المسلسلات القصيرة تنقذ الدراما من الملل

01-07-2009

المسلسلات القصيرة تنقذ الدراما من الملل

يصاب الجمهور العربي كل عام خلال شهر رمضان بداء الدراما الغزيرة من خلال عرض أكثر من 300 عمل عربي عبر ثلاثين شاشة على الأكثر، ليقع فريسة للتخمة التي تجعله يتجاوز الإشباع إلى حد الملل. وإذا كان المشاهد على هذا النحو، فكيف بالنسبة للممثلين الذين يؤدون أدوارا في أكثر من خمسة أعمال سنويا؟ وكل المسلسلات تمتد إلى ثلاثين حلقة أو أكثر وبعضهم ينتقل إلى الأجزاء المتسلسلة مثل “باب الحارة”.

قبل سنوات نالت المسلسلات القصيرة، من سبع حلقات أو عشر أو 15 حلقة رواجاً وأحبها الجمهور لقدرتها على اختصار الأعمال في حلقات محدودة ومحبوكة، بينما نعاني اليوم من التطويل في المسلسلات. فهل لهذه المسألة علاقة بمطالبة البعض بضرورة العودة لأيام الثلاثيات والرباعيات والسباعيات وغيرها من المسلسلات محدودة الحلقات؟ وما الدور الإيجابي الذي تؤديه الأعمال القصيرة؟ مخرجان وممثل وكاتب روائي ودرامي يقولون كلمتهم حول هذه القضية في هذه السطور:

المخرج والفنان محمد شيخ نجيب يقول بداية: دائما نلام نحن المخرجين في مسألة المسلسلات المؤلفة من ثلاثين حلقة وكأن الأمر بأيدينا، على المتابعين والمهتمين أن يعرفوا أن لا علاقة لنا بذلك، مثلنا مثل الممثلين في هذه المسألة.

فالأمور تدور على الشكل التالي: تطلب الشركات المنتجة منا إخراج هذا العمل أو ذاك، وبطبيعة الحال سنوافق على الطلب لأن 99% من النصوص الموجودة في مكاتب تلك الشركات مؤلفة من ثلاثين حلقة فلا خيار آخر لنا. بالطبع لو توفر لنا عامل الاختيار، أي لو وجد عند الشركات نصوص لمسلسلات من ثلاثين حلقة وأخرى من 15 حلقة أو ثلاث حلقات، لاخترنا الثلاثيات أو الرباعيات أو حتى سهرة تلفزيونية من ساعة ونصف الساعة لأن في ذلك عدة جوانب إيجابية أهمها: العمل بذهنية مريحة، والتأمل الإيجابي في توزيع الأدوار، والعمل في أوقات لم نكن نعمل فيها من قبل، والتأني أثناء التصوير فلا نكون مضغوطين بعامل الوقت، فشهر رمضان عندئذ لن يداهمنا، كما أن الظروف ستختلف، إذ أثناء العرض يمكن اختيار التوقيت المناسب لبث العمل فلا مسلسل قبله أو بعده أو إلى جانبه في محطة تلفزيونية أخرى، ويمكن لنا متابعته نحن والممثلون المحرومون من ذلك، وبعد العرض يمكن لكل شخص أن يقيم نفسه ويبني على ما أصاب به في هذا العمل ويتعلم في نفس الوقت من الأخطاء التي وقع فيها.

أما بالنسبة للحلول فيقول نجيب: أعتقد أنه بات لدينا أكثر من محطة تلفزيونية سورية (ثلاث محطات رسمية إضافة إلى قناة الدراما السورية الجديدة وثلاث محطات خاصة)، وبالإمكان، ولا سيما مع قناة الدراما المتخصصة، العمل على البدء بإعادة الروح للمناخ الدرامي السوري من خلال تبني شراء أي عمل جيد مهما كان عدد حلقاته، مع التركيز على العرض في أي وقت وليس خلال شهر رمضان فقط.

من جهته رأى الفنان جهاد سعد أن مسألة تركز عروض الدراما السورية والعربية عموما خلال شهر رمضان بات مشكلة شبه عصيبة، وهذا بالضرورة سيجبر المنتجين على إنتاج مسلسلات من ثلاثين حلقة. وكي لا أتهم أحدا بالتسبب أو التقصير دون غيره، فالأسباب والنتائج معا تشكلان البؤرة التي نحتاج للخروج منها.

وأضاف: نحن الممثلين لنا النصيب الأكبر من الألم الذي على ما يبدو لا يوجد من يسأل عنه، فتصوروا أننا نبدأ مع انتهاء شهر رمضان مباشرة بقراءة النصوص المعروضة علينا، وبعد أن نوافق على ما يناسبنا نتجه مباشرة نحو التصوير، ويكون أمام الممثل خمسة أعمال وربما أكثر، فتراه صرف سبعة أشهر متتالية من عامه في التصوير لمشاهد أدواره في المسلسلات. وما ان يؤدي ما عليه من أعمال أخرى (إدارية، عائلية، مسرح، سينما) حتى يكون شهر رمضان قد حل بسرعة البرق وتبدأ العروض. وخلال الشهر الفضيل، لا يستطيع الفنان في كثير من الأحيان مشاهدة كل أعماله وأحيانا لا يشاهد نصفها. لذلك نقولها بجرأة وحرقة قلب، لقد اشتقنا لأيام الثلاثيات والسباعيات والعشاريات، اشتقنا للعروض على مدار العام، اشتقنا للأيام التي كنا نجلس لنتابع أعمالنا فنحللها ونتفحصها ونراجع أنفسنا لتدارك أخطائنا.

وختم سعد: نحن اليوم نقدم خمسة أعمال في العام ولا نشاهدها، كيف لنا أن نصلح ما ارتكبناه من هفوات في كل عمل؟ هنا المشكلة، وهذه هي القضية، فهل من مجيب؟

أما الكاتب وليد إخلاصي فقال: أعتقد أن المشكلة موجودة، لكن لا توجد جهة معينة تتحمل مسؤوليتها وحدها. فالكل مسؤول عن ذلك من دون استثناء بدءا من الكاتب مرورا بالممثل والمخرج وانتهاء بشركات الإنتاج التي من الطبيعي أن تتنصل من مسؤولياتها وتلقي باللائمة على القنوات الفضائية العربية التي تعرض الأعمال وفي ذلك بعض الحق. لكن لنأت إلى مناقشة كل جهة من هذه الجهات على حدة، فالكاتب أولا، استسلم تماما لسلطة المخرج والمنتج، فبات يفكر في الثلاثين حلقة غير منقوصة، وعندما تكون أفكاره لا تستوعب ثلاثين يوما أو ثلاثين ساعة تراه ابتكر إطارا جديدا أو ما يسمى خطا دراميا جديدا ربما يكون صالحا للبناء عليه لمسلسل مستقل. وبالنسبة للممثلين فهم مسؤولون لأنهم أهل المهنة لكنهم للأسف لم يرفعوا أصواتهم إلا عبر الصحف أو مقابلات تلفزيونية، وغالبا ما كان صوتهم خافتا خجلا، في حين كان عليهم طرق الأبواب الرسمية مستغلين الضرورة الملحة لوجودهم على الساحة، وأخص هنا الممثلين الكبار من ذوي النفوذ.

أما المخرج فإنه سلم أمره لشركات الإنتاج وبات مثلها لا يقبل مسلسلا إلا من ثلاثين حلقة، فتراه يعاني في التصوير لشهرين أو ثلاثة ثم ينتهي دوره بعد أن يسلم المسلسل جاهزا للشركة وينام بعدها لتسعة أشهر هي كفيلة بالحد من إمكانات تطوره. وأخيراً شركات الإنتاج، فهي مستسلمة كما هو معروف للقنوات التلفزيونية العربية التي تشتري الأعمال وهي للأسف لا تشتري إلا عملا رمضانيا، وخارج رمضان ابتكرت تلك القنوات حديثا موضة “الأعمال التركية” لتكون بديلة.

وأضاف اخلاصي: الحل بالطبع هو في إدارة التلفزيون العربي السوري التي عليها التصدي بقوة لهذه المشكلة قبل أن يفوتنا القطار، فهي مسؤولة عن تسويق منتجها الوطني وشرائه، ولا يجوز أن تدعي أنها لا تقدر على شراء كل الأعمال لأن المطلوب منها أولا هو تسويق الأعمال أي أن تؤمن السوق المثالي للمسلسلات السورية مهما كان عدد حلقاتها محدودا. ونستبشر اليوم خيرا بقناة الدراما السورية الجديدة وهي إن أنقذت الثلاثيات والرباعيات والسباعيات من الزوال تكون أنجزت أول مهامها، أما غير ذلك فإن وجودها سيكون مثل عدمه.

المخرج أسامة شقير قال: إذا كان المقصود هو الوضع الدرامي في سوريا فقط، فهو ليس بالمشكلة المستعصية وإن كنت لا أنفي أثره السلبي في مسيرة الدراما ككل. لكنه ليس بتلك المشكلة الكبيرة كون الأمر في سوريا معالج جزئيا من خلال التلفزيون العربي السوري الذي لم يلغ من أجندته الدرامية مسلسلات الحلقات المتعددة الأقل من عشر حلقات. فبين الفينة والفينة ينتج التلفزيون السوري ثلاثية اجتماعية، وأحيانا سباعية، وفي بعض الأحيان فيلما تلفزيونيا أو سهرة تلفزيونية من جزء أو جزأين، وبالنسبة لكونه تلفزيوناً حكومياً وغير متخصص فإن ما يقدمه يفوق طاقته وهذه حقيقة يعيها كل مخرجي سوريا وممثليها. غير أن النقد الموجه من قبل المنتقدين (ممثلين أو مخرجين أو كتابا) هو للشركات الإنتاجية التي لم تعد تتعامل مع هذه الأعمال القصيرة، وفي ذلك حق في مكان وغير ذلك في مكان آخر، فالتلفزيون الرسمي حين يتبنى ذلك فمن أجل دعم إنتاجه الوطني وقد يخسر في سبيل القيمة الفنية ما دام صاحب رسالة، وهو قد يعوض بعض خسائره إن وقعت من خلال الإعلانات التجارية، أما شركات الإنتاج فمشكلتها أنها مرهونة للقنوات العربية الفضائية التي تطالبها بإنتاج رمضاني خالص، فما عساها تفعل؟

وتابع قائلا: هل يوجد اليوم منتج يضحي بماله في سبيل نهضة درامية؟ بالطبع من النادر أن يوجد مثل هذا. أنا كمخرج أعمل معظم مسلسلاتي من إنتاج التلفزيون وأعترف بأن إدارته دعمتني حين أنتجت المسلسلات الثلاثينية مثلما دعمتني عندما أخرجت الثلاثيات وغيرها من الأعمال محدودة الحلقات.

ولتأكيد رغبة التلفزيون السوري في الأعمال الثلاثية والسباعية وغيرها، علينا متابعة شاشته على الدوام إذ إنه يعرض بشكل مستمر مسلسلات من السبعينات والثمانينات والتسعينات أيام لم نكن نعرف المسلسل الثلاثيني. هناك حلول، وقد تكون قناة الدراما التي انطلقت قبل أسابيع قليلة على الموعد مع عرض الأعمال التي تنتج على مدار العام، أي بعدم تركيز العرض في رمضان فقط لكن هذا يتطلب من المخرجين والكتاب الانطلاق بالأعمال محدودة الحلقات وعدم انتظار شركات الإنتاج لأن الأمر لا يناسبها وعلى الجميع فهم ذلك.

علاء محمد

المصدر: الخليج

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...