السينما الإيرانية.. سينما جاهِل.. سينما عالِم

03-02-2009

السينما الإيرانية.. سينما جاهِل.. سينما عالِم

يجب أن نثق بالعقل، عقلنا فنصنعَ نهضتنا وليس سينمانا فحسب. عربياً إلى الآن لم نثق بعقلنا، فالمفكرُ فيه حين يفكِّر يبقى جامداً وسكونيا، فلا يُنجب إلاَّ التخلف. في حين أنَّ التفكير يولِّد الوجود، هكذا وُلدت إلى الوجود السينما الإيرانية، وُلِد الفكر السينمائي الإيراني كجزء من فعل، جزء من الفعل، فيكشفُ، يكتشفُ، يُرينا الجديد. فكما نحكي عن سينما فرنسية، وسينما يابانية، وسينما إيطالية- صار هناك سينما إيرانية، سينما صنعها عقل يفكِّر بالجمال، ولكن ببالغ القسوة، وبمنتهى العذوبة؛ قسوة سينمائييالمخرج الإيراني عباس كياروستامين من أمثال: عباس كياروستامي، ومهرام بيزائي، ومحسن مخملباف.

أوَّل فيلمين إيرانيين كانا صامتين، وهما للإيراني من أصل أرمني «أفانيس أوغانيان»؛ الأوَّل كان باسم «أبي وربي» الالعام 1930 وهو فيلم هزلي، أما الثاني فكان اسمه «حجي أغا الممثِّل السينمائي» 1932، وهو عن رجل متديِّن يتحوَّل من متطرِّف ضدَّ السينما إلى ممثِّل سينمائي، إذ كانت المعارضة الدينية ضد إدخال السينما إلى إيران قوية. على أنَّ إنشاء أوَّل دار للسينما كان الالعام 1904 وعرضت فيها أفلام أوروبية، ثمَّ أقيمت دار ثانية في الالعام 1907 في طهران. بعد فيلمي أفانيس أوغانيان قام إبراهيم مرادي بإخراج فيلم «الجشع» الالعام 1934 عن فلاح يهجر زوجته في القرية إلى امرأة في المدينة، كما أخرج عبدالله حسين سيبانتا فيلم «الفردوسي» 1934، وكان سبقه إردشير إيراني بإخراج فيلم «الفتاة المتعالية» عن حكاية حب؛ وهو أوَّل فيلم غنائيٍ ناطق بالإيرانية. ثمَّ جاء فيلم «عاصفة الحياة» 1948 من إخراج إسماعيل كوشان، ثمَّ أتبعه بفيلم «سجين الأمير» وهو أحد أهم الأفلام التي استقت مادَّتها من الدراما التاريخية، ثمَّ أخرج الالعام 1951 فيلمه «حب مسكر»، كما أخرج في نفس الالعام بارفيز خطيبي فيلم «القفاز الأبيض» وهو عن حب رجل وابنه لفتاة. ثمَّ تتالت الأفلام؛ وكان لفيلم «كولا مخملي» 1962 الذي أخرجه إسماعيل كوشان عن الفتوَّة والشطار الذين يعيشون ويمثِّلون الطبقة الدنيا في المجتمع أهمية كبيرة، إذ عُرف هذا الفيلم الذي اتبعته أفلام عديدة بموجة أفلام «الجاهل»، ولعب بطولتها الممثِّل «ناصر ملك مطيعي». وقد شهدت مرحلة الستينيات هذه فورةً في الإنتاج السينمائي، إذ بلغ معدَّل الأفلام التي تُنتج سنوياً ما يقارب خمسة وعشرين فيلماً، بل وصل في إحداها إلى خمسين فيلماً، إنَّما كانت أفلاماً تجارية تقوم على (ميلودرامات) ساذجة ومبتذلة قصدها الإثارة والتسلية.

في العام 1962 قامت المخرجة «فوروغ فاروخزاد» بإخراج فيلمها «المنزل المظلم» والذي شكَّل انعطافاً مهماً في السينما الإيرانية، إذ تصدى وبإسلوب شاعري لمرض الجذام. ثمَّ جاء بعده وبنفس المستوى الفكري والجمالي فيلم «ليل الأحدب» 1964 للمخرج «فاروخ غفاري» الذي شكَّل أوَّل علامة في السينما الإيرانية الجديدة، وفيلم «القرميد والمرأة» 1965 للمخرج إبراهيم جولتان ثمَّ جاء فيلم «البقرة» 1969 للمخرج درويش مهرجوي، ويسرد قصة رجل مع بقرته، واعتبر هذا الفيلم بمثابة بداية لسينما إيرانية حقيقية تسبر أغوار الذات الإنسانية في أتعس لحظات انحطاطها.

لكن لا بدَّ من استخدام السينما في مواجهة القمع والاستبداد الذي كان يمارسه شاه إيران على شعبه، فجاء فيلم «تانغسر» العام 1973 للمخرج أمير نادري، و هو عن رواية لصادق شوباك، إذ إنَّ بطل الفيلم يقوم بعمل فردي فينتقم من الطغمة الحاكمة التي سرقته، سرقت تعب عمره. بعد فيلم نادري هذا قدَّم المخرج سوهراب شهيد سالس فيلمه «حادثة بسيطة» 1973، ثمَّ فيلمه «حياة ساكنة» 1975 مؤسِّساً لسينما واقعية جديدة تفضح وتعري وتكشف عن عمق المأساة التي يعيشها المواطن الإيراني في ظل نظام استبدادي، وهذا ما شجَّع فيما بعد كلاً من عباس كياروستامي ومحسن مخملباف لأنهما يسيران على نفس طريق سوهراب سالس الذي يعتبر معلمهما الأوَّل.

في العام 1974 يظهر فيلم «الغريب والضباب» للمخرج مهرام بيزائي الذي ينحاز لإبراز الحسِّ الوطني والقومي للثقافة الإيرانية، فيكشف عن أمراضها ويطرح الحلول لمعالجتها، ثمَّ يتبعه بفيلم «أغنية تارا» 1978، الذي ذهب فيه إلى السرد الملحمي بحرص شديد على مستقبل ثقافته/ ثقافة أمَّته معيداً الاعتبار إلى العقل/الواقع وليس إلى التخييل/الأحلام، فالواقع أكثر غنى بالأساطير، وأكثر مأساوية.

غير أنَّه لمَّا جاءت الثورة الإيرانية العام 1979 عوَّل السينمائيون الإيرانيون الكثير عليها، لكنَّها سرعان ما اتخذت قرارات كان من أهمِّها منعُ بعض المخرجين المبدعين الذين شغلتهم قضايا الحرية والحياة الإنسانية الكريمة من العمل، فما كان من محسن مخملباف ورفشان بني- اعتماد أن التحقا بمهرام بيزائي، وعباس كياروستامي، ودايوش مهرجوي، ليؤسِّسوا لسينما إيرانية جديدة؛ سينما الإنسان العالِم فيصنع نهضته، التي حوَّلت إيران إلى واحدةٍ من أهم الدول في الشرق الأوسط، بينما بقينا نحن العرب من أهمِّ الدويلات التي يتكالب عليها؛ يتقاسم ثرواتها الأقوياء.

أنور محمد

المصدر: أوان الكويتية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...