بين مازار بن دوف اليهودي وتلفزيون (الدنيا) السوري

27-09-2007

بين مازار بن دوف اليهودي وتلفزيون (الدنيا) السوري

الجمل- محمد سعيد حمادة:  في أوائل تشرين الأول / أكتوبر من العام 2003 بثت القناة العاشرة في التلفزيون "الإسرائيلي" مناظرة بين عالم الآثار "الإسرائيلي" مازار بن دوف وبين آثاري غربي آخر هو غابي بركاري، كذّب فيها الأول الأخير في ما ادّعاه من اكتشاف ختم طيني قطره سنتيمتر واحد وقد كُتبت عليه ثلاثة أحرف عبرية هي "يهو". إذ احتجّ بن دوف يومها، وهو الذي قلب كل ذرة تراب في محيط المسجد الأقصى منذ الاستيلاء عليه في العام 1967، على بركاري بالقول إن الحديث عن "عمليات حفر تمت في المكان ثم وضع الأتربة والركام في سيارات تخرج بحمولتها وترميها في مكان بعيد ثم يأتي شخص ويقول عثرت على قطعة أثرية، وقبل أن يدرسها يعلن أنها تعود للهيكل الأول، أيّ علم هذا؟ وأية طريقة بحث؟ ومن يضمن ألا تكون القطعة التي يتم الحديث عنها قد زُيِّفت؟ فمن غير المعقول أن يأتي عالم آثار ويقول إنه اكتشف كتابة من ثلاثة أحرف ليقدم تاريخًا للقدس". طبعًا قامت الدنيا في "إسرائيل" يومها، خصوصًا وأن اليهود كانوا يعقدون مؤتمرًا أثريًّا بجوار المسجد الأقصى، إلا أن الأمر انتهى بهم إلى أن دائرة الآثار "الإسرائيلية" عقدت مؤتمرًا أعلنت فيه أن الحجر الذي "اكتشفه" بركاري كان مزيّفًا وأنه بعد شهرين من التقصّي الذي قامت به لجنتان من المختصين تبين زيف ادّعاء بركاري.
ولم ينته الأمر عند هذا الحد، بل ظلّت المحاولات "الإسرائيلية" قائمة في التنقيب حول ما تدّعي الأسطورة اليهودية أنه "إسطبلات سليمان"، وهو المصلّى المرواني الذي قامت دائرة الأوقاف الإسلامية بتنظيفه منذ ما يقارب السنوات العشر، وقد كان رئيس الوزراء "الإسرائيلي" إيهود باراك يومها على رأس الذين احتجّوا على عملية التنظيف التي اعتدت على تاريخ "الشعب اليهودي" كما ادّعوا. استمرّت الحملة والأمثلة لا تعدّ حول المحاولات "الإسرائيلية" المتكرّرة في الاعتداء على المسجد الأقصى، والتي كان آخرها ادّعاء سلطات الآثار "الإسرائيلية"  بـ"اكتشاف المحجر الذي زود ما يسمى الهيكل الثاني بحجارة البناء شمال القدس"، والذي ردّ عليه الدكتور محمد رمضان الآغا، وزير السياحة والآثار في حكومة السيد إسماعيل هنية، في بيان له بأنه أكذوبة "يضحكون بها على أنفسهم؛ بأن لهم هيكلاً يزعمونه في المسجد الأقصى وفلسطين". وأضاف أنه "ليس ابتداعًا من اليهود أن يقولوا إن أحجار المسجد الأقصى مقدسية، وليس غريبًا أن يتم اكتشاف أصل أحجاره، ولكن الخطير أنهم يستغلون ذلك في أعمالهم الحفرية والتنقيب تحت المسجد الأقصى تمهيدًا لهدمه". وحذّر الوزير في بيانه  من أن "صمت العالمين العربي والإسلامي إزاء ما يحدث من تهويد لمدينة القدس والمسجد الأقصى، جعل حرمة المقدسات العربية والإسلامية مستباحة في المدينة من قبل الاحتلال الصهيوني".
كل ما سلف أمر تعوّدنا عليه، ذلك أن "إسرائيل" مبنية على الوهم والكذب والدعاية، إلا أن الغريب والجديد في الموضوع أن تتبنّى فضائية سورية تمارس عملها في دمشق الادّعاء اليهودي وتبثّه على أنه مكتشف علمي جديد وأمر واقع يجب على مشاهدي قناة "صوت الناس وصورة الحياة" وتلفزيون "الحرية والمسؤولية" تصديقه والتسليم به لأن القانون في سورية لا يُطبَّق إلا على الفقراء والضعفاء من أمثالنا.
فبعد أربعة قرون على تبنّي بعض الآثاريين في الغرب أسطورة التوراة في أحقية اليهود بامتلاك فلسطين حسمت قناة (الدنيا) النقاش نهائيًّا حول ما قاتل اليهود قرونًا أركيولوجية لإثباته ودفعوا الغالي والنفيس لشراء حجر صغير يحوّل الوهم إلى واقع، وذلك يوم الثلاثاء الواقع في 25/9/2007 عندما بثّت على شريطها الإخباري ما نصُّه "اكتشاف حجر في إسرائيل يثبت أن الهيكل بني منه".
هكذا، وبهذه البساطة يمرّ الخبر عشرات المرات على شريط (الدنيا) من دون أن يُحدث أية هزة سياسية في سورية التي دفعت، وعلى مدى عشرات العقود، ثمن تكذيب هذا الوهم بشرًا من لحم ودم. وبعد أن اختفى الخبر من الشريط الإخباري انتظرت أن تتحدّث وسائل الإعلام عن الموضوع، ولا سيما المواقع الألكترونية السورية، إلا أنني أُصبت بخيبة أمل ممتازة، ففكرت بـ "سذاجة المواطن السوري" أن "وراء الأكمة ما وراءها"، إذ ليس من الممكن أن يمرّ هكذا أمر في سورية ويتمّ التعتيم عليه من دون "توجيه" بتجاهل الأمر وطيّ الموضوع.
قد يقول قائل إن الخبر "نزل سهوًا" ومن دون أية خلفيات متبجّحًا بوطنية رأسماله، وأن مغفّلاً أو قليل خبرة قد "دفشه" إلى الشاشة، وهذا الكلام مردود على أصحابه لأنه لا ينطبق على علم قائم بحدّ ذاته يدفع العالم مليارات الدولارات عليه كالإعلام.
 وبما أننا ندفع كمواطنين ثمن صراعنا الوجودي مع هذا العدوّ الذي يحاربنا في حقّنا وأرضنا وديننا، وقد قبلنا على مدى عقود دفع ثمن "معركة المصير القومي"، فإننا نطالب دولة رفع الدعم الساهرة على راحتنا ليل نهار وعلى سهرنا أمام محطّات الوقود بفتح تحقيق "شفّاف" وعلني مع كل "الأبرياء" الذين ساهموا مختارين أو مكرهين أو ساذجين في نشر هذا الخبر الذي ظلّ أتباع منهج "جغرافية التوراة" يحاولون نشره بيننا منذ خمسة عقود وبكل السبل والحيل التي أتيحت لهم ولم يفلحوا، وجاء من قدّمه لهم على طبق الفضائية المقدّسة "ببلاش"، وإن ثبت أنه مدفوع الثمن. وعلى الجميع أن يدفع الثمن كي يتأدب غيرهم من المراهنين على أنهم سيعيشون بتبات ونبات مع الجارة العزيزة "إسرائيل" بعد مشاركتها بالاستثمارات السياحية على ضفاف طبرية أمُّ نذورنا وذاكرتنا وتكويننا.
أيضًا، قد يقول قائل آخر إنه يجب الخروج من عقلية المؤامرة والتخوين، وهو قول مردود على صاحبه لأننا دفعنا في الماضي وندفع اليوم "برًّا وبحرًا وجوًّا" ثمن تفكيرنا بوجودنا وحياتنا الذي إن لم يعجب قادة "معركة المصير القومي" فإن تهمة "إضعاف الشعور القومي" أو "إلهاء الجماهير عن المعركة الأساسية" كفيلة بحرمانه من عائلته ومحبيه إلى أجل غير مسمّى. وبما أنني ضدّ إلهاء الجماهير وفي قلب المعركة القومية، لأنني واحد من الذين ينتظمون في الطابور ولا يجرؤون على "طحش الدور"، فلا بدّ لي من التذكير أنه إذا كان من بدهيات علم القانون أنه "لا يحمي المغفلين"، فإن من بدهيات علم السياسة أن "المغفّل أخ الخائن"، خصوصًا وأن ما قدّمته (الدنيا)، وإن خفّف رجال "البزنس" من هوله، فالكل يعلم أن "إسرائيل" تدفع ثلاثة أرباع ميزانيّتها ليمرّ خبر كهذا في سورية.
من المؤكّد أن إيلات مزر العاملة في معهد الآثار في الجامعة العبرية وزميليها عالمي الآثار التوراتيين غابي بركاري وتسمي تسفيغ لو أنهم يقرأون العربية وشاهدوا ما شاهدناه سيذهبون إلى مازار بن دوف وإسرائيل فلنكشتاين عالمي الآثار "الإسرائيلييين" متبجّحين بـ "طقوا موتوا" (الدنيا) كلها معنا وقد بثّتها دمشق إلى الدنيا كلها.

************

تنويه من إدارة تلفزيون الدنيا حول مقالة الأستاذ محمد سعيد حمادة: ورد الخبر على شريطنا كما يلي: زعمت رويترز اكتشاف محجر أثري قالت أن حجارته استخدمت في بناء الهيكل.. -خبراء آثار: لا وجود لأي آثار تدل على وجود الهيكل في القدس..

الجمل
 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...