. أكّد تروفو أن أفلام هيتشكوك لا تشيخ. كان ذلك علامة على الطزاجة الإبداعية للمخرج الذي لم يستـطع أحد منافسته في شباك التذاكر. ولا في إثارة الجدل.
خصّص له تروفو حواراً مطوّلاً نشر في كتاب. كما خصّص له المخرجان الفرنسيان الآخران في الموجة الجديدة كلود شابرول وإيريك رومر كتاباً يحتفيان فيه بعبقريته. فيه، يكشف المخرجان أن هيتشكوك أخرج، في بداياته، فيلمين فاشلين، فرأى أن مستقبله مهدّد كمخرج. أوقف تجاربه فوراً، وتصالح مع المطالب التجارية للمنتجين، وانخرط في إخراج أفلام بوليسية. هكذا، بدلاً من أن يرفع الجمهور إليه، توجّه إلى الجمهور، وأخذ يزرع فيه الشك في كل لقطة. في أفلامه، لكل لقطة هدف. هو يتصوّر الفيلم كخطوط لها اتجاه معين. يركّز كثيراً على الحبكة، ويتجنّب التحوّلات الفجائية غير المبررة. أكّد الكاتبان أن هيتشكوك وظّف ميلودراما شعبية برمزية مؤثّرة تلتقط جحيم الحياة اليومية. أبدع في خلق الأجواء التي تؤثّر في الجمهور، مستخدماً خياله في البرويتاج. تجنّب ما يُسهل تموقُف المتفرج من بداية الفيلم مع أو ضد. أي أنه لم يصوّر شخصيتين واحدة على حقّ والأخرى على خطأ، بل في أفلامه صراع بين نزهاء، وهذا يضاعف التشويق. إذا حصل خطأ ما، فهو خطأ النوع البشري لا خطأ فرد معين.
بمثل هذه الأفلام تُعالج صدمات المهرجانات المخيبة للآمال.


محمد بنعزيز

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...