افتتاح مهرجان «كانّ» بفيلم يمثّل السينما المستقلّة

17-05-2012

افتتاح مهرجان «كانّ» بفيلم يمثّل السينما المستقلّة

بدأت الدورة الخامسة والستون لمهرجان «كانّ» السينمائي الدوليّ مساء أمس الأربعاء. اختارت إدارته فيلماً أميركياً بعنوان «مملكة طلوع القمر» (الترجمة العربية الحرفية للعنوان الإنكليزي: «Moonrise Kingdom») لِوَسْ أندرسن، لافتتاح دورة استعادت أفلاماً حقّقها مخرجون اعتادوا «المثول» أمام هيكل الفن السابع لقطة من «مملكة طلوع الفجر» لوس أندرسن، ظهر فيها من اليمين إدوارد نورتون وبروس ويليس وتيلدا سوينتن وبل موراي ولجنة تحكيم مسابقته الرسمية، المنعقدة هذا العام برئاسة الإيطالي ناني موريتي، والمؤلّفة من الممثلة والمخرجة الفلسطينية هيام عباس، والمخرج الأميركي ألكسندر باين، والممثلة الألمانية ديان كروغر، ومصمّم الأزياء الفرنسي جان ـ بول غوتييه، والممثلة الفرنسية إيمانويل ديفوس، والمخرجة البريطانية أندريا آرنولد، والمخرج الهايتي راوول بيك. استعادت أفلاماً أنجزها مخرجون «متورّطون» بالهمّين الإنساني والسينمائي، و«بارعون» في تحقيق المعادلة البصرية المطلوبة بين الشكل والمضمون. فيلم الافتتاح نفسه طرح سؤالاً حول مغزى اختيار هذا الفيلم الأميركي، خصوصاً أن مخرجه الشاب (مواليد هيوستن، تكساس، 1 أيار 1969) يُعتَبر أحد أبرز «المواهب الشابّة في السينما المستقلّة». غير أن انتماء المخرج إلى السينما الأميركية المستقلّة دافعٌ أساسي للاختيار: «وس أندرسن يُشكّل إحدى القوى الصاعدة في السينما الأميركية»، كما قال تييري فريمو. أضاف المندوب العام للمهرجان أن لأندرسن «لمسة شخصية جداً»، خصوصاً في هذا الفيلم الجديد، «الذي يشهد مجدّداً على حرية الخلق المستمرّة في التطوّر». أشار فريمو إلى أن الفيلم «حسّاس ومستقلّ»، وإلى أن مخرجه، «المُعجَب بفيلّيني ورونوار»، هو «سينمائي لامع وخلاّق». أما جيل جاكوب، رئيس المهرجان، فقال إن افتتاحاً بفيلم لِوَسْ أندرسن «يعني احتفالاً بالسينما الأميركية الشبابية» على شاطئ الـ«كروازيت».

افتتاح شبابي

في فيلمه الجديد هذا، عاد وِسْ أندرسن إلى صيف العام 1965، ليروي قصّة حبّ بين مراهقين في الثانية عشرة من عمرهما، التقيا في مخيّم صيفيّ، وأُغرما بعضهما بالبعض الآخر، فقرّرا الهرب معاً في مغامرة لم ينتبها إلى مخاطرها، خصوصاً أن هذا المخيّم الصيفي مُقام في جزيرة، وأن «الطبيعة» خبّأت لهما عواصف رعدية. خبر هربهما أدّى إلى تجنيد كثيرين للبحث عنهما: الأهل والكشّافة ورجل الشرطة والمُساعِدة الاجتماعية وأهل المدينة جميعهم. لكن، ماذا عن هوامش الحبكة؟ ما الذي أخفاه أندرسن في طيّات السيناريو، الذي كتبه مع رومان كوبولا، ابن فرنسيس فورد كوبولا؟ فالعالم الدرامي والإنساني لمخرج «روشمور» (1998) و«عائلة تننباوم الملكية» (2001) وغيرهما موصوفٌ بكونه «سوداوياً»، وأندرسن نفسه درس الفلسفة قبل انخراطه في العمل السينمائي، واهتمّ كثيراً بالعلاقات العائلية في أفلامه الستة السابقة لجديده الأخير هذا، التي بدأ تحقيقها في العام 1996 بـ«رأس محترقة» (أو Bottle Rocket). من جهته، قال بروس ويليس (أحد الممثلين الرئيسيين في الفيلم، إلى جانب إدوارد نورتون وتيلدا سوينتن وجايزون شفارتزمان، بالإضافة إلى بل موراي الذي مثّل بإدارة أندرسن سابقاً في ثلاثة أفلام): «هذا فيلم لِوَسْ أندرسن. فريد من نوعه كأفلامه السابقة. إنه طريف ورائع».
بدت الطرافة، الممزوجة بشيء من الكوميديا الاجتماعية النقدية، سمة الفيلم الجديد للبريطانيّ كن لوتش «حصّة الملائكة»: أب اسكتلنديّ شاب نجا من السجن بأعجوبة، فوجد نفسه مقيماً في هامش اجتماعي مزر بفقره وقسوة يومياته وقرفه وجنون ناسه. غير أن حياته تتبدّل كلّياً عندما يزور، بمعيّة أصدقائه المشرّدين والعاطلين عن العمل، مصنعاً للـ«ويسكي» الشعبية: هناك، عثروا جميعهم على ما اعتبروه «فرصة ذهبية» يُمكنها تغيير مسار حيواتهم البائسة. في هذا الإطار «الانقلابي» نفسه، الذي غيّر مسارات أناس وأقدارهم، يُدرج «صدأ وعظام» للفرنسي جاك أوديار، لكن على مستوى الحياة العاطفية لشاب عاطل عن العمل ويهوى الملاكمة. الفرنسي الثاني المُشارك في المسابقة الرسمية هو آلان رينيه بفيلمه الجديد «أنتم لم تروا شيئاً بعد»، المستوحى من مسرحية «يوريديس» لجان أنوي: ممثلون مدعوون إلى الاستماع إلى وصية كاتب مسرحي إثر وفاته، وفيها مطلب واحد: تأدية نص أنوي هذا، كلٌّ بحسب رؤيته الخاصّة به.

انقلابات

انقلاب آخر صوّره الإيراني عباس كياروستامي في «مثل امرئ عاشق»، ذاهباً به إلى طوكيو، وإلى حكاية طالبة حسناء تمارس البغاء لتؤمّن تكاليف دراستها. لكن لقاءها رجلاً مختلفاً دفعها إلى اختبار تحوّل جذري في سلوك حياتها. بينما قدّم النمسوي ميكائيل هانيكي في «حبّ» قصّة أستاذ موسيقى متقاعد يواجه الموت وتحدّياته إثر إصابة زوجته بجلطة قلبية. النمسوي الثاني هو أولريش سيدل الحامل معه إلى «كانّ» جديده «جنّة: حبّ»: ثلاث حكايات عن أم تسافر إلى كينيا لإشباع رغبتها الجنسية مع رجال أفارقة، وعن ابنة بدينة تستغلّ غياب أمها فتشارك في مخيّم صيفيّ لإنقاص وزنها فتُغرم بمدير المخيّم، وعن رجال ونساء شبان وعجائز يلتقون بعضهم بالبعض الآخر في حيّز مفتوح على أسئلة الحب والجنس والمجتمع والجسد.
هناك اثنان وعشرون فيلماً مشاركاً في المسابقة الرسمية، من بينها، بالإضافة إلى ما ذُكر أعلاه، «واقعي» للإيطالي ماتيو غاروني، المنتقد بسخرية برامج «تلفزيون الواقع»، و«محرّكات مقدّسة» للفرنسي ليو كراكس، السارد قصّة شاب يعبر أزمنة عديدة، طارحاً أسئلة الحياة والشباب والشيخوخة وغيرها، و«كوزموبوليس» للكندي ديفيد كروننبيرغ الذي صوّر مدينة نيويورك المقيمة على حافة الحرب، ملتقطاً نبضها الموزّع على أناس مُصابين بالارتباك والقلق، بينما أحد أثرياء مانهاتن لا يُعير الحالة المتوترة أدنى اهتمام. بالإضافة إلى «بعد الموقعة» للمصري يُسري نصر الله، المستوحى من «موقعة الجمل» إبّان الحراك الشعبي العفوي والسلميّ ضد الرئيس المخلوع حسني مبارك، من خلال قصص أناس منتمين إلى «فريقي الصراع»، التقوا في لحظة صدامية، فتكسّرت أمامهم جدران النزاع، عاكسين بحكاياتهم وقائع المواجهات الداخلية (في الذات والروح) والخارجية (بين الشعب ورجال السلطة البائدة).
أسماء عديدة وأفلام متنوّعة في المسابقة الرسمية أيضاً: النيوزيلندي أندرو دومينيك و«اقتلهم بلطف»، والدانماركي توماس فينتربرغ و«الصيّاد»، والكوري الجنوبي إيم سانغ ـ سو و«نشوة المال» ومواطنه هونغ سانغ ـ سو و«بلاد أخرى» وغيرهم. أسماء وأفلام موزّعة على مسابقات أخرى، كـ«نظرة ما» و«أسبوع النقّاد» و«أسبوعا المخرجين». وهذا كلّه في إطار الاحتفال السنوي الأهمّ بجديد السينما وسجالاتها وحكاياتها التي لا تنتهي.


نديم جرجوره

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...