الفنانون واستثمار التعاطف بادعاء المرض

28-05-2007

الفنانون واستثمار التعاطف بادعاء المرض

ليس المرض أمراً في الامكان «الاستفادة» الاعلامية والجماهيرية منه إلا عندما يحل في جسد فنانمادونا ! وليس المرض امراً في الامكان إخفاؤه والتعتيم عليه والتعاطي مع الآخرين على انه غير موجود الا عندما يحل في جسد فنان! والمعنى أن هناك صنفين من الفنانين: واحد يستغل تعرضه لمشكلة صحية قد تكون عارضة وعابرة و «تصير في أحسن البيوت» و قد تكون كبيرة وخطيرة، فيضعها في الواجهة الاعلامية عبر تسريبات تارة أو بالفم الملآن طوراً. وآخر يستعين على قضاء حوائجه الصحية بالكتمان ويعتبر المرض حالة طبيعية لأي بشري لا يجوز وضعها في سياق «بروباغندا» إعلامية. الصنف الأول من الفنانين يقترب الى أن يكون فاجراً في تجارة الشهرة والأضواء. والصنف الثاني هو من الكائنات الحية التي تعطي لكل وضعية ما يناسبها واقعياً.

نعرف في العالم العربي نماذج من الصنفين من الفنانين الذين تمتلئ بأخبارهم وأسرارهم صفحات الصحف والمجلات. فمن خبر يدّعي انه «سرّي» يعلن اصابة هذا الفنان بمرض نفسي أو بدني ما، الى خبر يجزم بأن تلك الفنانة في وضع صحي خطير، الى ما سوى ذلك من «الترددات» التي يأتي بعضها منسقاً مع الفنان أو الفنانة للفت الانتباه، والبعض الآخر على شكل إشاعة، والبعض الأخير فقط مبنياً على وقائع!

المسألة في الأساس، مسألة أخلاقية، وتعود الى تقدير كل فنان لدوره وحضوره، وحدود الممنوع والمسموح التي يضعها لنفسه لا التي يضعها المجتمع ككل له، ولا تلك التي قد يكون المجتمع الفني اعتادها وخَبِرها.

اما الامثلة التي ترد في هذا المجال فمتباينة:رامي عياش

لم تكن أم كلثوم مثلاً، ترغب في يوم من الأيام ان يصل الى الناس خبر إصابتها بالغدة الدرقية. والمضاعفات التي ولّدها وصول الخبر اليهم ربما كانت بمستوى أذية المرض نفسه. فبالنسبة اليها كانت تريد ان تبقى صورتها الشخصية قوية، متينة لأنها في الأساس نتاج زمن كان ينظر فيه الى المرض وكأنه عيب لا كأي شأن عادي، خصوصاً حيال امرأة مشهورة مثّلت عنفواناً اخلاقياً وإنسانياً وفنياً واجتماعياً للجمهور ردحاً من الزمن. ولم يُذكر انها تحدثت للاعلام في هذا الموضوع اطلاقاً...
عبدالحليم حافظ مثلاً آخر، حفلت وسائل الاعلام كافة بروايات ومواقف وتحقيقات عن اصابته بالبلهارسيا منذ طفولته، وكان في بعض المقابلات يتطرق الى الأمر من دون تركيز، لكن لم يُعرف عنه ابداً انه استخدم ذلك لاثارة شفقة او حتى محبة. دائماً كان يبدو مقبلاً على الحياة، مقبلاً على الغناء، وعلى النشاط الفني بوجوهه كافة على رغم بعض الحالات التي كان أثناءها يعاني أوجاعاً مخيفة. وكم مرة اخفى حقيقة دخوله المستشفى في القاهرة او في لندن حفاظاً على صحة علاقته بالجمهور التي كان يراها جزءاً من صحته البدنية والنفسية.

أم كلثوم وعبدالحليم حافظ مثلان من الماضي. اما من الحاضر فهل بقي احد لم يعلم بأن المغنية أصالة مثلاً كانت مصابة بنوع من الشلل في طفولتها، وهل هناك حوار تلفزيوني او اعلامي معها لم يعرّج على القضية؟ ومع انها كانت في أغلب الأحيان تتجاوز العودة الى نبش الماضي الصحي بالكلام على الحاضر الفني او الشخصي فإنها لم تفلت من المطبات الدعائية!

ملحم بركات مثلاً ايضاً، أجريت له جراحة القلب المفتوح ولم يعلم أحد إلا أقرب المقربين جداً. وعندما نشر الخبر في الصحافة لم يعلق إلا قليلاً، وأنهى الموضوع جملة وتفصيلاً في مقابلاته بعد ذلك.

مادونا نجمة الثمانينات والتسعينات الأولى من القرن الماضي أصيبت بسرطان الثدي وخضعت لعلاج دقيق وطويل، ولم يدر احد من الجمهور بذلك إلا بعد سنوات، ثم عادت فأطفأت السيرة نهائياً بعدما كانت كشفت الموضوع أصلاً كنوع من الذكريات الأليمة.

بعضهم يجد متعة في توظيف أي حدث او حادث، وأحياناً يخترع حدثاً او حادثاً لاستنفار فضول الآخرين، وبعضهم يكتفي باعتبار ذلك امتحاناً من السماء أو من القدر او من الظروف ينبغي ان يمر فيه بأقل ضرر وبأكبر قدر من المقاومة الشخصية «السرية».

قبل سنتين، تحدث الركبان عن اصابة المغني رامي عياش بمرض عضال، وضاقت وسائل الاعلام بالقصص المتوالية عنه. تبين بعد التحاليل انه كان احتمالاً ضئيلاً ومضى على خير... أما الجلبة الاعلامية التي حصلت فثمة من يردها الى «سياسة» فنية مقصودة و... «هادفة»!.

عبد الغني طليس

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...