سعاد جروس تكتب عن رئيس الحكومة ومزبد وأبي العيناء

08-12-2006

سعاد جروس تكتب عن رئيس الحكومة ومزبد وأبي العيناء

الجمل- سعاد جروس :   (قيل لمزبد: أيولد لابن الثمانين؟ فقال: نعم, إذا كان له جار ابن ثلاثين). ونحن نحتكم الى القراء في ما قاله رئيس حكومتنا في اجتماع قيادات فروع أحزاب الجبهة ومكاتبها السياسية الذي عقد في دمشق الأسبوع الماضي, وبشر الحضور بأن معدل البطالة لغاية منتصف العام 2006 لا يتجاوز نسبة 8,6% فليس لدينا إلا 462 ألف عاطل من العمل, إلا أن الصحفيين يبالغون بالتشاؤم والأرقام, فيزيدونها بشكل مجحف. إذاً, العلة ليست في العاطلين من العمل, وإنما في تعطل ضمير ووجدان الصحفيين «الحاقدين»؛ التوصيف الذي يفضله وزراؤنا المحترمون للرد على المنتقدين. جواب مزبد في الطرفة التراثية, يصلح للإجابة عن سؤال, كيف ينخفض عدد العاطلين من العمل من 636805 العام 2002 إلى 462000 العام 2006, علماً أن الرقم الأول معتمد في تقرير التنمية البشرية للعام 2005, القائل ان نسبة البطالة هي 11.87 من قوة العمل, فيما عدد المسجلين في مكاتب التشغيل أي الباحثين عن عمل في العام 2004, هو 908000, أي نسبة البطالة وفق هذا الرقم هي 20%. ويفسر تقرير التنمية الفرق بين إحصاء 2002 ورقم مكاتب التشغيل في العام 2004, باحتمالين الأول؛ التباين بين الأرقام الحقيقية والأرقام الرسمية, والاحتمال الثاني؛ ارتفاع نسبة البطالة المقنعة, مما يدفع بعدد كبير من الذين يعملون عملاً دون مستوى مؤهلاتهم للتسجيل في هذه المكاتب. على الضد من تفاؤل رئيس الحكومة, يتشاءم تقرير التنمية ويتوقع زيادة حدة البطالة في المستقبل القريب بين خريجي الجامعات وانخفاض مستوى الإنتاجية الوسطى للعمل, بسبب ضعف عملية التطوير, علماً أن مكاتب التشغيل وفرت بشق الأنفس 57970 فرصة عمل, وهيئة مكافحة البطالة ناضلت لتوفر 60720 ألف فرصة من أصل 88000 مطلوب توفيرها, وإذا جمعنا رقمي فرص العمل لن يتجاوز 118690فرصة, وإذا طرحنا النتيجة من رقمي العاطلين, لن يصل الناتج الى الرقم الذي أفصح عنه رئيس الحكومة, وبأحسن الحالات سيكون الفرق 56115 , أسقطهم رئيس حكومتنا من الحساب, ولا نشك في أن حسابنا بهذه الطريقة خاطئ جملة وتفصيلاً, إذا تعاملنا مع أرقام البطالة كمعطيات ثابتة دون مراعاة عدد المتدفقين سنوياً إلى سوق العمل, والمنطق الأنسب لتفسير دقة الرقم الذي رشقه رئيس الحكومة في وجه الحضور قبل أن يمضي مبتسماً بمنتهى الود, ليختفي بسرعة البرق, لتلافي انهمار الاستفسارات من كل حدب وصوب, منهياً الجلسة, هو قوله: «هناك شوية عجز وإن شاء الله الأمور بتنحل» من دون أن يحدد نوع العجز, لكنه طمأن الحضور إلى أن الأمور ستنحل, بمعنى سيبقى كل شيء راسخاً على حاله, حتى يتحلل وينحل ويتلاشى بفعل عوامل الحت والتعرية, حسب قانون الطبيعة السوري, وهو قانون أتاح لرئيس الحكومة التفاخر بأن لا فقر «مدقع» في سوريا ­ ألف حمد وشكر لك يارب ­ فمؤشر الفقر يسجل تحسناً ملحوظاً, في تقرير التنمية البشرية, منوهاً إلى ان مقياس الفقر المعتمد يقاس بتوفير الخدمات, وبما أن الخدمات متوافرة بشكل نظامي أو سرقة, إذ لا فرق بمعايير الحكومة, طالما المواطن سيدفع بالتي هي أحسن, بواسطة فواتير نظامية أو رشا. وهكذا لا وجود للفقر المدقع, الناس كل الناس حتى الشحاذون يأكلون ويشربون ويتنفسون, ومن فرط كرم الحكومة وعطف وزير المالية, أن التنفس مجاني, لم تقربه بعد ضريبة الرفاهية... نعمة كريم. وبقدر ما أصاب الحضور من ذهول بأرقام رئيس الحكومة المتفائلة, بقدر ما اسودت الدنيا بأعينهم في اليوم التالي, بعدما طالعهم أربعة وزراء أنيقين دفعة واحدة وفتحوا عليهم نيران الجحيم: النفط والنقل والكهرباء, آزرهم نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الاقتصاد, على طريقة الأفلام العربية (أنا مش أبوك يا أحمد), كشفوا حقائق الأرقام الاقتصادية؛ الدولة لم تعد تحتمل دعم المواد الأساسية: وزارة النفط تتكبد شهرياً 100 مليون دولار أميركي, شركة الغاز مستدينة من المصرف السوري الذي توقف عن فتح اعتمادات لها, إذا لم تسدد ديونها. أما وزارة الكهرباء فقرشت شكواها بالسوري, وقالت انها تخسر 59 قرشاً سورياً بكل كيلوواط, وهي تهب لكل مواطن 600 كيلو شهرياً ­ الله لا ينور عليه, ومم تشكو الشموع, أم يدعها المواطن للمواقف الرومانسية فقط؟ ثم جاء دور نائب رئيس مجلس الوزراء, فسوغ مرارة الحقائق بوسامة لا تقاوم, فابتلعها الحضور على مضض, لأن الله جميل ويحب الجمال. تمهيدا لدور ستؤدية قيادات أحزاب الجبهة التقدمية, إذ عليهم عاجلاً وليس آجلاً تولي تزويق ما قيل وتزقيمه للمواطنين على رواق, وإذا احتاج الأمر بلا جمال ولا تجميل؛ لتأهيل الجماهير الكادحة لتأدية دورها التاريخي في الوقوف مع الحكومة في محنتها والانتصار لإجراءاتها الاقتصادية باعتصام حامي الوطيس, وأن تطالب (وهذا هو دورها الايجابي البناء) برفع الدعم عن المازوت والكهرباء والغاز والخبز وكل علامات الفقر غير المدقع, وشن حملة تبرعات وطنية تحت شعار «البحصة تسند خابية, أو جرَّة, والأصح حكومة» لإنقاذ الاقتصاد وابتسامة رئيس الحكومة المشعة التي ليس لهم غيرها تنير ليلهم البهيم, إذا خلص الدعم وانقطعت الكهرباء والمازوت والغاز, وللعلم أيضاً, لن يدثرهم غيرها حين يذوب ثلج الدعم ويظهر الفقر المشحر. والذي يحز بالنفس, ترى لو أن أحد الصحفيين قام بنشر تلك المعلومات التي دلقها الوزراء الأربعة في اجتماع قيادات فروع الجبهة, هل كان سيسلم من اتهام الحكومة له بوصفها المشهور: حاقد لا يرى سوى الجزء الفارغ من كأسنا الوطنية؟ ما قول رئيس حكومتنا بما قاله وزراؤه, وما رده على قول إحدى المشاركات في الاجتماع, ماذا كنتم تفعلون حتى وصلنا الى هنا؟ كل ما نتمناه ألا تأتي إجابته: حسبي الله ونعم الوكيل؛ فليدعها لنا, لكن ليس قبل سماعه هذه القصة: (سأل أبو العيناء إبراهيم بن ميمون حاجة, فلم يلبه واعتذر إليه, وأعلمه أنه قد صدَّقه. فقال له أبو العيناء: والله قد سرني صدقك لندور الصدق عندك, فمن كان صدقه حرمانٌ, كيف يكون كذبه؟).

الجمل بالاتفاق مع الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...