سورية ودلالات "الحرب الأهلية" الملتبسة

04-12-2012

سورية ودلالات "الحرب الأهلية" الملتبسة

الجمل -  جاكلين أوتكا- ترجمة: مالك سلمان:

 
أثارت دلالات الحرب الأهلية نقاشات مستفيضة على مرِ السنين – فالإرهابي, في نظر شخص ما, هو مناضل من أجل الحرية, من وجهة نظر شخص آخر. تتغير هذه الدلالات بشكل دائم: فقد كتب جورج أورويل في عمود في صحيفة "تريبيون" عام 1944: "عندما اندلعت الحرب [الأهلية] الإسبانية جاءت ‘بي بي سي’ باسم ‘الثوار’ للدلالة على أتباع فرانكو. وغطى هذا حقيقة كونهم متمردين مع إضفاء الاحترام على التمرد." الآن, تغيرت الأمور واكتسبت كلمة "ثائر" – المستخدمة, مثلاً, للإشارة إلى المقاتلين "المناوئين لأمريكا" في العراق – دلالة سلبية أكثر من كلمة "متمرد".
كما يؤثر وصفُ المشاركين في الحروب بأسماءَ مختلفة على مشاعرنا نحوهم, فإن الاسمَ الذي نطلقه على كل حرب مهم بحد ذاته (مثلاً, "الحرب الأهلية الأمريكية" مقابل "حرب العدوان الشمالي"). إن الإشارة إلى "قمع" الأسد للمعارضة السورية تستدعي طلبَ مساعدة العالم واهتمامه وإدانته؛ فتسمية النزاع ب "الحرب الأهلية" الشاملة, كما تسميه وسائل الإعلام مؤخراً, يعني تضمينَ شيء مختلف كلياً. ودون تفضيل أحد هذين التوصيفين على الآخر, من المفيد النظر إلى ما يعنيه هذا التوصيف الأخير بشكل دقيق.
يتم تعريف الحروب الأهلية بشكل عام بصفتها حروباً بين مجموعتين أو أكثر داخل دولة قومية معينة. وفي الحالة السورية, اللاعبان الرئيسان هما الحكومة السورية والمعارضة. والمعارضة جسد معقد بحد ذاته, حيث يحتوي على مجموعات عديدة متباينة متحدة, مع ذلك, في رغبتها للإطاحة بالحكومة الحالية.
باحث واحد على الأقل قال إن على الدولة أن تكون أحد الأطراف لكي تُعَدَ حربٌ ما "أهلية", ولكن من الناحية العملية كل شيء يعتمد على منظور الشخص (ولكي نأخذ مثال "الحرب الأهلية الأمريكية" مرة أخرى, نظر كل من الطرفين إلى نفسه بصفته "الدولة" – هكذا كانت طبيعة النزاع برمته). ويقول مؤرخون من أمثال جون كيغن إن شروطاً أخرى يجب أن تتوفرَ قبل أن يتم اعتبار حرب ما أهلية – بما في ذلك حضور البذات النظامية – لكنه ينتمي إلى رأي الأقلية.
تغيرت طبيعة الحرب الأهلية بشكل كبير منذ القرن العشرين. ففي السنوات المائة الأخيرة, تزايدت الحروب الأهلية في عددها ومداها الزمني. ومن باب المفارقة أن النتيجة هي أنها أصبحت أكثرَ وأقلَ أهمية.
فمن ناحية, يستمر العديد من الحروب الأهلية الدموية في زوايا صغيرة مهملة من العالم مع عدم اكتساب معظم الناس لأي نوع من الحكمة. ومن جهة أخرى, فإن أحد الملامح الرئيسة للحرب الأهلية الحديثة هو تدخُل العوامل الخارجية؛ هناك سلاح من البلد (س) والدعم من البلد (ع), والدولة (ت) تهددك بالغزو إن لم تنجح في حل المشكلة مع نهاية شهر كانون الأول/ديسمبر. ويبدو توصيف نزاع معين على أنه "حرب أهلية" وكأنه يبرر خلق المسافة الشعورية – إنها حربهم, فلماذا نتدخل؟ - والعمليات السرية (عن طريق الحرب الباردة) من جانب مراقبي البلدان الأجنبية.
في الحالة السورية, أصبح استخدام "الحرب الأهلية" أكثر شيوعاً في الأشهر الأخيرة. وكان أحد مراقبي الأمم المتحدة أولَ شخص يستخدم هذا المصطلح في حزيران/يونيو الماضي, ويبدو أن هذا المصطلح يستخدم الآن دون أي تعليق.
والآن, ما هي أهمية ذلك؟ العنف هو العنف, وأشك أن المدنيين السوريين يقضون ليلهم في التفكير بالأسماء التي يطلقها صناع السياسة على أيامهم ولياليهم المليئة بالرعب.
ومع ذلك تبقى حقيقة أن رميَ اللاعبين الدوليين لهذه الكلمة يمنة ويسرة يمكن أن يؤثر على مستقبل سورية. خذ مثلاً عبارة الأسد الأخيرة بأنه سوف "يعيش ويموت" في سورية. يأتي هذا الكلام رداً على عروض ديفيد كاميرون وآخرين بتقديم مأوى له في بلدانهم في حال دعا إلى وقف إطلاق النار. وفي جوهره, يلعب تعليق الأسد بورقة "الحرب الأهلية" ضد الغرب – من خلال تأكيده أن هذا النزاع سوري فقط, وليس هناك أي داعٍ لأحد لكي يتدخل. وقد نقلت "التايم" مؤخراً أن الرئيس أوباما, المعاد انتخابه مؤخراً, يتلقى اتصالات تطالب بمعرفة إن كان يخطط لتغيير سياسته حول سورية – أو, لنعودَ إلى مصطلحنا المفضل, إن كان يخطط للتدخل في الحرب الأهلية.
إذاً, دلالات الحرب ليست مجرد دلالات – وبينما تتابعون الأوضاع في سورية, انتبهوا جيداً إلى كل كلمة وإلى ما تتضمنه بشكل دقيق.

الجمل: قسم الترجمة 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...